كيف تمكن الإنسان من صناعة السيارات ذاتية القيادة، وتطبيقات الترجمة الإلكترونية التي تتمتع بدرجة عالية من الدقة، وبرامج التواصل الصوتي مع الإنسان مثل "سيري" و"أليكسا" وتطبيقات التحليل المالي بل وتلك الصحية.. الجواب في "ثورة التعليم العميق".
ويقدم كتاب "ثورة التعليم العميق: الذكاء الاصطناعي يقابل الذكاء الإنساني" للكاتب "تيرينس سيزونسكي"، أستاذ التعليم في جامعة "كاليفورنيا"، تصورًا حول ما أحدثه التغيير الكبير في التعليم على مر الأعوام في كافة مناحي الحياة وفي مقدمتها الاقتصاد.
التعليم.. من البشر إلى الآلة
فمنذ بدء التعليم النظامي (الذي يعتمد على المناهج الواضحة)، بدأ الأمر بتلقين الطلاب مجموعة من المعارف العامة، قبل توسع التخصصات، ليظهر التعليم المهني والمتخصص، والذي أفاد الاقتصاد بصورة أكبر، قبل ظهور "التعليم العميق" الذي يبدأ أول الأمر بتعلم "الخوارزميات".
فتعلم الخوارزميات يمكن الإنسان من استخراج المعلومات من البيانات الخام، والمعلومات يمكن استخدامها لخلق المعرفة، والأخيرة تفيد في تقديم "الإنسان الموسوعي" الذي يصل إلى مرحلة الحكمة، ويستطيع بالتالي إصدار الأحكام والقرارات، كما يمكن استخدام تلك الآلية في تعليم الآلة وتقديم ما يسمى بالذكاء الاصطناعي.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي ظهرت فكرة "تعليم الآلة"، وتقوم الفكرة في "التعليم العميق" على إمداد الآلة بالقدرة على التحليل المنطقي، بحيث تتحول من مجرد منفذ للتعليمات إلى "مُفكر"، وبناء على ذلك يتوقع ظهور سيارات ذاتية القيادة أفضل من القادة البشريين في غضون 10-15 عامًا، بحيث يكون بوسعها تفادي الأخطاء البشرية التي تتسبب في وقوع الحوادث.
وبناء على ذلك أيضًا أمكن استخدام الآلة في الكثير من الوظائف التي يقوم بها الإنسان تقليديًا بما في ذلك الرد على الاستفسارات الهاتفية، والتعامل في المحال التجارية والترجمة وترتيب المواعيد والبحث عن المعلومات، بل وأصبح محتمًا على الإنسان أن يواكب الذكاء الاصطناعي حتى لا يتفوق الأخير عليه.
"جوجل" والتعليم العميق
وأمكن من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلة زيادة إنتاجية شركة مثل "جوجل" بنسبة تفوق 40%، وفقا لـ"سيزونسكي"، كما يمكن للشركة قريبًا الاعتماد بشكل شبه كامل على "الآلة المتعلمة" التي تستطيع القيام بوظائف متعددة في مجالات البحث والاتصال الإنساني المباشر.
و تمكن "جوجل" من الترجمة بشكل مرض بين 32 لغة، فضلًا عن استيعاب الموقع للأصوات البشرية حاليًا، بما في ذلك اللهجات المختلفة، بما فتح باب التواصل بالصوت بين الآلة والإنسان. ولعل هذا هو ما دفع جوجل لأن تصبح الشركة الأولى في الاستثمار في تعليم الذكاء الاصطناعي باستثمارات تقارب 20 مليار دولار.
وتشير بعض التقديرات إلى أن تعلم الآلات للذكاء الاصطناعي يسهم حاليًا في حوالي 10% من الاقتصاد العالمي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولم تكن تلك النسبة تتعدى 1-2% قبل 10 سنوات، بما يعكس نموًا متسارعًا للغاية في هذا المجال.
وتبرز كذلك برامج التحليل المالي والاقتصادي، إذ بدأت بعض الشركات في محاولة وضع الظروف السياسية والتغيرات الاجتماعية ضمن أطر التحليل الاقتصادي والتوقعات المالية لتلك الشركات (مثل الاستقرار السياسي في دولة ما من عدمه والتطورات الاجتماعية).
صعوبات للبشر
كما ظهرت برامج ذكاء اصطناعي توجه "النصائح" للناس، فبعض تطبيقات الصحة على الهواتف الجوالة في يومنا هذا تقوم بعمل بحث على أكثر من موقع خاص بالصحة قبل أن تستخلص منها جميعًا التوجه الغالب لحل مشكلة صحية ما لتخبر به المستخدم، بما يعكس تحليلًا للبيانات وليس حصرًا لها فقط.
وتمتد القائمة لتشمل تعليم الآلة كيفية تحليل الأسهم والمخاطر المالية، فبحصولها على القوائم المالية السابقة ومعدلات النمو الاقتصادي واتجاهات الاستهلاك وغيرها من البيانات ستكون بعض البرامج الحديثة قريبًا مؤهلة لأن تصدر رأيًا نهائيًا إما بالاستثمار في شركة أو بالامتناع عنه وليس مجرد تحليل مالي واقتصادي لها.
بل وتجري حاليًا محاولات مكثفة لتعليم الآلة كيفية "التقاط المشاعر" من خلال صوت المتحدث، بحيث تستطيع تلك الآلة مشاركة المتصل شعوره بالسعادة أو سؤاله عما يؤرقه، أو التنبه لشعوره بالغضب أو غير ذلك.
ولا شك أن وجود آلة "متعلمة" يزيد من صعوبة مهمة البشر في الحصول على الوظائف الملائمة، لا سيما إذا حدث المزيد من التطورات الإيجابية في مجال التعليم العميق (كما هو متوقع وفقا لـ"سيزونسكي")، ليبقى التعليم بهذا المفهوم الواسع فرصة للاقتصاد وتحديًا للأفراد.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}