تعد الحرب والسياسة سببين محوريين وراء انهيار أمم بارزة في تاريخ الإنسانية، ولكن القرارات الاقتصادية أيضا أدت إلى فشل وسقوط دول، وتناول "بيزنس إنسايدر" في تقرير أشهر هذه الحالات.
واعتمد التقرير على كتاب "نيال فرجسون" تحت عنوان "صعود المال" الذي فصّل حالات السقوط الاقتصادي والتي كانت أكثر من مجرد قرار، بل إن هناك العديد من الأحداث أحاطت بكل حالة على حدة وكانت التداعيات ليست فقط على الدولة بل في الكثير من الأحيان على الاقتصاد العالمي.
"ميديشي" – إيطاليا
- كان بنك "ميديشي" أحد أهم المصارف في تاريخ العالم وأسسته أسرة "ميديشي" وتوسعت في أنشطته الائتمانية، ولا يزال من بين العناصر الأساسية لدراسة المحاسبة في معظم الجامعات.
- سطع نجم البنك بشكل كبير حتى أصبحت أسرة "ميديشي" منخرطة بشكل كبير في السياسية الإيطالية بل في عدد من دول أوروبا – خاصة "لورنزو دي ميديشي".
- أسفر الانخراط في السياسة عن انهيار البنك نظرا لضعف تركيز أفراد الأسرة على أنشطته المصرفية، ونتيجة الدخول في عمليات تمويل فاشلة، انهار المصرف وآلت ملكيته إلى "تشارلز الثامن" في فرنسا عام 1494، ثم تم حل البنك لاحقا.
ثورة الأسعار – إسبانيا
- خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر، بدأت إسبانيا استيراد الذهب والفضة من بيرو بوتيرة سريعة، وكانت المعادن هامة للغاية بالنسبة للإسبان، ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة للمواطنين في بيرو، وعندما احتلتها "مدريد"، أجبرت السكان الأصليين على العمل في المناجم.
- بعد استيلاء الإسبان والأوروبيين على كميات كبيرة غير متوقعة من الفضة والذهب، تسبب ذلك في تضخم هائل في الأسعار بوجه عام.
- أضر التضخم وزيادة الضرائب بالصناعة في إسبانيا، وتم إنفاق الكثير من ثروات البلاد على الحروب التي خاضتها لتفلس للمرة الرابعة عام 1596، وخسرت مدريد موقعها في أمريكا اللاتينية لصالح الهولنديين والإنجليز والفرنسيين.
فقاعة "مسيسيبي" – فرنسا
- وقعت هذه الفقاعة المالية في فرنسا بالقرن الثامن عشر عندما أسس الاقتصادي الأسكتلندي "جون لو" "بنك جنرال" الخاص واعتبر وقتها بمثابة أول بنك مركزي في تاريخ الدولة، كما أشرف هذا الرجل على منظومة جمع الضرائب وأنشطة سك النقود.
- اشترى "لو" شركة "مسيسيبي" عام 1719 التي احتكرت التبغ الفرنسي وتجارة العبيد في إفريقيا وأيضا الذهب والفضة، ونتيجة هذا الاحتكار، كانت تحقق أرباحاً ضخمة.
- أدى ذلك إلى طلب شعبي هائل على سهم الشركة مما دفع سعره نحو مستويات أعلى بكثير من حجم الأرباح، وانتعشت سوق الأسهم تزامنا مع مكاسب الشركة.
- طبعت الحكومة الفرنسية المزيد من الأموال لشراء الكثير من أسهم الشركة، وبالطبع، تسبب ذلك في تضخم مفرط تزامنا مع عدم تحقيق الشركة الأرباح المتوقعة.
- بالتبعية، هبطت سوق الأسهم ليس فقط في فرنسا بل في دول مجاورة، وهرب "لو" بعد فشل شركته وانهيار الاقتصاد الفرنسي، وزادت الحكومة الضرائب لسداد ديونها التي قفزت نتيجة انهيار البنك والشركة.
