في أغسطس/آب من عام 2016، ألزمت المفوضية الأوروبية شركة "آبل" بدفع 13 مليار يورو كضرائب إضافية إلى آيرلندا، غير أن الحكومة الآيرلندية رفضت جمع الضرائب من الشركة الأمريكية واستأنفت ضد القرار! نعم، الآيرلنديون لم يرغبوا في الحصول على الـ13 مليار يورو!
أغلب الحكومات حول العالم ستكون أكثر من سعيدة لو حصلت على حكم دولي يسمح لها بجمع مليارات الدولارات من الضرائب، ولكن آيرلندا ضايقها القرار، وحاولت إلغاءه، وكان لسان حالها يقول "لا نريد تلك المليارات". ولكن لماذا؟ ما هو الجزء المفقود من الأحجية؟
من قد يرفض 13 مليار يورو؟
- آيرلندا استأنفت ضد القرار لأنها تعلم جيدًا أنها إذا حصلت الـ13 مليار يورو فستخسر مقابلها عشرات المليارات، وذلك ببساطة لأن اقتصادها يعتمد بشكل كبير على الشركات الأجنبية. الاقتصاد الآيرلندي يرتكز بشكل رئيسي على قدرته على جذب الشركات متعددة الجنسيات التي ترغب في الاستفادة من ضريبة الشركات المنخفضة.
- تعمل في آيرلندا حوالي ألف شركة من كبرى الشركات العالمية، مثل "فيسبوك" و"آبل" و"جوجل" و"إنتل" و"فايزر"، وجميعها موجودة في ذلك البلد بسبب أن ضريبة الشركات لديها تساوي 12.5% فقط، وهذه ثاني أدنى نسبة في الاتحاد الأوروبي.
- بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في آيرلندا في نهاية عام 2014 حوالي 311 مليار يورو، أي ما يعادل نحو 165% من ناتجها المحلي الإجمالي.
- "آبل" بالتحديد توظف أكثر من 6 آلاف شخص في آيرلندا، وتساهم في اقتصاد البلاد بما يعادل 16 مليار يورو سنويًا في شكل رواتب وضرائب واستثمارات، والأهم من ذلك هو أنها تحتفظ بجزء كبير من سيولتها النقدية الهائلة التي لا ترغب في دخولها إلى الولايات المتحدة في هذا البلد الأوروبي.
- بهذه الطريقة نستطيع فهم الموقف الآيرلندي، فالحكومة تعتقد أن هذا الحكم يضرب أحد أهم أسباب الازدهار الاقتصادي لديها في مقتل، ومن أجل الحفاظ على هذه الميزة هي مستعدة لترك 13 مليار يورو وأكثر على الطاولة.
رياح واشنطن
- لكن في أواخر العام الماضي خرجت من واشنطن أخبار غير سارة لكثير من دول العالم من بينها آيرلندا، وذلك حين صوت مجلس الشيوخ بأغلبيته الجمهورية في العشرين من ديسمبر/كانون الأول لصالح تعديل بقانون الضرائب يفتح الباب أمام خفض ضرائب الشركات من 35% إلى ما يقرب من 20%.
- رغم أنه لا يزال هناك فارق غير ضئيل بين معدل ضريبة الشركات لدى البلدين أدرك المسؤولون في آيرلندا أن بلدهم ستكون أقل جاذبية في المستقبل للشركات الأمريكية الكبرى التي لطالما لجأت إليها هاربة من قانون الضرائب الأمريكي.
- خبراء الضرائب الآيرلنديون من جهتهم يعترفون بأن خطة "ترامب" الضريبية ستشجع الشركات الأمريكية على الاستثمار في بلدها الأصلي، مؤكدين على أن تلك الإجراءات تضع تحديات كبيرة أمام المزايا الضريبية التي تعتمد عليها آيرلندا في اجتذاب الاستثمار الأجنبي وفي القلب منه الأمريكي.
- من جانبها صرحت "أوليفيا باكلي" مديرة الاتصالات في معهد الضرائب الآيرلندية بأنه بات من الواضح أن النظام الضريبي الأمريكي أصبح على أعتاب تغييرات كبيرة، مشيرة إلى أن الشركات الأمريكية ستفكر كثيرًا في المستقبل قبل أن تستثمر خارج الولايات المتحدة.
- غير أنها أكدت على أن الشركات الأمريكية الكبرى التي توظف نحو 140 ألف شخص لديها في آيرلندا لا تزال في حاجة إلى إدارة عملياتها الدولية في أماكن خارج الولايات المتحدة، وآيرلندا لا تزال في وضع جيد يسمح لها بالاستفادة من ذلك.
- التغييرات المرتقبة في نظام الضرائب الأمريكي سيكون لها تأثير كبير على الدول التي تسجل فيها الشركات الأمريكية الكبرى أصولها وحقوقها الفكرية، مثل حقوق الطبع والنشر وبراءات الاختراع والعلامات التجارية الجديدة، وهذه كلها أصول تحتفظ بها الشركات الأمريكية في بلدان منخفضة الضرائب.
- في الثامن عشر من يناير/كانون الثاني أعلنت "آبل" عزمها دفع حوالي 38 مليار دولار كضرائب عن أرباحها خارج الولايات المتحدة. وأشارت الشركة الأمريكية إلى أنها تنوي استخدام جزء من سيولتها النقدية التي تحتفظ بجزء كبير منها في شركات مسجلة بآيرلندا لضخ استثمارات جديدة على الأراضي الأمريكية.
