كانت شركة "بيثلهم ستيل" الأمريكية يومًا، ثاني أكبر منتج للصلب في الولايات المتحدة وأحد أهم اللاعبين العالميين في الصناعات الثقيلة مثل إنتاج السفن، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى رجل الأعمال "تشارلز مايكل شواب" الذي عُرف بنظرته الثاقبة وحنكته الإدارية وقدرته على تعزيز الإنتاجية.
كان "شواب" أحد رجال الأعمال الأوائل الذين رسخوا قواعد صناعة الصلب في الولايات المتحدة، وشغل منصب رئيس شركتي "كارنيجي ستيل" و"يونايتد ستيتس ستيل كوربراشن" للحديد والصلب في الولايات المتحدة قبل أن يقود "بيثلهم ستيل" ويطور نموذج عملها لتستحوذ سريعًا على حصة ضخمة من السوق.
صعود سريع للسلم الوظيفي
- ولد "تشارلز مايكل شواب" في الثامن عشر من فبراير/ شباط عام 1862، في ويليامسبورغ، بنسلفانيا، لأسرة من الطبقة العاملة، حيث كان أبوه يعمل في إنتاج الصوف، وعمل في صغره كبائع في أحد المتاجر قبل التحاقه بأحد مصانع الصلب، بحسب موسوعة المعلومات البريطانية "بريتانيكا".
- في سن التاسعة عشرة، أصبح "شواب" مساعدًا لمدير مصنع "إدغر طومسون ستيل وركس" التابع لـ"كارنيجي ستيل"، وبحلول عام 1887 تولى مهام الإدارة كاملة بعدما تعرض المدير لحادث أودى بحياته.
- في عام 1892، قررت "كارنيجي" وضع "شواب" في قيادة إحدى وحداتها الرئيسية التي عانت من إضرابات واحتجاجات عمالية دموية، ما أدى في النهاية إلى نقص العمالة واضطراب الإنتاج، لكن المدير الشاب استطاع تحسين العلاقات مع العمال والسكان المحليين وزاد من كفاءة الإنتاج في المصنع مستفيدًا من التقدم التكنولوجي.
- بحلول عام 1897 أصبح "شواب" (وهو في عمر الخامسة والثلاثين) رئيسًا لشركة "كارنيجي ستيل" بأجر إجمالي تجاوز المليون دولار، وبعد 4 سنوات ساهم في إنجاح مفاوضات بيع الشركة لمجموعة من المستثمرين في نيويورك بقيادة مصرف "جيه بي مورغان".
- أثمرت صفقة بيع أصول "كارنيجي" عن ميلاد شركة جديدة هي "يونايتد ستيتس ستيل كوربراشن"، وأصبح "شواب" أول رئيس لها، لكنه خاض صراعات وخلافات عدة مع "جيه بي مورغان" وعدد من التنفيذيين، فقرر الرحيل عام 1903.
- عقب الرحيل مباشرة، اقتنصت "بيثلهم ستيل" خدمات "شواب" وولته إدارة الشركة التي كانت تتخذ من بنسلفانيا مقرًا لها، وكما أشرنا في السابق، استطاع إعادة تنظيم الأعمال وجعلها أكبر منتج مستقل للصلب في العالم، بحسب موقع "لجيندس أوف أمريكا".
حس إداري استثنائي
- يقول موقع "بزنس إنسايدر" إن قطب أعمال الحديد والصلب عُرف بمهاراته الإدارية المتعددة السابقة لعصره وعمره، وقد صاغ أحد أكثر أساليب الإدارة الفعالة بقطعة من الطباشير لرسم أحد الأرقام.
- في مطلع القرن العشرين أراد "شواب" زيادة إنتاجية العمال في "بيثلهم"، وحاول اتباع الكثير من الحيل، لكن أيًا منها لم ينجح، حتى التهديد بالتسريح، بيد أنه وصل في النهاية إلى خطة مبتكرة لتحفيز العاملين وإشعال المنافسة بينهم.