- استغرق الأمر ثماني سنوات قبل تعافي الاقتصاد الفرنسي وإعادة طباعة النقود الورقية مجددا.
"Overend, Gurney and Company" – بريطانيا
- كان "أوفريند وجيرني" وكومباني" مصرفا في لندن انخرط في أنشطة شراء وبيع أذون الخزانة وكان من بين أفضل البنوك في العالم، وحتى خلال أزمة مالية شديدة ألمت بالاقتصاد البريطاني، ظل قويا واستمر في منح قروض للبنوك الأخرى.
- أسس البنك "صمويل جيرني" وركز أنشطته على تبادل أذون الخزانة، وعندما تقاعد، حاول المسؤولون من بعده التوسع في المحفظة الاستثمارية وكان ذلك عن طريق الاستثمار في الأصول طويلة الأجل خاصة أسهم شركات السكك الحديدية.
- هبطت أسعار الأسهم والسندات – لاسيما تلك المملوكة لشركات السكك الحديدية – في القرن التاسع عشر، وطلب البنك إنقاذا ماليا من إنجلترا، ولكن البنك المركزي قابل الطلب بالرفض.
- أسفر الرفض عن احتجاجات عارمة وهلع شديد في المملكة المتحدة، وانهار البنك وتسبب في إفلاس 200 شركة أخرى.
الجيش الكونفدرالي – الولايات المتحدة
- منتصف القرن التاسع عشر، كان الجيش الكونفدرالي في حاجة لاعتراف دبلوماسي أثناء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، ومن أجل تحقيق ذلك، قرر قادته قطع جميع صادرت القطن عن أوروبا، وهي سلعة كانت هامة للغاية للقارة العجوز، وكانت أمريكا رائدة في تصديرها.
- تسبب قرار الجيش الكونفدرالي في ضعف الإيرادات ودمر التضخم قيمة الدولار الكونفدرالي ليهبط من 90 سنتا أمام الدولار الأمريكي إلى أقل من سنتين فقط مع نهاية الحرب الأهلية.
- كان دافع القرار سياسيا، ولكن عدم وجود بديل للإيرادات لدى الجيش الكونفدرالي تسبب في انهيار مالي.
السكك الحديدية – الولايات المتحدة
- لطالما يتم تسليط الضوء على أزمة عام 1893 بسبب الركود الكبير الذي تبعها بثلاثين عاما، ويعد أشد ركود مرت به الولايات المتحدة في تاريخها قد وقع أواخر القرن الثامن عشر.
- كان إفلاس شركة "فلادلفيا & ريدينج ريلرود" للسكك الحديدية من أولى العلامات على وقوع أزمة خطيرة، وحدث الانهيار نتيجة التوسع المبالغ فيه خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر في أنشطة الشركة.
- في يونيو/حزيران عام 1893، انهارت سوق الأسهم الأمريكية مما أسفر عن أزمة ائتمان، وأفلست أكثر من 16 ألف شركة خلال الستة أشهر الثانية من ذلك العام، كما قفز معدل البطالة إلى 17% تقريبا، ولم يشهد الاقتصاد أي بوادر للتعافي قبل مرور أربع سنوات.
الثورة الروسية وتمويل الحرب
- انهارت الصناعات في روسيا وكانت الدولة على شفا الإفلاس بعد الحرب العالمية الأولى وزادت الإضرابات والفوضى في البلاد.
- كانت الأزمة الاقتصادية نتيجة الإفراط في طباعة الأموال لسد العجز الناجم عن تمويل الحرب، وارتفع معدل البطالة وانخفضت الأجور حتى إن الكثيرين تركوا وظائفهم للبحث عن طعام حتى ولو من خلال صيد الأسماك لتتضرر الصناعات بشكل أكبر.
- نجمت الأزمات المالية في روسيا عن صراعات من قبل مجموعات مسلحة تغلبت في النهاية على جيش البلاد وتم تأسيس الاتحاد السوفييتي عام 1922، وكان الدين العام حينها 50 مليار روبل – ما يعادل نحو ثلاثة تريليونات دولار بالقيمة الحالية.
