تدفع الضغوط على المالية العامة السعودية للحرص على إبرام اتفاق بشأن تخفيضات إنتاج النفط في المحادثات التي يجريها كبار المنتجين العالميين الأسبوع الحالي حتى وإن اضطرت الرياض لتحمل نصيب الأسد من التخفيضات.
ومن المستبعد أن يستمر الانخفاض السريع للعجز الكبير في ميزانية الحكومة خلال الأشهر المقبلة خصوصا وأن الرياض قد تضطر لإنفاق المزيد من أجل تعزيز النمو الاقتصادي الضعيف.
غير أن القائمين على الإصلاح الاقتصادي في السعودية يراهنون بالكثير من مصداقيتهم على نجاح الطرح العام الأولي لشركة النفط العملاقة أرامكو العام المقبل والذي يتوقعون أن يحقق تقييما لا يقل عن تريليوني دولار للشركة المملوكة للدولة.
ويقول محللو النفط وخبراء الاقتصاد إن ذلك سيدفع السعودية للمشاركة في اجتماع المنتجين من أوبك ومن خارجها في فيينا في الخامس والعشرين من مايو أيار وهي عازمة على تعظيم إيرادات النفط لأقصى حد ممكن من خلال رفع الأسعار حتى وإن اضطرت لتطبيق تخفيضات كبيرة لإنتاجها في المقابل.وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري "سيظل وضع الموازنة صعبا لاسيما في ظل تباطؤ الاقتصاد".
وتابعت "ستضطر الحكومة إلى زيادة الإنفاق لدعم النمو وتنويع الاقتصاد ولذلك تحتاج إيرادات عالية. هم بحاجة لأن تبقي أسعار النفط عند المستويات الحالية على الأقل".
ومع وصول أسعار خام القياس العالمي مزيج برنت إلى 51 دولارا للبرميل قال وزير النفط السعودي خالد الفالح إنه يريد تمديد تخفيضات الإنتاج الحالية لمدة تسعة أشهر حتى مارس آذار القادم.
وقلصت الرياض الإنتاج بالفعل بأكثر مما تعهدت به في الاتفاق ليصل حجم تخفيضاتها في أبريل نيسان إلى 118 بالمئة من المطلوب منها.
وقالت مصادر لرويترز إن لجنة من أوبك لا تدرس تمديد التخفيضات فحسب بل وتعميقها لتتجاوز مستوى الخفض المنصوص عليه في الاتفاق الأساسي والبالغ 1.8 مليون برميل يوميا.
* الإحجام عن الاقتراض
قال توماس ستريتر رئيس الأبحاث في إم.بي كومودتيز كابيتال في دبي إنه لا يمكن استبعاد إمكانية قبول السعودية بتخفيضات أكبر للإنتاج لأن خفضه 1.8 مليون برميل يوميا لا يتمخض إلا عن تراجع محدود للمخزونات العالمية.
ومنذ العام الماضي كان اللجوء للاقتراض من الخارج أحد العوامل التي ساهمت في تفادي السعودية أزمة مالية. ويسر المستثمرون الأجانب إقراض السعودية عشرات المليارات ولكن هذا لا يعني أن الحكومة، التي أوشكت قبل ثلاثة أعوام على محو جميع ديونها، سعيدة بذلك.
وقال ستريتر "سيريدون أسعار نفط أعلى لزيادة إيراداتهم وعدم الاعتماد على الاقتراض".
وانكمش عجز الميزانية السعودية 71 في المئة على أساس سنوي في الربع الأول من العام ليبلغ 26 مليار ريال (6.9 مليار) وهو مستوى دون التوقعات، ويرجع ذلك بصفة أساسية لإيرادات النفط التي قفزت إلى 112 مليار ريال من 52 مليار ريال.
ولكن الربع الأول من العام الماضي شهد انهيارا لأسعار النفط ونزل برنت إلى 27 دولارا للبرميل. وفي الربع الثاني اقترب النفط من 45 دولارا ولكن أي تحسن للعجز في المستقبل لن يكون بهذه القوة على الأرجح.
في الوقت ذاته توقف النمو في القطاع غير النفطي بالسعودية تقريبا وهو ما يكثف الضغوط على الحكومة لتحفيز النشاط والحد من سياسات التقشف التي لا تحظى بشعبية.
وفي الشهر الماضي تراجعت الرياض عن أحد إجراءات التقشف وأعادت صرف البدلات الممنوحة لموظفي الدولة وقدر احد المسؤولين التكلفة السنوية لها بنحو 15 مليار ريال.
وقال مسؤولون في أحاديث خاصة إنه قد يتم تأجيل إصلاحات جديدة لأسعار الطاقة تهدف لتوفير 29 مليار ريال العام الجاري.
* قلق من العجز
من المرجح أن يتمخض ذلك عن عجز في موازنة 2017 يقارب التوقعات الأصلية للرياض البالغة 198 مليار ريال. ورغم أن هذا الرقم يشير لتحسن كبير عن عجز العام الماضي البالغ 297 مليار ريال إلا أنه يمثل ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو مستوى مرتفع جدا لا يبعث على الارتياح.
وقدرت مالك أن زيادة متوسط أسعار النفط دولارا واحدا سنويا يخفض العجز في ميزانية السعودية بين 0.3 و0.4 نقطة مئوية إذا ظل الإنفاق ثابتا وهو ما يجعل أي زيادة لأسعار النفط ولو بدولارات قليلة مغرية للسعوديين.
وبالمثل قد يكون لأسعار النفط تأثير كبير على الطرح الأولي لأرامكو. وقدر سانفورد سي برنشتاين للاستشارات أن أرامكو ستحقق ربحا صافيا 13.30 دولار من برميل النفط من إنتاج أنشطة المنبع عند سعر 50 دولارا ويرتفع الربح إلى 16.90 دولار حين يصل السعر إلى 60 دولارا.
وهذا يعني أن فارق العشرة دولارات لسعر البرميل يعني فرقا بمئات الملايين من الدولارات في تقييمات الطرح الأولي لأرامكو.
كما يبدو أن العوامل الأخرى التي ساهمت في إحجام الرياض عن خفض الإنتاج في السابق فقدت جزءا من جدواها إذ يقول بعض المحللين إن تحسن تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي يعني أن الأسعار المنخفضة لم تعد تردع منتجي النفط الصخري بالولايات المتحدة.
وبجانب ذلك، ربما تكون المخاوف من أن تصب تخفيضات الإنتاج في صالح إيران بصعود الأسعار في طريقها للانحسار في ظل فشل طهران في جذب استثمارات أجنبية في العام الأخير والنهج المتشدد الذي يتبناه الرئيس الامريكي دونالد ترامب تجاه إيران.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}