تثور حالة من الجدل في الولايات المتحدة بشأن مشروع نفطي لشركة "كونوكو فيليبس" لاستخراج الخام من القطب الشمالي في ولاية ألاسكا، في ظل ترحيب من الصناعة بالمشروع الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات ومعارضة قوية من نشطاء حماية البيئة.
ووافقت وزارة الداخلية الأمريكية على نسخة أصغر من المخطط الأصلي للمشروع للتنقيب عن النفط والغاز بقيمة 7 مليارات دولار. ويقول منتقدون لـ"جو بايدن" إن المشروع يتعارض إلى حد كبير مع جهود الرئيس التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة لمكافحة تغير المناخ والتحول إلى مصادر أنظف للطاقة.
تاريخ
يقع مشروع ويلو ضمن منطقة شاسعة تبلغ مساحتها 23 مليون فدان "الفدان 4200 متر مربع" تعرف باسم "احتياطي البترول الوطني-ألاسكا". وكانت المنطقة ضمن أربع مناطق تحوي احتياطياً بترولياً من هذا القبيل تم تجنيبها في أوائل القرن العشرين لضمان إمدادات النفط للجيش الأمريكي. على الرغم من عدم وجود إنتاج في ذلك الوقت في المنطقة في ألاسكا، إلا أن المعلومات الجيولوجية والتسربات السطحية للنفط أشارت إلى وجود موارد كبيرة في منطقة المنحدر الشمالي لولاية ألاسكا.
جاء الدليل مع اكتشاف حقل "برودو باي" العملاق في عام 1986 والذي بدأ إنتاج النفط في عام 1977. ومع ذلك عثرت برامج الاستكشاف في المنطقة على تكوينات نفطية صغيرة لا تكفي سوى الاستهلاك المحلي.
في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قاد الفهم الجيولوجي وتقنيات الاستكشاف المتقدمة الشركات إلى استئجار أجزاء من منطقة الاحتياطي البترولي، وسرعان ما قادها هذا إلى اكتشافات نفطية كبيرة. ونظرا لأن منطقة احتياطي البترول الوطني هي أرض خاضعة للحكومة الفيدرالية، فإن موافقتها مطلوبة على أي عمليات تطوير نفطي. وحتى الآن، تمت الموافقة على معظم تلك العمليات وكان مشروع "ويلو" أحدثها.
من المستفيد؟
تحوز "كونوكو فيليبس" عقود الإيجار في المنطقة منذ عام 1999، واقترحت المشروع منذ فترة طويلة ووافقت عليه إدارة "ترامب" في الأصل في عام 2020، لكن قاضيا فيدراليا في ألاسكا عام 2021 أوقف هذا القرار قائلا إن التحليلات البيئية للمشروع معيبة وتحتاج لإعادة نظر.
وافقت إدارة "بايدن" على نسخة من المشروع تشمل ثلاث منصات حفر وبنية تحتية سطحية أقل مما كان مقترحا في الأصل. وأرادت الشركة في البداية بناء ما يصل إلى خمس منصات حفر. بيد أن المنصات الثلاث ستسمح للشركة بالتنقيب عن نحو 90% تقريبا من النفط الذي تسعى إلى استخراجه.
و"كونوكو فيليبس" التي مقرها هيوستن مثل بقية شركات الطاقة الأمريكية تعمل على التنقيب عن النفط في ألاسكا منذ سنوات. والشركة هي الوحيدة التي لديها عمليات للتنقيب عن الخام في احتياطي البترول الوطني في ألاسكا، بيد أن مشروعيها قيد التشغيل هناك أصغر بكثير من مشروع "ويلو".
تحتوي منطقة مشروع "ويلو" على ما يقدر بنحو 600 مليون برميل من النفط أو ما يزيد على الكمية المحتفظ بها حاليا ضمن احتياطي البترول الاستراتيجي الأمريكي، وهي الإمدادات المدخرة لحالات الطوارئ في البلاد.
أهمية محلية
يشكل المشروع في الوقت ذاته أهمية كبيرة للمسؤولين المنتخبين في ألاسكا الذين يأملون أن يساعد في تعويض انخفاض إنتاج النفط في الولاية التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على صناعة الحفر.
تقول "كونوكو" إن المشروع سيحقق إيرادات تصل إلى 17 مليار دولار للحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات ومجتمعات ألاسكا المحلية.
وتعتمد ولاية ألاسكا بشكل كبير على عائدات إنتاج النفط لكن الإنتاج هناك انخفض بشكل كبير من ذروته في الثمانينيات.
ويقول المشرعون في الولاية إن المشروع سيخلق فرص عمل ويعزز إنتاج الطاقة المحلي ويقلل من اعتماد البلاد على النفط المستورد. والتقى المشرعون الثلاثة عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري الذين يمثلون ألاسكا بالرئيس "جو بايدن" وكبار مستشاريه في بداية مارس وحثوا الرئيس وإداراته على الموافقة على المشروع.
كما يلقى المشروع دعما من تحالف مجموعات سكان ألاسكا الأصليين في منطقة المنحدر الشمالي قائلين إنه يمكن أن يكون مصدرا جيدا للإيرادات تشتد إليه حاجة المنطقة، وكذلك لتمويل الخدمات بما في ذلك الصحة والتعليم.
