على الرغم من جهود الدول المختلفة لمحاربة الجريمة المنظمة حول العالم، بما تتضمنه من اتجار بالمخدرات والسلاح والبشر والأعضاء وغيرها، لكن تبقى مزدهرة في ظل تقدير الأمم المتحدة لها بحوالي 7-10% من حجم الاقتصاد العالمي ككل.
ويكشف كتاب "اقتصادات الجريمة المنظمة" للكاتب الإيطالي "جيانلوكا فيرونتيني" أن حوالي 95% من الأنشطة الإجرامية حول العالم تتم بواسطة مؤسسات منظمة، وليس عن طريق أفراد أو عصابات فردية صغيرة، بما يعكس تأثير تلك المنظمات العميق على الاقتصاد المعاصر.
ازدهار الأنشطة غير القانونية
وعلى سبيل المثال، تقدر الأمم المتحدة التجارة في الكوكايين فحسب (عام 2014 آخر إحصائية متوافرة) بحوالي 85 مليار دولار، بينما يصل حجم الاتجار الكلي في المخدرات ما يفوق 320 مليار دولار، وتأتي 80% من تلك الحصيلة من الدول المتقدمة على الرغم من إجراءات الأمن الأفضل فيها، إلا أن بيع المخدرات غالية الثمن هناك يجعل السوق أكبر من حيث القيمة وإن كان أقل من حيث الحجم.
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار في المخدرات والجريمة فإن هناك أكثر من 20 مليون شخص "يحيون حياة العبيد" حول العالم، من خلال إجبارهم على ممارسة البغاء أو العمل كمروجين للمخدرات أو عمال في كازينوهات القمار، وغالبيتهم لا يستطيعون اللجوء للسلطات خوفًا على سلامتهم أو سلامة ذويهم من عصابات الجريمة المنظمة.
وتقدر أرباح "مهربي البشر" في دول أوروبا الشرقية وحدها بحوالي 10 مليارات يورو خلال عام 2016 وفقًا لتقديرات "أكسفورد أكاديمك"، حيث يتم تهريب الكثير من البشر سواء كلاجئين أو كعمالة أو حتى كـ"عبيد" إلى أوروبا الغربية. ويعمل هؤلاء المهربون في شبكات كبيرة للغاية عابرة للقارات.
ويشير موقع "أكاديميا" إلى أن الأزمة في مكافحة اقتصادات الجريمة المنظمة في عجز السلطات في مختلف الدول على رقابة كل الحدود، وكافة الشوارع، فضلًا عن تورط بعض المسؤولين في بعض الدول في الجريمة المنظمة.
ولذلك تشير التقديرات إلى أن 10% فحسب من محاولات التهريب يتم الإيقاع بها، بينما تمر 90% من نشاطات الجريمة المنظمة وتصل إلى مستهلكها النهائي، بل وتزيد النسبة عن ذلك في بعض الدول التي تعاني من هشاشة أو قوة سيطرتها النظامية.
أسباب صعوبة مواجهتها
وتلفت دراسة لجامعة "كامبريدج" إلى حقيقة مساهمة تمتع مؤسسات الجريمة المنظمة بهيكل تنظيمي رأسي تقليدي للغاية، بما يسهم فيه أمرين يزيدان صعوبة مواجهتهما، الأول تركيز الثروات في أيدي مجموعة محددة من الأشخاص بما يزيد من نفوذهم، والثاني تركيز المعلومات أيضًا لدى "القيادات العليا" بما يجعل استهدافهم أصعب بطبيعة الحال.
وترصد "إيكونوميست" نشاط بعض منظمات الجريمة المنظمة في بعض الدول، وتضرب مثالًا بالـ"مافيا" الإيطالية، التي تشير إلى تراجع كبير للغاية في الحركة المناهضة لعملها، بسبب التراجع الاقتصادي في روما، والذي يرجع بعض الإيطاليين جزءًا منه إلى الضربات المتلاحقة على المافيا خلال العقد الأخير.
فالجريمة المنظمة لديها متداخلة في 25% من النشاطات الاقتصادية بشكل أو بآخر، وفقًا لتقديرات صحيفة "لاريبوبليكا"، بما يجعل بعض الإيطاليين يخشون تأثير تراجعها سلبًا على الاقتصاد ككل.
وفي دولة متقدمة للغاية مثل اليابان، تشير "إيكونوميست" إلى أن "الياكوزا" (المافيا اليابانية) ليست محظورة بالكامل، بل إن إحدى أكبر عصاباتها، وتدعى "يامجوتشي جومي"، التي تقدر تجارتها في المخدرات والدعارة وغيرها بحوالي 6 مليارات دولار، لديها "مكتب" في طوكيو يحمل اسم العصابة.
وبالطبع لا يقوم هذا المكتب بأية أعمال محظورة، بل يمارس التجارة في البورصة، وبعض أعمال الرهان المشروع قانونًا (غالبية دول أوروبا والولايات المتحدة بها مكاتب مراهنة مشروعة وأخرى غير ذلك)، غير أن تمثيلها لأعمال غير مشروعة أيضًا يكاد يكون "السر المعلن" الذي يعلمه الجميع في اليابان.
أعمال مشروعة
ومن تداخل الأعمال المشرعة مع تلك غير المشروعة، قيام مجموعة "كومورا" التابعة للمافيا الإيطالية بالحصول على عقود حول العالم لمكافحة النفايات السامة، وتربع "ياكوزا" على عرش المؤسسات العاملة في مجال الحراسات الخاصة في اليابان.
ويزداد الأمر سوءا في بعض الدول النامية، وعلى رأسها كولومبيا وبعض دول أمريكا الوسطى، حيث تجارة المخدرات والسلاح غير المشروع وتصديرهما للولايات المتحدة تحديدًا أحد أهم مصادر الدخل القومي في تلك الدول.
وعلى سبيل المثال، أنتجت كولومبيا وحدها 866 طنا من الكوكايين خلال عام 2016، وفقًا لصحيفة "جارديان"، لتأتي المخدرات في صدارة السلع المصدرة من كولومبيا من حيث القيمة، وإن لم تتمتع بصبغة قانونية بطبيعة الحال.
ووفقًا لموقع "وورلد فاينانس" تتجاوز قيمة التجارة غير القانونية العابرة للحدود حول العالم 870 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة التجارة التي تشرف عليها عصابات الجريمة المنظمة داخليًا عشرات الأضعاف، إذ لا تعترضها الحدود السياسية ويمارس بعضها نفوذًا داخليًا كبيرًا في بعض الدول، لتبقى مواجهتها عالميًا ومحليًا ومحاصرة اقتصادها أمرًا محل شك إلى حد بعيد.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}