تواجه الدول النامية التي تستعد لعام مضطرب في 2025، أعباءً متزايدة نتيجة دفعات الفوائد المتضخمة على ديون بلغت قيمتها 29 تريليون دولار تراكمت خلال العقد الماضي.
وفقاً للأمم المتحدة، فإن عدداً قياسياً من 54 دولة تنفق أكثر من 10% من إيراداتها على دفعات الفوائد، بينما تصل النسبة في دول مثل باكستان ونيجيريا إلى أكثر من 30% من إيراداتها، فقط لسداد فوائد الديون.
وصل إجمالي قيمة هذه الدفعات على الديون الداخلية والخارجية إلى نحو 850 مليار دولار العام الماضي، ما يجبر الدول على تحويل الأموال من الإنفاق المحلي على المستشفيات والطرق والمدارس، ويزيد المخاطر على المستثمرين في الأسواق الناشئة.
قال روبرتو سيفون-أريفالو، رئيس التصنيفات السيادية العالمية في "إس آند بي غلوبال"، في مقابلة إن "أعباء الفوائد ضخمة. هناك الكثير من الغموض، لكن المخاطر كبيرة جداً".
يمثل هذا تحدياً إضافياً في عام تسوده حالة من عدم اليقين بالنسبة للأسواق الناشئة. تأثير دونالد ترمب على توقعات أسعار الفائدة الأميركية والدولار، والتوترات الجيوسياسية المتزايدة، والمخاوف بشأن الاقتصاد الصيني، كلها عوامل تهيئ المشهد لعام 2025 مليء بالتقلبات.
بدأ المستثمرون على مستوى العالم بالفعل في سحب أموالهم من الأسواق الناشئة؛ حيث بلغت التدفقات الخارجة من أدوات الدين المقومة بعملات أجنبية في هذه الأسواق نحو 14 مليار دولار هذا العام، وفقاً لبيانات "إي بي إف آر" (EPFR) التي جمعها بنك "مورغان ستانلي".
لا تخلف سيادي في 2024
مع ذلك، تمكنت الحكومات من اجتياز عام 2024 دون تسجيل أي تخلف سيادي عن السداد. يعتقد مراقبو الأسواق الناشئة، بما في ذلك مؤسسة "آر بي سي بلو باي أسيت مانجمنت" (RBC BlueBay Asset Management) وبنك "مورغان ستانلي"، أنه لن تظهر أي حالات إفلاس بين الدول في العام المقبل أيضاً، وذلك بفضل تدخل المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، وإعادة فتح أسواق رأس المال الدولية لبعض المقترضين.
أسهمت هذه الخلفية في تسوية مفاوضات الديون التي كانت متعثرة لسنوات. مع تداول ديون عدد أقل من الدول عند مستويات متعثرة، كما تفوقت بعض السندات الأكثر خطورة، مثل تلك الخاصة بباكستان ومصر، على نظيراتها.
حققت أفضل 10 سندات أداءً في مؤشر واسع النطاق يتتبع السندات السيادية بالدولار في الأسواق الناشئة ذات العوائد المرتفعة، متوسط عائد بنسبة 55% هذا العام، وفقاً لبيانات "بلومبرغ". كما تفوق مؤشر الديون ذات العوائد المرتفعة، بفارق كبير على مؤشر سندات الدرجة الاستثمارية.
مع ذلك، بحلول موعد استحقاق الاقتراض الذي تم في فترة جائحة كورونا، وزيادة تكاليف الفوائد، يتساءل مديرو الأموال عن المدة التي يمكن لهذا الاستقرار أن يستمر خلالها.
قال أنطوني كيتل، مدير المحافظ العليا في "آر بي سي" إن "مخاطر التخلف عن السداد أقل في المدى القصير، ولكن إذا نظرنا إلى المستقبل قليلاً، فإن السؤال يصبح: هل يمكنهم تحمل هذه التكاليف؟".
تضاعفت ديون الأسواق الناشئة خلال العقد الماضي لتصل إلى نحو 29 تريليون دولار، معظمها من الاقتراض المحلي، وفقاً لتقرير الديون السنوي لـ"مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" (أونكتاد).
تركت هذه الديون الدول مثقلة بدفعات فوائد ضخمة، واستحقاقات سندات سيتعين سدادها أو إعادة تمويلها. خلال العامين المقبلين، ستستحق التزامات بنحو 190 مليار دولار على السندات الأجنبية، وفقاً لـ"جيه بي مورغان تشيس".
تدفع بعض الدول الأكثر خطورة من حيث القدرة على السداد بالفعل أكثر من 9% من فوائد السندات، للوصول إلى أسواق الديون الدولية وتجديد استحقاقاتها.
أشار محللو "إس آند بي" في تقرير الشهر الماضي، إلى أنهم يتوقعون المزيد من حالات التخلف عن السداد خلال العقد المقبل مقارنةً بالماضي، بسبب مستويات الديون وتكاليف الاقتراض. كما حذّر البنك الدولي مؤخراً من تسجيل دفعات الفوائد أرقاماً قياسية مرتفعة للدول الفقيرة.
توقعات محفوفة بالمخاطر
يؤكد احتمال موجة جديدة من حالات التخلف عن السداد النظرة المتشائمة تجاه ديون الأسواق الناشئة، التي تعرض مستثمروها لسلسلة من حالات التخلف عن السداد بعد الجائحة. كانت إثيوبيا آخر دولة نامية تتخلف عن سداد ديونها في أواخر عام 2023.
تتزايد الضغوط على صندوق النقد الدولي لمواصلة التدخل. يُجري الصندوق محادثات مع الأرجنتين، إحدى أكبر الدول المدينة له، للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام لاستبدال، وربما توسيع الاتفاق الحالي البالغ 44 مليار دولار. تواجه الأرجنتين، التي تخلفت عن السداد تسع مرات مذهلة، نحو 9 مليارات دولار مستحقة على السندات بالعملات الصعبة العام المقبل وحده.
في آسيا، قدم صندوق النقد الدولي بالفعل حزمة إنقاذ لكلٍ من سريلانكا وباكستان، ما ساعد على رفع ديون هذه الدول بنسبة مذهلة بلغت 34% و43% هذا العام. في أكتوبر، عرضت أنغولا فكرة بدء محادثات مع الصندوق بشأن برنامج جديد، لكنها أعلنت لاحقاً أن الصندوق سيواصل تقديم الدعم الفني في الوقت الحالي.
وفقاً لاستراتيجيي "مورغان ستانلي"، بما في ذلك إيما سيردا وسايمون وايفر، فإن نحو 27% من مؤشر ديون الأسواق الناشئة مرتبط بصندوق النقد الدولي، ومن المتوقع أن يرتفع عدد الدول التي تعتمد على برامج الصندوق.
كتب استراتيجيون في "مورغان ستانلي" في مذكرة بتاريخ 3 ديسمبر: "سيظل صندوق النقد الدولي يلعب دوراً رئيسياً. ما زلنا نعتقد أن جزءاً كبيراً من البرامج الحالية التي تنتهي قريباً سيتم تجديدها إلى حد كبير بسبب المخاوف المالية".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}