وقالت النائبة الأمريكية "ماري بيلتولا" عن ألاسكا وهي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي: "أشعر أن شعب ألاسكا تم الاستماع لصوته.. لا يمكن لولاية ألاسكا أن تتحمل عبء حل مشكلات الاحتباس الحراري وحدها".
وكذلك رحبت السيناتور الأمريكية "ليزا موفكوفسكي" عن ألاسكا لكنها تنتمي إلى الحزب الجمهوري بما وصفته "بالأخبار السارة"، قائلة إن هذا سيعني الوظائف والإيرادات لألاسكا من خلال جلب ما يزيد على 180 ألف برميل من النفط يوميا إلى خط أنابيب ترانس آلاسكا.
سباق مع الزمن
يقول خبراء إنه بعد أن أعطت إدارة بايدن الضوء الأخضر للمشروع يمكن البدء في التنفيذ، ومع ذلك ليس من الواضح متى سيحدث ذلك بالضبط، وهو ما يرجع لأسباب منها التحديات القانونية الوشيكة.
تتسابق الجماعات المهتمة بالبيئة و"كونوكو فيليبس" مع الزمن. ولا يمكن تنفيذ أعمال البناء في مشروع "ويلو" إلا خلال فصل الشتاء لأنه يحتاج إلى طرق جليدية لبناء بقية البنية التحتية لمشروع النفط، بما في ذلك طرق تمتد لمئات الأميال وخطوط أنابيب ومنشأة معالجة. وبناء على توقعات الطقس، قد ينتهي فصل الشتاء في ألاسكا هذا العام في وقت ما من أبريل.
إذا تمكنت الجماعات البيئية من استصدار أمر قضائي بإيقاف المشروع أو تأخيره، فقد يؤدي ذلك إلى تأخيره لمدة عام على الأقل. ونظرا لأن المشروع يحتاج إلى تشييده بالكامل قبل أن يتم إنتاج النفط، فقد يستغرق وصول النفط الذي يتم ضخه من "ويلو" إلى السوق سنوات.
من يعارض المشروع
اتسمت معارضة عمليات التنقيب في المنحدر الشمالي من جانب دعاة الحفاظ على البيئة وبعض المنظمات البيئية ومجتمعات السكان الأصليين، لدعم الحفاظ على الحياة البرية، بالشراسة منذ تدشين حقل "برودو" وإنشاء خط أنابيب عبر ألاسكا في السبعينيات.
ويشعر بقية سكان ألاسكا الأصليون الذين يقيمون بالقرب من المشروع المخطط له بما في ذلك مسؤولو المدينة وأفراد القبائل في قرية نويكسوت الأصلية بقلق عميق بشأن الآثار الصحية والبيئية لتطوير مشروع نفطي رئيسي.
وفي رسالة شخصية إلى وزيرة الداخلية الأمريكية ديب هالاند، قالت رئيسة بلدية نويكسوت "روزماري آتوانرواك" ومسؤولان آخران من نويكسوت وقبائل في المنطقة إن القرية ستتحمل عبء الآثار الصحية والبيئية للمشروع.
وجاء في الرسالة أن قرى أخرى تحصل على بعض الفوائد المالية من نشاط النفط والغاز لكنها تعاني تأثيرات أقل بكثير من نويكسوت.
بالإضافة إلى ذلك ظهرت موجة من النشاط ضد "ويلو" على "تيك توك"، مما حفز معارضين على إرسال أكثر من مليون رسالة إلى إدارة بايدن لوقف المشروع فضلا عن توقيع 2.8 مليون على عريضة لوقف المشروع.
حث وترضية
تحث إدارة بايدن شركات النفط الأمريكية على الاستثمار في زيادة الإنتاج للمساهمة في إبقاء أسعار الطاقة للمستهلكين قيد السيطرة. لذلك حظي المشروع بمتابعة عن كثب في ظل سعي بايدن لتحقيق التوازن بين أهدافه المتمثلة في إزالة الكربون من الاقتصاد الأمريكي واستعادة الولايات المتحدة لموقع القيادة في مجال تغير المناخ مع زيادة إمدادات الوقود المحلية أيضا للحفاظ على انخفاض الأسعار.
وانتقدت الأمم المتحدة المشروع، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك للصحفيين عندما سئل عن الموافقة على مشروع ويلو "هذه ليست مشروعات تدفعنا في الاتجاه الصحيح".
من جانبها شددت وزارة الداخلية على حقيقة أنها لم تدعم المشروع بصيغته الأصلية ووافقت فقط على نسخة أقل حجما لتقليل المخاطر البيئة، كما أعلنت أنها ستزيل أجزاء أخرى من القطب الشمالي من خطط التأجير لأغراض الحفر في المستقبل.
وسعيا لترضية نشطاء البيئة، أعلنت وزارة الداخلية إجراءات حماية شاملة جديدة لأراضي ومياه ألاسكا غير المأهولة والتي من شأنها أن تبقى ما يقرب من ثلاثة ملايين فدان من بحر بيوفورت في المحيط المتجمد الشمالي خارج نطاق عمليات التأجير بغرض التنقيب عن النفط والغاز لأجل غير مسمى مما يؤدي فعليا إلى إغلاق مياه القطب الشمالي الأمريكي أمام استكشاف النفط. كما أصدرت إجراءات حماية لنحو 13 مليون فدان من المناطق الخاصة "شديدة التأثر بيئيا" داخل احتياطي البترول في ألاسكا.
المصادر: أرقام- رويترز- سي.إن.إن- موقع (The Conversation)
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}