- "آبل" التي تعتبر أكبر دافع للضرائب في الولايات المتحدة وآيرلندا تعد من بين أكبر المستفيدين من خطة "ترامب" الضريبية، التي تتضمن اقتراحًا بتخفيض معدل الضريبة على الأرباح المعادة إلى الوطن إلى حوالي 15%.
- الشركة المصنعة لـ"آيفون" التي تحتفظ في الخارج بسيولة نقدية تزيد قيمتها على ربع تريليون دولار، لطالما ادعت بأنه ليس من مصلحة مساهمي الشركة أن تعاد هذه الأموال إلى الولايات المتحدة بينما يبلغ معدل ضريبة الشركات 35%.
- أوضحت "آبل" أنها ستستخدم جزءًا كبيرًا من سيولتها النقدية بالخارج في استثمارات بالولايات المتحدة توفر حوالي 20 ألف فرصة عمل وتساهم في خلق نشاط اقتصادي قيمته 350 مليار دولار، ولكن لا أحد يعلم كم الأموال التي كانت تخطط الشركة بالفعل تخصيصها لذات الغرض قبل الكشف عن التغييرات الضريبية الأخيرة، وبالتالي لا نستطيع قياس مدى تأثيرها على خطط الشركة الأمريكية.
- تعقيبًا على بيان "آبل" قال وزير المالية الآيرلندي "باسكال دونوهو"، إنه لا يعتقد أن علاقة الشركة الأمريكية مع آيرلندا ستتغير عقب الخطة الاستثمارية التي كشفت عنها الشركة، مضيفًا "لا أعتقد أن عائداتنا الضريبية ستنخفض، وأتوقع أن تنمو ضريبة الشركات لدينا بنفس المعدل الذي سينمو به اقتصادنا".
الألمان .. هل تتحرك مياههم إلى أرض الأمريكيين المنخفضة
- شعرت الشركات الألمانية بالقلق بشكل متزايد من الإصلاحات الضريبية التي يقودها الرئيس الأمريكي، والتي قد تؤثر سلبًا على الاقتصاد الألماني المعتمد على التصدير، وتحصره في الزاوية.
- في تصريحات لصحيفة "هاندلسبلات" الألمانية، قال "كريستوف سبنجيل" خبير ضريبة الشركات في مركز البحوث الاقتصادية الأوروبية في مانهايم: "إن التخفيض الحاد في ضرائب الشركات سيعطي الولايات المتحدة ميزة تنافسية ضخمة". وأضاف، "المنافسة الضريبية بين الدول ستأخذ بعدا جديدا، والأوروبيون سيجدون أنفسهم مجبرين على المنافسة فيما بينهم".
- الشركات الألمانية تدفع حاليًا ما متوسطه 28.2% كضريبة شركات، تشمل 5% رسومًا تضامنية لدعم توحيد الألمانيتين، وهذه النسبة أعلى من المتوسط العالمي البالغ 21.93%.
- لكن إحدى المزايا التي تتمتع بها الشركات الألمانية هي نظام الضرائب الإقليمية، والذي يتم خلاله تطبيق الضريبة على أرباح الشركات في ألمانيا فقط، وهذه ميزة كبيرة لأن معظم الشركات الألمانية تعتمد بشكل أساسي على التصدير.
- الاتحادات والتجمعات الصناعية الممثلة للشركات من جانبها دعت الحكومة الألمانية للرد على التحركات الأمريكية بخطوات مشابهة. فمن جانبه قال "يواشيم لانج" الرئيس التنفيذي للاتحاد الألماني للصناعة، إن الحكومة الاتحادية الجديدة يجب عليها تحسين وضع البلاد التنافسي في هذه الناحية، من خلال تخفيف العبء الضريبي الواقع على الشركات.
- حتى اللحظة، تخضع الشركات الأمريكية لضريبة قدرها 35% على أرباحها داخل وخارج الولايات المتحدة، غير أن التغييرات المقترحة والتي أصبح صدورها مسألة وقت بعد أن تجاوزت المرحلة الأصعب تتضمن التحول إلى نظام ضرائب إقليمية (على غرار النظام الألماني)، وهذا من شأنه أن يعود بالفائدة على شركات تجني أغلب أرباحها من الخارج مثل "أمازون" و"ستاربكس".
- التعديلات الضريبية الأمريكية المقترحة توجد بها أيضًا تفصيلة في غاية الخطورة تقلق الشركات الألمانية والأوروبية، وهي ضريبة 20% المقترح فرضها على تعاملات الشركات التي تتحذ من الولايات المتحدة مقرًا لها مع فروعها الأجنبية.
- على سبيل المثال، سيضطر فرع شركة "فولكس واجن" بالولايات المتحدة إلى دفع الضريبة المقترحة على السيارات التي يستوردها من مصانع الشركة في المكسيك وألمانيا. ولكن في ظل أن الكثير من الشركات الأمريكية الكبرى تستورد جزءًا كبيرًا من قطع الغيار، فعلى الأغلب ستتمكن من الضغط من أجل إلغاء هذا التعديل.
- تأثير قانون الضرائب الأمريكي في شكله الجديد، يتجاوز آيرلندا وألمانيا، ويمتد ليشمل بلدانًا مثل أستراليا وفرنسا واليابان وإسبانيا، حيث معدل الضرائب المفروضة على الشركات لديها يتجاوز 30%، وعاجلًا أم آجلًا ستجد هذه الدول نفسها مضطرة للرد على الخطوات الأمريكية، وإلا ستبدأ الولايات المتحدة في سحب شركاتها وشركات منافسيها إلى ملعبها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}