إن كنت داخل بناء يتعرض للانهيار، فمن البديهي أنك وكل من معك ستهرولون إلى الخارج، هذا عادة ما يحدث أيضًا عند تعرض سوق الأسهم لهزات قوية، يتسابق الكثيرون لبيع حيازاتهم سريعًا أملًا في الحد من الخسائر المحتملة وحفاظًا على قيمة أصولهم، في ظاهرة تعرف بـ"هلع البيع" أو "البيع الهلعي".
لكن ليس كل زلزال يفضي إلى انهيار تام، وأحيانًا تستدعي الحكمة الاتكاء على أقرب جدار ومراقبة خوف الآخرين في هدوء لتوظيفه بالشكل الأمثل.
والمقصود بالبيع الهلعي، هو موجات البيع واسعة النطاق في سوق الأسهم والتي تقع بشكل مفاجئ، ربما بعد هبوط كبير وغير متوقع في أسعار الأسهم، وتزامنًا مع الأحداث ذات الأثر السلبي، وغالبًا ما يأتي نتيجة رد فعل عاطفي وشعور بالخوف، مثلما يحصل عند الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية الحادة.
مدخل إلى مفهوم البيع الهلعي
- تنشب موجات البيع الهلعي دون تقييم من قبل المستثمرين للأساسيات وظروف الأسهم وإنما تكون اعتمادًا على المعنويات والمشاعر كما ذكرنا، إذ تملأ الأحداث السيئة هؤلاء المستثمرين بالرغبة الملحة في الخروج من السوق دون النظر إلى السعر أو التكلفة.
- بجانب الأحداث السياسية والاقتصادية، فإن المخاوف بشأن قطاع معين قد تقود السوق إلى الذعر خشية أن يتسبب هذا القطاع في تراجع جماعي للأسهم، وتشبه هذه الحالة النار التي تزداد كلما التهمت المزيد، فمع تواصل البيع تنخفض الأسعار، ومع انخفاض الأسعار تتزايد عمليات البيع، متسببة بالنهاية في انهيار السوق، كما حدث لوول ستريت عام 1987 بحسب موقع "إنفستنغ أنسارز".
- من أمثلة البيع الهلعي هو ما حدث للعملات الرقمية أوائل العام الجاري، حيث فقد السوق أكثر من 600 مليار دولار من قيمته بعدما تجاوز 800 مليار دولار أواخر عام 2017، لكن الأصول الافتراضية ليست السوق المضطرب الوحيد في 2018، فالمعادن أيضًا هبطت بشكل قوي، والأسهم أصبحت متقلبة، وأسعار السندات تراجعت مع ارتفاع العائدات بدفع من زيادة الفوائد.
- في الوقت الذي يترجم فيه الكثيرون هذه المؤشرات إلى معنويات سلبية وتشاؤم، يرى فيها المستثمرون الناجحون فرصًا لتعظيم ثرواتهم عبر شراء الأصول بأقل من قيمتها الحقيقية، وبحسب موقع "بلوك دلتا" المعني بأخبار التكنولوجيا والاقتصاد، فإن الربع الثالث من هذا العام قد ينظر إليه في يوم من الأيام باعتبار أنه كان من أفضل هذه الفرص.
الهلع للجبناء
- بالنسبة للمستثمر العادي فإن معنوياته تتحرك برتابة كحركة المد والجزر، فما أن ترتفع أسعار الأصول حتى يظن أن عليه اتخاذ إجراء فوري للاستفادة من هذه القيم المرتفعة، وفي المقابل ومع انخفاضها، يشعر كما لو أن السماء تطبق عليه ومن الضروري اتخاذ إجراء فوري آخر، هذه المرة سيكون بالبيع السريع طبعًا.
- ليس سرًا أن هذه الإستراتيجية للخاسرين فقط، فاتخاذ القرارات الجيدة في سوق المال يستدعي الحفاظ على رباطة الجأش والتصرف بانضباط نفسي وعقلي، حتى المستثمر المخضرم الملياردير "وارن بافيت" حذر مرارًا من مغبة اتخاذ قرار البيع السريع عند هبوط السوق.
- المستثمرون الذين حافظوا على تماسكهم في وول ستريت خلال الأزمة المالية الأخيرة، لم يستطيعوا فقط استرداد قيمة جميع خسائرهم، بل أصبحوا أكبر المستفيدين من أطول سوق صاعد شهدته الولايات المتحدة في تاريخها، بحسب "سي إن بي سي".
