قد لا ترى تلك الأصول، ولا تستطيع لمسها، لكنها بالتأكيد تواصل النمو".. هذا ما يؤكده كتاب "رأسمالية بدون رأسمال: الاقتصاد غير الملوس يواصل النمو".
حصل هذا الكتاب لمؤلفيه "جوناثان هاسكل" و"ستين وستك" على العديد من الجوائز الاقتصادية أبرزها كتاب العام الاقتصادي لمجلة "إيكونوميست" البريطانية لعام 2017.
كأنه مادة مظلمة!!
ويدخل الكتاب إلى علم الفضاء لكي يوضح تأثير الاقتصاد غير الملموس على عالمنا المعاصر، حيث يشبهها بما يعرف في الفيزياء بالمادة المظلمة.
والمادة المظلمة هي مادة تم افتراض وجودها لتفسير العديد من الظواهر الكونية التي لا يمكن تفسيرها ولكن يمكن رؤية تأثيرها من جاذبية ودوران أفلاك وامتصاص للطاقة وغيرها.
ويؤكد الكتاب أن التغير سمة الاقتصاد، فمن الاعتماد على الخيول في الانتقال إلى السيارات، ومن الطرق غير المعبدة إلى السكك الحديدية.
ولذلك يرى الكتاب أن الاقتصاد غير الملوس هو سمة العصر الحديث، وأنه سيستمر في النمو حتى يصبح المسيطر كلية على اقتصاد العصر الحالي.
وليس هناك مثال أوضح على ما يريد الكتاب شرحه من شركة مايكروسوفت الأمريكية، التي يراها بمثابة تعبير نموذجي عما يعنيه بالاقتصاد غير الملموس.
فأصول الشركة الأمريكية العملاقة الملموسة من عقارات وسيارات وخلافه لا تتجاوز 3 مليارات دولار، وهو ما لايشكل إلا 4% فقط من أصولها، و1% من قيمتها السوقية.
والسبب وراء هذا واضح أن مايكروسوفت تقدم أفكارًا أكثر منها منتجات، وبالتالي فإن أصولها تتخطى بمراحل قيمة أصولها المالية.
فبرامج الكمبيوتر والأنظمة المحاسبية وأنظمة إدارة الأعمال والأبحاث والتطوير والتعريف بالمنتجات والتصميم كلها أشكال للاقتصاد الحديث.
منتج واحد ومستهلكون متعددون!!
وما يميز تلك المنتجات والخدمات حقيقة أنها لا تستهلك من قبل شخص واحد، بمعنى أنه إذا كنت تشرب علبة من المياه الغازية فإن أحدًا غيرك لن يشربها.
أما إذا كنت تستخدم برنامجًا على الكمبيوتر فأنت ستستخدم نفس البرنامج الذي سيستخدمه ملايين غيرك، بما يعطي انطباعًا عن حجم المكاسب التي تتحقق من "بيع شيء غير ملموس للجميع".
وهناك مثال آخر في "فيسبوك" و"جوجل" فالموقعان يبيعان فكرة اقتراب الناس من بعضهما البعض، وفكرة "المعرفة" وكلاهما يحقق أرباحًا قياسية من وراء ذلك.
وتتمتع الأصول غير الملوسة بأربع مزايا لا تتمتع بها نظيرتها الملموسة، فهي أكثر قابلية للتوسع، وتكاليفها قليلة، ومزايا استخدامها تزداد، وترتبط ببعضها البعض بشبكة قوية.
والملاحظ هنا أن الأصول غير الملموسة توجد في الدول المتقدمة، بما يسمح لها بجني مئات مليارات الدولارات دون تقديم منتجات حقيقية لدول العالم النامي.
ويشير الكتاب إلى أن مشكلة الاقتصاد غير الملموس أنه كثيرًا ما يتهرب من الضرائب ومن الالتزامات الحكومية، ويضرب مثلًا بتطبيق "أوبر" في الكثير من البلدان.
ويقول إن الكثير من تلك الأصول تبدو وكأنها غير هادفة لإحداث أي تنمية في مجتمعاتها ولكن هدفها الرئيس هو منح أرباح طائلة لمالكيها.
محاذير ومخاطر!!
وهناك مشكلة أخرى تحدثها الأصول غير الملوسة، وهي الانفجار الكبير في سوق العقارات في المدن الكبيرة والرئيسية حول العالم.
فالمواهب التي تستقطبها الشركات العملاقة الجديدة تستوطن باستمرار تلك المدن بما يرفع من أسعار العقارات فيها بشكل مبالغ، لا سيما مع قدراتهم المادية الاستثنائية.
ويقترح الكتاب على الحكومات الإجراءات المطلوبة بغرض الاستفادة من الاقتصاد غير الملموس، ولعل أهمها إقرار طرق واضحة لحفظ الملكية الفكرية وفرض الضرائب على عائداتها في الوقت نفسه.
كما أن الحكومات بوسعها أن تضع سياسات أكثر صرامة لمراقبة السوق العقاري في المدن الكبرى أيضًا.
وعلى الرغم من السياسات المقترحة للتعامل مع انفجار الاقتصاد غير الملوس، إلا أن الكتاب يقر بحقيقة أن هذا الاقتصاد يبرز حالة غير مسبوقة من عدم المساواة.
فالبعض قد يعملون في الاقتصاد غير الملموس لأوقات قليلة ويمتلكون مواهب أقل أو مساوية لمن يعملون في قطاعات الاقتصاد الملموس إلا أنهم يحصدون مداخيل أكبر كثيرًا.
ولا يرى الكتاب حلًا لذلك، بل يحذر من أنه مع استمرار الوضع على ما هو عليه فإن "الاقتصاد الحقيقي" سيعاني نقصًا في المواهب والقدرات.
ويرى الكتاب أن ذلك خطر حقيقي على عالم الغد، فالاقتصاد غير الملموس قد يكون مربحًا، لكنه لا ينتج الغذاء والمباني والكهرباء والآلات.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}