قبل ثلاثة أشهر تقريبا، وقع هجوم إلكتروني دولي واسع النطاق أطبق السيطرة على مئات الآلاف من الحواسيب في 150 بلداً حول العالم. وعلى شاشات أجهزتها رأى المتضررون من تلك الهجمات رسالة تخبرهم بأنه لم يعد بإمكانهم الوصول إلى ملفاتهم المخزنة على تلك الأجهزة، قبل أن تتم مطالبتهم بدفع فدية مقابل السماح لهم بإمكانية الوصول.
الواقفون وراء هذا الهجوم، لم يطلبوا سبائك ذهبية أو أموالا يتم تحويلها إلى مكان آمن، وإنما أرادوا شيئا واحدا فقط: البتكوين.
سمعة سيئة
- أصبحت العملة الرقمية أفضل خيار للقراصنة الذين يقومون بابتزاز الشركات عبر سرقة كميات هائلة من البيانات الحساسة. ورغم أنه لا يمكن إلقاء اللوم على البيتكوين بالتسبب في تلك الهجمات، إلا أنه لا يمكن أيضاً إنكار استفادة العملة الرقمية من ذلك الوضع. حيث قفز سعرها مؤخراً إلى أعلى مستوى 4300 دولار.
- هذ الوضع تسبب في ظهور منطق به التواء بعض الشيء، حيث أصبحت حيازة البيتكوين أفضل خيار للشركات التي لا يمكنها الاستثمار بكثافة في أمنها المعلوماتي كي تتجنب تلك الهجمات في المقام الأول.
- دفع الفدية ربما لا يعتبر الممارسة الأفضل في دوائر أمن تكنولوجيا المعلومات، لأن ذلك يُرى بشكل ما على أنه دعم للمجرمين، ولكن في نفس الوقت ما هي الخيارات التي قد تمتلكها أي شركة تقع فريسة لهجوم "رانسومواري"؟ على الأغلب لا تمتلك الكثير، وخصوصاً إذا لم يكن لديها نسخ احتياطية من البيانات المستولى عليها.
- وجدت دراسة أجرتها شركة "سيتريكس سيستمز" العام الماضي أن ثلث الشركات البريطانية كانت تشتري العملات الرقمية فقط من أجل دفع الفدية التي قد يطلبها منها القراصنة خلال أي هجوم محتمل. ووجدت أيضاً أن واحدة من بين كل 5 من الشركات المتوسطة والكبيرة لم يكن لديها أي تدابير طارئة لمواجهة هذا النوع من الهجمات.
- هذه الشركات تدفع مرغمة الفدية المطلوبة دون وجود أي ضمانات. فوفقاً لشركة "تيلسترا" واحدة من بين كل ثلاث شركات أسترالية تقوم بدفع الفدية لا تسترد بياناتها.
- في الواقع أصبحت نقاط قوة البيتكوين مثل تداولها بين أسماء مستعارة وصعوبة تتبعها من قبل المسؤولين الحكوميين هي ذاتها نقاط ضعفها، وذلك لأنها أصبحت مرتبطة بشكل كبير بالقراصنة الإلكترونيين والأسواق غير المشروعة على الإنترنت.
العوامل التي تقف وراء اتجاهها الصعودي
- تزايد هذه الهجمات إلى جانب عوامل أخرى، أدى إلى ارتفاع القيمة السوقية للبيتكوين بمقدار 15 مليار دولار في غضون أسبوع واحد، ومن المرجح وفقاً لمحللين أن تحافظ على اتجاهها الصعودي لفترة ليست بالقصيرة.
- محلل العملات الرقمية "روني مواس" الذي توقع سابقاً وصول سعر البيتكوين إلى 5 آلاف دولار بحلول 2018، قام بتعديل توقعاته لسعر العملة الرقمية خلال العام القادم بالرفع إلى 7500 دولار، قبل أن يرجح وصولها إلى 50 ألف دولار بحلول عام 2027.
- يعتقد أيضاً أن التوترات الجيوسياسية الأخيرة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة كان لها بعض التأثير على سعر البتكوين، حيث أشارت تقارير إلى تنامي ملكية العملة الرقمية في كوريا الجنوبية واليابان عقب التصادم الأخير بين الزعيمين الأمريكي والكوري الشمالي.