- في كتاب "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس"، يقول "ديل كارنيجي": في نهاية الدوام طلب "شواب" من مشرف الفترة الصباحية قطعة طباشير، ثم سأل أحد المشرفين "كم عدد الوحدات التي ينتجها العامل؟" فرد عليه "ست وحدات".
- دون أي كلمة أخرى، دون "شواب" الرقم 6 بحجم كبير على أرضية المصنع ثم رحل، وعندما جاء عمال الفترة المسائية تساءلوا عن سبب وجود هذا الرقم، فرد زملاؤهم بأن رئيس الشركة كان في المصنع اليوم واستفسر عن مستوى الإنتاجية ثم دونه بهذه الطريقة.
- في صباح اليوم التالي، ذهب "شواب" مبكرًا إلى المصنع، فوجد عمال الفترة المسائية محوا الرقم 6 واستبدلوا به 7، وعندما قدم عمال الفترة الصباحية وجدوا أن الرقم قد تغير فعلموا أن زملاءهم قدموا أداءً أفضل منهم، فقرروا إظهار أفضل ما لديهم.
- اجتهد العاملون في الدوام الصباحي لأظهار أحسن إمكاناتهم والتفوق على زملاء المساء، وعندما غادروا المصنع في هذا اليوم كان الرقم الذي قد تم تدوينه هو 10، وبذلك نجح "شواب" في خلق مناخ من المنافسة الفعالة والإيجابية بين العاملين صب في صالح الإنتاجية.
- هذا المصنع كان متخلفًا في الإنتاج عن أقرانه، لكن بفضل هذا الأسلوب في التحفيز، تحول إلى المصنع الأكثر إنتاجًا مقارنة بغيره، وعلق "شواب" على الأمر قائلًا لـ"كارنيجي": لإنجاز الأمور، عليك تشجيع المنافسة.
- من بين المقولات المأثورة لـ"تشارلز شواب"، وفقًا لـ"فوربس": ينبغي على الرجل الذي يدير أعمالًا ناجحة أن يكون لديه خيال كبير، يجب أن يرى الأشياء كما في رؤيته، يجب أن يحلم بكل شيء.
نهاية حزينة
- خلال الحرب العالمية الأولى، أصبحت "بيثلهم" منتجًا رئيسيًا للمواد اللازمة للجهود الحربية لجيوش الحلفاء، وبعد انقشاع غبار الحرب بدأ "شواب" يخفف من مهام العمل عن كاهله ويستعد للتقاعد.
- لكنه استمر في منصبه كرئيس مجلس إدارة لـ"بيثلهم" وفوض مهام إلى المدير الإداري للشركة، حتى وافته المنية في لندن، في الثامن عشر من سبتمبر عام 1939، وفقًا لـ"إنكلوبيديا".
- بحسب موقع "سليبريتي نت وورث"، فإن النجاح المهني لـ"شواب" مكنه من بناء ثروة هائلة، ومنحه عيشة مترفة، لكن أسلوب حياته اتسم بالبذخ والإسراف، حيث أنفق ما يعادل حاليًا 500 مليون إلى 800 مليون دولار على مدار 20 سنة، وانتهى به الأمر مثقلًا بالديون قبل وفاته.
- بنى "شواب" قصره الخاص الذي تكلف قرابة 140 مليون دولار (بقيمة الدولار الحالية وفقًا لتغيرات التضخم)، علاوة على عدد كبير من العقارات، من بينها قصر لقضاء الصيف يتكون من 44 غرفة.
- في عام 2001، تقدمت "بيثلهم" بطلب للخضوع إلى حماية قانون الإفلاس، وبعد عامين فقط تم تقسيمها إلى 20 شركة، منها "بيثلهم ريال" و"غرين وود ماينينغ" و"شيكاغو كولد رولينغ"، وتم بيع أصولها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}