- في وول ستريت أيضًا، هبطت الأسهم بشكل حاد مرتين خلال فبراير/ شباط الماضي، لكنها سرعان ما تعافت وعلى مدار الأشهر التالية، واستطاعت المؤشرات الرئيسية تجاوز مستويات قياسية جديدة، وهو ما تكرر مرة أخرى في أكتوبر/ تشرين الأول، وتمكنت بعده الأسهم من تعويض خسائرها ويرجح استمرارها السير نحو حواجز سعرية غير مسبوقة.
فرصة للشراء
- قالت المستثمرة "باتريشيا تشادويك" ومؤسسة "رافنجيت بارتنرز" للاستشارات المالية والاقتصادية في تصريحات لـ"سي إن بي سي" عام 2010: بالنسبة لي، يعني البيع الهلعي فرصة لشراء الأسهم، أعتقد فقط أننا نحصل على عدد قليل من مثل هذه الفرص.
- من المفهوم أن البيع الهلعي قد يتسبب في خسائر لقيمة أصول المستثمر، لكن كيف قد يشكل فرصة لزيادتها؟ الأمر بسيط، كل ما عليه فعله هو انتقاء الأسهم حسنة الأداء والتي ستكون مقيمة في هذه الحالة بأقل مما تستحق، ثم يقتفي أثر الملياردير الأمريكي "وارن بافيت" المعروف بنهج "الشراء والإبقاء لمدة طويلة".
- هناك عبارة شهيرة يجري تداولها بين أواسط المستثمرين في وول ستريت تقول: "اشتر الخوف وبع الطمع"، وتعني أن المستثمر الذي يُقبل على شراء الأسهم خلال حالات الذعر التي تدفع الجميع خارج السوق، فإنه يتمركز بذلك في وضعية تمكنه من تحقيق مكاسب كبيرة في القيمة مقابل كُلفة أقل.
- بعد ذلك دع الوقت يمارس تأثيره، ستتلاشى أسباب الذعر وستنحسر موجة الخوف، وتستعيد الشركات والمستثمرين الثقة، وربما في غضون أشهر قليلة تبدأ الأسهم في استعادة قيمتها الحقيقية، لكن الشق الثاني من المقولة (بع الطمع) يقودنا إلى منطقة خلاف أخرى بين المستثمرين، ويحسنا على ضرورة تحين الفرصة المناسبة لبيع الأسهم التي ارتفعت قيمتها.
فقه الطمع
- يرى البعض أنه بعد الاستفادة من أسهم رخيصة ينبغي بيعها فور ارتفاع أسعارها مجددًا، لكن من يمكنه تحديد القيمة التي ينبغي البيع عندها، ومن يمكنه قياس مقدار الطمع، هل هو بعد تضاعف قيمة الأصل مرة أم ثلاث مرات أم عشر مرات؟
- الحقيقة أن وصم المستثمرين في هذه الحالة بالطمع قد لا يكون أمرًا صحيحًا، فارتفاع السهم بنسبة 100% يشجع المستثمر لانتظار وصول مكاسبه إلى 200% و300% وأكثر، لا عيب ولا غرابة في ذلك، البعض يبحث عن قيمة أكبر والبعض الآخر يبحث عن مكاسب سريعة، وبذلك فإن العبارة الشهيرة تحمل في طياتها معاني تبدو مضللة أو يمكن تفسيرها على نحو مختلف، كما يقول موقع "ذا بالانس".
- في هذه الحالة، لا ينبغي أن ننسى ذكر المستثمرين أمثال "بافيت" الذين يسعون في الأساس وراء الاستثمارات المحققة للعائدات القوية والمعززة للقيمة، ويتبنون إستراتيجية الاستحواذ والإبقاء لمدة طويلة، فهؤلاء سيجدونها فرصة مناسبة للدخول إلى شركات وأعمال رابحة مقابل تكلفة أقل، غاضين الطرف عن احتمالات جني أرباح استثماراتهم عن طريق بيع الأصول بعد تضاعف قيمتها.
- يختلف المستثمرون في تفسير الشق الثاني من العبارة، لكن يبقى الشق الأول واضحًا "اشتر الخوف"، فسواء كنت ترغب في مضاعفة قيمة الأصول لبيعها وجني الأرباح بعد التعافي "اشتر الخوف"، وإذا كنت تبحث عن أنسب فرصة للدخول إلى السوق أو الاستحواذ على حصة في شركة واعدة مقابل تكلفة أقل "اشتر الخوف".. لكن تذكر ألا تهلع أنت عند الموجة القادمة من الذعر.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}