تعد فقاعة "مسيسيبي" بمثابة فقاعة اقتصادية كبيرة وقعت في فرنسا أوائل القرن الثامن عشر، وتزامنت مع فقاعة أخرى كارثية في بريطانيا تسمى "بحر الجنوب".
كان السبب في حدوث فقاعة "مسيسيبي" الاقتصادي الأسكتلندي "جون لو" الذي تعمق داخل الأوساط الفرنسية عن طريق صديقه "دوق أورليانز"، وأصبح لاحقا المستشار المالي الأبرز للحكومة في باريس، واستغل سلطاته لتأسيس "بنك جنرال" – وهو مصرف كان لديه صلاحيات لإصدار أوراق مالية – بالإضافة إلى شراء شركة "مسيسيبي" والتي احتكرت تطوير الأراضي في أمريكا الشمالية وحقوق التنقيب عن الذهب والفضة.
لسوء الحظ، لم تفلح خطط الشركة في التنقيب عن الذهب والفضة، ولم يكن هناك دليل على سداد قيمة السندات التي أصدرها البنك، وانهار سهمها مسببا انهيارا في البورصة الفرنسية والتمويلات العامة في البلاد.
ما الذي أدى لحدوث فقاعة "مسيسيبي"؟
- بدأت فقاعة "مسيسيبي" عام 1715 عندما كانت الحكومة الفرنسية على شفا التعثر في سداد ديون حروب "لويس الرابع عشر"، وهرعت "باريس" نحو الضرائب التي رفعتها من أجل جمع تمويل لسداد الديون مما أسفر عن تقلبات شديدة للعملة المدعومة بالذهب والفضة.
- ضمت الحكومة الفرنسية وقتها مجموعة من الأوصياء بقيادة "دوق أورليانز" لأن الملك "لويس الخامس عشر" كان عمره 5 سنوات فقط، وحاولوا إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والمالية، وقرر "الدوق" تعيين صديقه "لو" في المجلس الحاكم.
- عرف عن "لو" عقليته الفذة ودراساته ونظرياته الاقتصادية والمالية فضلا عن ذكائه في العمليات الحسابية، ونشر عام 1705 بحثا زعم من خلاله إمكانية إصدار سندات مدعومة من الحكومة وليست مدعمة بالذهب والفضة بهدف إنعاش الاقتصاد.
- عندما طلب "دوق أورليانز" من صديقه حل الأزمات المالية في فرنسا، رأى "لو" أنها فرصة لتطبيق نظريته، وحصل على إذن الحكومة عام 1716 لتأسيس بنك "Banque Générale" الذي استولى على الذهب والفضة وأصدر سندات مقابلها.
- لم تكن تلك الأوراق المالية قانونية وكانت مدعومة فقط من الحكومة بإمكانية سدادها بالعملة المحلية، وتم جمع الكثير من التمويل والاحتياطيات لدعم الموازنة وسداد الديون.
- عام 1717، استغل "لو" سلطاته في الحكومة للاستحواذ على الشركة التجارية المتعثرة "مسيسيبي" وأعاد تسميتها إلى " Compagnie d’Occident" أو "شركة الغرب"، وكان لها ممارسات احتكارية على التجارة وتنمية المستعمرات الفرنسية في أمريكا الشمالية التي امتدت من لويزيانا إلى كندا واشتهرت حينها بثرائها بالمعادن النفيسة.
- عام 1719، امتلكت الشركة الحق في سك عملة جديدة واشترت جميع الضرائب الفرنسية غير المباشرة كما استحوذت على الضرائب المباشرة، وفي النهاية، أطلقت خطة بإعادة هيكلة الديون الحكومية القائمة في مقابل أسهم في الشركة، وبالتالي، هيمن "لو" على التجارة الخارجية الفرنسية وتمويلات البلاد.
- عرضت الشركة أسهما للعامة مقابل 500 "ليفر" للسهم (الليفر كان عملة فرنسا وقتها)، وكان الطلب كثيفا على شراء السهم حتى قفزت قيمته إلى عشرة آلاف ليفر بدعم من أنشطة الشركة وممارساتها الاحتكارية واستحواذها على موارد تعدين الذهب والفضة في أمريكا الشمالية.
- لاحقا، أصدر "Banque Générale" سندات بشكل كثيف دون وجود ما يعادلها من الذهب والفضة على أمل ما سيتم الحصول عليه من معادن نفيسة مملوكة للشركة ستستخرج من أمريكا الشمالية.
الانهيار وانفجار الفقاعة
- في أوائل 1720، بدأ سهم الشركة في الهبوط لرغبة بعض المستثمرين الحصول على أرباحهم في شكل عملات ذهبية، وحاول "لو" كبح الهبوط من خلال وضع سقف للمدفوعات بالذهب، وفي وقت لاحق، قرر "لو" خفض قيمة السهم وخفض قيمة سندات البنك بنسبة 50% نتيحة العجز في المعادن النفيسة لديه على أثر عدم وجود ما يكفي من الاكتشافات في أمريكا الشمالية في وادي "مسيسيبي".
- بدأت الأمور في الانهيار سريعا وأعرب حملة الأسهم والسندات عن غضبهم لعدم وجود قيمة لها ليهبط سهم الشركة من 10 آلاف "ليفر" إلى ألف ليفر بنهاية نفس العام.
- أفلس مليونيرات سابقون في فرنسا وتعثر مستثمرو الشركة بسبب انهيار قيمة السهم، واتهم "لو" بالاحتيال، واستحوذ منافسوه في السلطة على الشركة التي تراجع سهمها إلى 500 ليفر.
- هرب "لو" من فرنسا متنكرا في زي امرأة ومكث متنقلا عبر أوروبا من مدينة لمدينة يمارس المقامرة، وأدى انهيار البنك وشركة "مسيسيبي" تزامنا مع فقاعة "بحر الجنوب" في بريطانيا إلى كساد اقتصادي شديد في دول أوروبية، وأسفر هذا الكساد عن اندلاع شرارة الثورة الفرنسية لاحقا.
"بتكوين"
- وصف العديد من المستثمرين وكبار رجال الأعمال مثل "وارن بافيت" والمدير التنفيذي لـ"جي بي مورجان تشيس" "جيمي ديمون" العملة الرقمية "بتكوين" بـ"الفقاعة".
- قال الملياردير "كارل إيكان" إن من يقرأ كتابا عن تاريخ الفقاعات، سيبدو له أن "بتكوين" تشبه إلى حد كبير فقاعة "مسيسيبي" التي أبكت الفرنسيين وانهار كل شيء في البلاد مع انفجارها.
- حذر محللون من عمليات المضاربة التي تعتري تعاملات "بتكوين" بغرض تحقيق ثراء سريع مشيرين إلى أن احتمالات انهيار العملة الرقمية كبيرة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}