- في ظل انحسار رقعة الهجمات الإلكترونية خلال الأسابيع الماضية، يبدو احتمال مسؤوليتها عن الارتفاع الأخير في سعر البيتكوين ضئيلا إلى حد ما، لذلك يبقى السؤال الكبير هو: ما الذي جعل الجميع متفائلا وبشكل مفاجئ لمستقبل البتكوين؟
- يقول "جاريك هيلمان" خبير البيتكوين في مركز كامبريدج للتمويل البديل، إنه استناداً إلى البيانات التي قاموا بجمعها، فإنهم يعتقدون أن المحرك الرئيسي لسعر العملة الرقمية خلال الفترة الماضية هو المضاربة. حيث تشير معظم الدراسات الاستقصائية إلى أن أغلبية مستخدمي البتكوين يشترونها لأغراض المضاربة فقط وليس من أجل الشراء أو إرسال الأموال.
- يعتبر أيضاً الاعتراف الرسمي من قبل الحكومة اليابانية في أبريل/نيسان الماضي بالبتكوين، أحد أهم العوامل التي تقف وراء ازدهار العملة الرقمية، والتي أعطتها تلك الخطوة شرعية أكبر في واحد من أغنى الاقتصادات الآسيوية.
لا أحد يعرف كم يجب أن تساوي هذه العملة
- كل هذه العوامل تساهم معاً في زيادة الطلب الكلي على البتكوين، ولكن الزيادة الأخيرة مدفوعة بأنشطة المضاربة وليس بالاستخدامات العملية للعملة. فببساطة أصبح هناك عدد متزايد من الناس مقتنعين بأن سعرها سيرتفع على المدى الطويل.
- هؤلاء الناس ليسوا بالضرورة على خطأ، ففي نهاية المطاف تقترب القيمة السوقية للبيتكوين من 75 مليار دولار، وهو مبلغ صغير نسبياً في أسواق مالية يتداول خلالها عشرات التريليونات من الدولارات المستثمرة في الأسهم والسندات وغيرها من الأصول، وقد تصبح البتكوين بحكم الواقع معياراً عالمياً لتحويل الأموال عبر الحدود، لتصبح آمال المتفائلين واقعاً. من يدري؟
- هناك احتمال آخر وهو أن تصبح البتكوين مخزنا للقيمة مثل الذهب مع تنامي العالم الرقمي، حيث إن المستثمرين الذي يستخدمون الذهب كمخزن للقيمة من أجل إبقاء أموالهم بعيداً عن متناول المؤسسات المالية، قد يجدون البتكوين خياراً أكثر جاذبية خصوصاً وأنها تتمتع بمزايا لا يتمتع بها المعدن الأصفر مثل سهولة التخزين وإمكانية نقلها إلى أي مكان بالعالم بنقرة زر واحدة.
- أخيراً يبقى الاحتمال غير المحبب بالنسبة لكثيرين، وهو أن يكون الارتفاع الأخير في سعر البتكوين مجرد فقاعة أنتجتها أنشطة المضاربة. ففي الفترة الأخيرة أقدمت أعداد كبيرة على شراء العملة الرقمية على أمل أن يتمكنوا من بيعها بسعر أعلى بعد فترة من الوقت، وفي الغالب استبعد هؤلاء احتمالية ذهاب سعر العملة في الاتجاه المعاكس، وهو ما قد يتسببب في حالة من الذعر.
- هذا ما حدث في ربيع عام 2011، عندما ارتفع سعر البتكوين من دولار واحد إلى أكثر من 30 دولارا في غضون أسابيع، قبل أن ينخفض إلى أقل من 3 دولارات في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام. وكانت هناك أيضاً فقاعتان مشابهتان وقعتا في شهري أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني من عام 2013.
- إذا كان بالإمكان الاستفادة من التاريخ بأي شكل، فإن هناك احتمالا بنسبة غير ضئيلة بأن ينتهي الارتفاع الأخير على نحو مأسوي بالنسبة للذين سارعوا مؤخراً إلى شراء العملة الرقمية، كما حدث في ثلاث مرات سابقة حين أعقب كل ازدهار في سعرها تحطم دراماتيكي، ليكتشف هؤلاء أنهم ما سارعوا إلا لركوب "تيتانيك" أخرى.
- الخلاصة ... حين يتعلق الأمر بسعر البتكوين، فإنه لا يوجد هناك أي شيء مؤكد، وعلى عكس ما يحدث في أسواق الأسهم، لا تفلح في الغالب أساليب التحليل الأساسي أو الفني في توقع حركة هذا السوق خلال الساعة القادمة، ناهيك عن الغد أو الأسبوع القادم.
- ويبقى في النهاية الأمر واقعا ملموسا داخل الأسواق وهذا ناتج عن التطور التكنولوجي وتقنية الـ"بلوك تشين" التي ستجعل للواقع غير الملموس حضورا قويا وتأثيرا لا يستهان بهما في حياة البشر.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}