في سابقة هي الأولى خلال أكثر من عامين، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصاد العالمي، وألقى باللوم على مواطن الضعف في الأسواق الناشئة جنبًا إلى جنب مع الصراع التجاري المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، فيما حذر آخرون من أن ارتفاع أسعار النفط قد يكون سببًا آخر في الضغط على معدلات النمو لا سيما تلك القادمة من بلدان العالم النامي.
ويتوقع الصندوق الآن نمو الاقتصاد العالمي 3.7% خلال العامين الجاري والقادم بدلًا من 3.9%، ويأتي هذا الخفض وسط تحذيرات من احتمال انفجار الأوضاع في الأسواق الناشئة، رغم الانتعاش النسبي لأسواق العملات والأسهم بها مؤخرًا عقب خسائر أغسطس/ آب الفادحة، إذ يعتقد مراقبون أن الضغوط التي يشكلها ارتفاع أسعار النفط وقوة الدولار وتشديد السياسات النقدية تجعل الأوضاع الاقتصادية للبلدان النامية غير مواتية للاستثمار.
في الوقت نفسه، يعتقد محللون أن استهداف الولايات المتحدة لنصف وارداتها من الصين بتعريفات جمركية، مع احتمال توسيع نطاق الرسوم ليشمل جميع الواردات، بالإضافة إلى رفع الضريبة إلى 25%، سيتسبب بشكل أو بآخر في تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، كما سيؤثر الرد الصيني بالطبع على مسار النمو في الولايات المتحدة، ولا ريب سينعكس ذلك على الاقتصاد العالمي.
الحرب التجارية
- يقول صندوق النقد الدولي إن العالم سيتعرض لهزة قوية إذا مضت الولايات المتحدة قدمًا في خططها لفرض تعريفة قدرها 25% على جميع واردات السيارات، مضيفًا أن الرسوم الجمركية العالمية تضر بثقة الشركات والاستثمار.
- يرى محللون أن الحرب التجارية الشاملة بين واشنطن وبكين، قد تكلف الاقتصاد الأمريكي 0.5% من نمو الناتج المحلي الإجمالي، (الذي من المتوقع أن ينمو بأقل قليلًا من 3% هذا العام، وبنحو 2.5% العام القادم)، مع احتمال تزايد هذه الخسائر وفقًا لاستجابة الأسواق للتداعيات.
- في الوقت ذاته، يعتقد المحللون أن خسائر الصين ستكون أكبر، لأنها تصدر أكثر إلى الولايات المتحدة، لذا يعتقد أن معدل النمو، (الذي من المتوقع أن يبلغ 6.6% هذا العام و6.2% العام القادم)، سيفقد نحو 1% خلال اثني عشر شهرًا، وقد تزداد هذه الخسائر إلى أكثر من 2% حال توسع نطاق الحرب التجارية.
- توقعات صندوق النقد لآثار الحرب التجارية جاءت قريبة إلى حد كبير مع هذه التنبؤات، حيث قال في أحدث تقرير لآفاق الاقتصاد العالمي، إن نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة والصين، قد يفقد 0.9% و1.6% على التوالي لكل منهما خلال 2019، نظرًا لتداعيات الحرب التجارية المتمثلة في إضعاف ثقة المستهلك والشركات ورد الفعل السلبي لأسواق المال.
- مع ذلك، فهناك من يؤمن بأن الصين ستتمكن من تعويض هذا الأثر السيئ للحرب التجارية عبر السياسات الحكومية للتحفيز المالي والنقدي، وعلى سبيل المثال، يرى مصرف "باركليز" أن الاقتصاد الصيني سينمو بنسبة 6.7% هذا العام، وبنسبة 6.5% خلال العام القادم، فيما يقول "جيه بي مورجان" إنه في أسوأ الأحوال سيفقد معدل النمو الصيني 0.1% ليسجل 6.1% في 2019.
النفط
- حذر مصرف "بنك أوف أمريكا" من ارتفاع أسعار النفط أعلى 100 دولار للبرميل، قائلًا إن بلوغها هذا المستوى سيتسبب في تآكل 0.2% من النمو العالمي خلال عام 2019، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى لعب الدولار دورًا أساسيًا في هذا السيناريو.
- في الوقت الذي تعرضت فيه عملات الأسواق الناشئة التي تقود الشق الأكبر من الطلب العالمي على النفط، لضغوط هبوطية قاسية خلال الصيف، فإن ارتفاع أسعار النفط كان مضاعفًا في هذه البلدان.
- شهدت أسواق مثل البرازيل والهند والمكسيك ارتفاع أسعار الوقود إلى مستويات قياسية بضغط من تزامن زيادة أسعار النفط مع تراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، وهو ما أشعل إضرابات واحتجاجات وقاد إلى تغيرات جذرية في المشهد السياسي لعدد من الدول.
- بناءً على ذلك، أضاف البنك في مذكرته الأخيرة، أن توقعاته لضعف النمو العالمي إزاء ارتفاع النفط إلى حاجز المائة دولار، يتوقف بشكل حاسم على قوة الدولار، والتي ستزيد من الأعباء على مستوردي الخام، بينما ضعفه سيسهم في التخفيف عنهم.
المنقذ: أمريكا أم الأسواق الناشئة
- يقول تقرير لموقع "ذا إيكونوميك تايمز" إن النمو في الولايات المتحدة لن يكون كافيًا لمنع تباطؤ الاقتصاد العالمي، رغم البيانات الصادرة مؤخرًا والتي كشفت عن هبوط معدل البطالة في أمريكا إلى أدنى مستوياتها منذ 48 عامًا.
- أرجع التقرير ذلك إلى ضعف النشاط الاقتصادي في مناطق أخرى بفعل ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، والحرب التجارية التي يقودها "دونالد ترامب" ضد الصين، ما يأتي تزامنًا مع نمو قطاع التصنيع العالمي بأضعف وتيرة منذ عامين تقريبًا.
- مؤخرًا انعكس المسار الهبوطي للأصول في الأسواق الناشئة، وتعافت الأسهم والعملات نسبيًا، حتى أن بعض المؤسسات المالية غيرت نظرتها لهذه الأسواق، وقالت إنها بصدد انتعاش جديد مع انخفاض أسعار الأصول بها، لكن هذا التفاؤل لم يأت خاليًا من التحذيرات التي أشارت إلى قوة الدولار وارتفاع النفط باعتبارهما نقطتي ضعف أساسا.
- مع ذلك، ورغم الضغوط التي تتعرض لها الأسواق الناشئة السابق الإشارة إليها، فإن البلدان النامية قد تقود قاطرة نمو الاقتصاد العالمي بمرور الوقت، بحسب تقرير لـ"فايننشال تايمز" أكد أنه رغم مشروعية القلق مما جرى في الأسواق الناشئة إلا أن المسار طويل الأجل للنمو يبدو مشرقًا.
- أوضح التقرير الذي استند إلى بيانات من معهد "ماكينزي" العالمي، أن 7 اقتصادات ناشئة هي الصين، وهونج كونج، وإندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، وتايلاند، حققت متوسط نمو سنويا لا يقل عن 3.5% خلال فترة امتدت لأكثر من نصف قرن حتى عام 2016.
- في 11 دولة ناشئة أخرى، نما الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة لا تقل عن 5% لمدة 20 عامًا منذ 1996 إلى 2016، وأظهر العديد من هذه الاقتصادات مرونة كبيرة، وتعافت سريعًا من الأزمة الآسيوية، كما صمدت في وجه الأزمة المالية في 2008.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}