- وُلد ديفيد ريكاردو في الثامن عشر من شهر أبريل عام 1772 في مدينة لندن، وتوفي في الحادي عشر من شهر سبتمبر عام 1823 في منطقة جاتكومب بارك التابعة لمقاطعة جلوسيسترشاير.
- يُعد ريكاردو من بين ألمع الاقتصاديين الإنجليز الذين كان لهم دور رائد في ترسيخ أركان الاقتصاد الكلاسيكي في القرن التاسع عشر، إذْ قام بتطوير جملة من المبادئ الأساسية، في مقدمتها "قانون الأجور الحديدي"، الذي يذهب إلى أن أي مساعٍ ترمي إلى رفع مستوى الدخل الحقيقي للعمال محكوم عليها بالفشل، وتبقى الأجور عند حد الكفاف لا تتجاوزه.
نشأته ومسيرته المهنية
- ينحدر ريكاردو من أسرة يهودية سفاردية، تعود جذورها إلى المهاجرين الذين نزحوا من هولندا واستقروا في إنجلترا.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- في ريعان شبابه، وتحديداً في سن الرابعة عشرة، انخرط ريكاردو في عالم التجارة تحت وصاية والده، الذي كان قد جمع ثروة لا بأس بها في بورصة لندن للأوراق المالية.
- إلا أن انفصاله عن أسرته، والتي نشأت عن تباين معتقداته الدينية، واعتناقه لمذهب التوحيدية، فضلاً عن زواجه من سيدة تنتمي إلى مذهب الكويكرز، قد أرغمته على الاعتماد على الذات في شؤونه المالية.
- وما لبث أن أظهر كفاءة استثنائية في ميدان المضاربات المالية، مما درّ عليه ثروة طائلة أتاحت له التفرغ والانكباب على دراسة الأدب والعلوم، ولا سيما الرياضيات والكيمياء والجيولوجيا، التي استحوذت على جل اهتمامه.
اهتمامه بالاقتصاد وأشهر نظرياته
- بدأ اهتمام ريكاردو بعلم الاقتصاد في عام 1799، وذلك إثر اطلاعه على كتاب "ثروة الأمم" لمؤلفه آدم سميث.
- وبعد مضي عقدٍ كاملٍ من الدراسة المتواصلة، أصدر باكورة أعماله تحت عنوان "ارتفاع سعر السبائك: برهان على تدهور قيمة الأوراق النقدية" في سنة 1810.
- كان هذا العمل بمثابة توسعة لمقالات كان قد نشرها في صحيفة "مورنينج كرونيكل" في عام 1809.
- في هذا المؤلَّف، خاض ريكاردو في غمار النقاش المحتدم حول سياسات بنك إنجلترا، حيث أبدى نقده الصريح للتوسع في إصدار الأوراق النقدية وما يترتب عليه من تبعاتٍ على صعيد التضخم وأسعار الصرف.
- وقد كان لهذا الجدل دورٌ محوريٌّ في صياغة السياسات التي تبنَّتها البنوك المركزية فيما بعد، إذ جاء تقرير لجنة السبائك البرلمانية ليؤكد صحة آراء ريكاردو، وهو الأمر الذي أفضى إلى إلغاء قانون تقييد البنوك.
- وعليه، بات لزامًا على بنك إنجلترا أن يضطلع بمهمة ضبط الائتمان والنقد بما يتناسب مع مقتضيات الظروف الاقتصادية.
علاقاته الفكرية ومكانته الاقتصادية
- في سياق رحلته الفكرية ومسيرته في عالم الاقتصاد، نسج ريكاردو شبكة واسعة من العلاقات الوطيدة مع مجموعة من الشخصيات المرموقة وذات الشأن.
- فقد ارتبط بعلاقات وثيقة مع اقتصاديين وفلاسفة بارزين، من بينهم الاقتصادي الشهير جيمس ميل، الذي غدا بمثابة مستشاره السياسي المقرب، والفيلسوف القدير جيريمي بينثام، بالإضافة إلى الخبير الاقتصادي البارز توماس مالتوس، الذي اتفقت رؤيته مع ريكاردو حول الأثر السلبي للنمو السكاني المتزايد على مستوى معيشة الطبقة العاملة.
- وفي عام 1815، تصدر ريكاردو المشهد الفكري والاقتصادي بإثارته جدلاً واسع النطاق حول "قوانين الذرة" المثيرة للجدل آنذاك.
- تلك القوانين التي فرضت قيودًا مشددة على استيراد الحبوب بهدف حماية مصالح المزارعين المحليين. وقد تصدى ريكاردو لهذه القوانين بشدة، وعبر عن معارضته القوية لها في مقالته الشهيرة التي حملت عنوان "تأثير انخفاض سعر الذرة على الأرباح".