الركود الكبير – الولايات المتحدة
- لا تزال أسباب حدوث الركود الكبير في أمريكا مثار جدل حتى الآن، ولكن بوجه عام، فإن طبيعة هذا الركود كانت بسبب عدد من القرارات.
- بدأت المشاكل عندما انخفضت سوق الأسهم الأمريكية وانهارت في التاسع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول عام 1929 – الثلاثاء الأسود – ورفعت واشنطن الرسوم الجمركية على الواردات عام 1930 مما أسفر عن هبوط حركة التجارة الدولية بنسبة 50% وزيادة معدل البطالة إلى 25% كما تعرضت دول أخرى لمشكلات مماثلة.
- كانت أمريكا تشهد سلسلة من الأزمات من بينها ضعف الواردات وارتفاع معدل البطالة والجفاف الذي أضر بالمحاصيل واستمر الركود من عام 1929 حتى منتصف أربعينيات القرن الماضي.
- خسر مساهمون في أمريكا أكثر من أربعين مليار دولار وأفلست أكثر من تسعة آلاف شركة في ثلاثينيات القرن الماضي.
سقوط الإمبراطورية البريطانية
- على غرار انهيارات اقتصادية سابقة، سقطت الإمبراطورية البريطانية بفعل تراكم الديون بشكل مفرط، واستدانت بريطانيا مليار دولار من أمريكا للمساهمة في دعم اقتصادها، ولم تنته لندن من سداد هذا الدين إلا عام 2006.
- تم حل البحرية الملكية في المملكة المتحدة وانفصلت المستعمرات بوتيرة سريعة عن التاج البريطاني مما أدى إلى أزمات سياسية في عدد من المناطق حول العالم.
- كانت الحرب العالمية الثانية بمثابة الضربة القاضية للإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، فقد بلغت ديونها أكثر من 250% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1949.
فقاعة الإسكان – الأزمة المالية العالمية
- وقعت أزمة الرهن العقاري لعدة أسباب، ولكن العامل الرئيسي كان منح وسطاء الرهن العقاري قروضا لمالكي منازل غير مستحقين للإقراض.
- أما العامل الأهم من ذلك، فكان تحويل البنوك قروض الرهن العقاري المذكورة إلى سندات، وانفجرت فقاعة الإسكان، وانهارت الأسعار، وتعثر ملاك المنازل والبنوك المقرضة على رأسها "ليمان براذرز".
- هرعت الحكومة الأمريكية لإنقاذ البنوك الأخرى المتعثرة، وهبطت سوق الأسهم، ولا يزال صدى هذه الأزمة مؤثرا حتى يومنا هذا.
- أطلقت واشنطن برنامجا لإنقاذ الأصول المتعثرة تحت اسم "TARP"، وكان حجمه 700 مليار دولار بهدف إنقاذ القطاع المالي.
اليونان وأزمة الديون بمنطقة اليورو
- ضغطت الأزمة المالية العالمية على عدد من الدول، من بينها اليونان التي انتخبت قيادة جديدة بتوجه اشتراكي تزامن توليها السلطة مع قفزة في الدين العام للبلاد إلى 252 مليار يورو في 2010 من 168 مليار يورو عام 2014.
- عام 2009، خفضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني للديون السيادية اليونانية إلى "BBB+" من "A-"، واندلعت احتجاجات شديدة في البلاد بعد الإعلان عن إجراءات تقشفية لخفض العجز ومخاوف التعثر في سداد الديون أوائل عام 2010.
- اتُّهِم بنك "جولدمان ساكس" بمساعدة اليونان على إخفاء حقيقة اقتراضها المفرط، واستمرت الأزمة لترفض ألمانيا أي خطة إنقاذ مالي لأثينا.
- عام 2012، تم الإعلان عن أن اليونان ستحصل على إنقاذ مالي بنحو 130 مليار يورو، وتفشت أزمة الديون من أثينا إلى اقتصادات أخرى في منطقة اليورو كإيطاليا والبرتغال.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}