- في هذا المقال القيم، أوضح ريكاردو أن الرسوم الجمركية المرتفعة التي تُفرض على القمح المستورد تفضي في نهاية المطاف إلى زيادة كبيرة في إيجارات ملاك الأراضي، بينما تتسبب في الوقت ذاته في تقويض أرباح أصحاب المصانع وتقليلها.
- وبعد فترة وجيزة من هذا الجدل المحتدم، قرر ريكاردو اعتزال الحياة التجارية والانتقال للإقامة في ملكيته الريفية الهادئة في مقاطعة جلوسيسترشاير.
إسهاماته الفكرية القيّمة في علم الاقتصاد
- في عام 1817، نشر ريكاردو كتابه الأشهر "مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب"، والذي يُعد علامة فارقة في تاريخ الفكر الاقتصادي.
- تناول ريكاردو في هذا الكتاب بشكل معمق قوانين توزيع الثروة بين الفئات الرئيسية في المجتمع، وهم مُلاك الأراضي والطبقة العاملة وأصحاب رأس المال.
- وخلص ريكاردو في تحليلاته إلى استنتاج جوهري مفاده أن الأرباح تتناسب عكسيًا مع الأجور، بمعنى أنه كلما ارتفعت الأجور انخفضت الأرباح، والعكس صحيح.
- كما بيّن أن الارتفاع في تكاليف المعيشة يؤدي حتمًا إلى زيادة في مستوى الأجور، ولكن هذه الزيادة تكون على حساب حصة الأرباح.
- وإضافة إلى ذلك، قدّم ريكاردو نظرية "الريع التفاضلي"، والتي تُعد من النظريات الاقتصادية الهامة التي وضعها.
- أوضح في هذه النظرية أن الزيادة في عدد السكان تُفضي حتمًا إلى ارتفاع في إيجارات الأراضي، وذلك كنتيجة مباشرة لزيادة الطلب المتزايد على الغذاء والموارد الزراعية.
- وعلى صعيد آخر، يُعتبر ريكاردو من الرواد الأوائل في علم الاقتصاد الذين اهتموا بنظرية التجارة الدولية بشكل جاد. فقد وضع مبدأ "الميزة النسبية" الذي يُعد حجر الزاوية في فهم التجارة الدولية الحديثة.
- ويقوم هذا المبدأ على فكرة جوهرية وهي أن الدول تستطيع تحقيق استفادة متبادلة من خلال التبادل التجاري، وذلك عن طريق التخصص في إنتاج السلع والخدمات التي تتمتع فيها بميزة نسبية مقارنة بغيرها من الدول. وهذا التخصص يؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز الكفاءة الاقتصادية على المستوى العالمي.
نشاطه السياسي وأواخر حياته
- في عام 1819، ظفر ريكاردو بمقعد في مجلس العموم البريطاني، نائبًا عن دائرة بورتارلينجتون.
- لم يكن ريكاردو من المتحدثين المُكثرين في المجلس، غير أن صيته الذائع كخبير اقتصادي مرموق أكسب آراءه حظوةً من الاحترام والتقدير، لا سيما تلك المتعلقة بالتجارة الحرة، على الرغم من تعارضها مع التوجه العام في البرلمان.
- إلا أن المرض ألزمه بالتقاعد في عام 1823، وفي العام ذاته وافته المنية عن عمر يناهز الواحد والخمسين عامًا.
إرثه وتأثيره في الفكر الاقتصادي
- على الرغم من قِصر مسيرته المهنية، فقد ترك ريكاردو أثرًا راسخًا وبصمةً خالدةً في ميدان علم الاقتصاد.
- شكلت أفكار ريكاردو حجر الزاوية للعديد من النظريات الاقتصادية المعاصرة، لا سيما في حقول الضرائب والنقد والتجارة الدولية.
- وعلى الرغم من أن بعضًا من نظرياته قد عُدِّل أو استُبدل بأُطر أكثر حداثةً، إلا أن تأثيره ما زال ملموسًا وحاضرًا بقوة، حتى إن مفكرين من مدارس اقتصادية مختلفة، من أمثال كارل ماركس وروبرت أوين، قد استلهموا جوانب من أفكاره في سياق نقدهم للرأسمالية.
- بقي ديفيد ريكاردو ركنًا ركينًا في صرح الفكر الاقتصادي الكلاسيكي، إذ أرْسَى دعائمَ علميةً لدراسة توزيع الثروة والأسواق المالية، الأمر الذي جعل من إرثه الفكري حضورًا طاغيًا حتى يومنا هذا.
المصدر: الموسوعة البريطانية
كن أول من يعلق على الخبر
تحليل التعليقات: