نبض أرقام
04:12 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

تايوان .. الرقم الذي لا يمكن إغفاله بمشهد الاقتصاد العالمي

2022/12/15 أرقام - خاص

بينما يعاني العالم تبعات حرب ضروس بين روسيا وأوكرانيا لا تنفك تلقي بظلالها على مشهد الاقتصاد العالمي، تأتي تبعات صراع عسكري محتمل بين الصين وتايوان لتعطي صورة مقلقة لمشهد اقتصادي عالمي يعاني بالأساس من الركود مع وصول التضخم لمعدلات غير مسبوقة واضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية.

 

ويقول محللون لـ"أرقام" إن تبعات أي تصاعد محتمل في الصراع بين الغرب والصين بشأن تايوان قد يكبد الاقتصاد العالمي خسائر إضافية بتريليونات الدولارات، مع ارتفاع محتمل في أسعار السلع الأولية التي لامست بالفعل أعلى مستوياتها في سنوات مع اضطرابات في الإمدادات بفعل الأزمة الأوكرانية الروسية.

 

ويمثل أي صراع عسكري محتمل حول تايوان مزيدا من المتاعب الاقتصادية للعالم بأسره، مع اضطرابات جديدة في سلاسل الإمداد العالمية التي تعاني منذ مطلع 2022، وسط حالة من الشد والجذب بين روسيا والقوى الغربية في معركة بدا أن سلاحها الرئيسي السلع الأولية على غرار النفط والقمح.

 

والتصريحات القادمة من بكين بين الفينة والأخرى حول الأزمة التي تتصاعد فصولها منذ أغسطس تمثل بالأساس رسائل تهديد موجهة إلى واشنطن بعد زيارة مسؤولين أميركيين إلى الجزيرة، ما يعني وجود احتمال لاندلاع لصراع عسكري بين أكبر اقتصادين بالعالم واللذين يمثلان نحو 41 تريليون دولار "أعلى قليلا من 42%" من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي للعام 2021.

 

 

للأزمة فصول

 

وتصاعدت حدة التوترات بين بكين وواشنطن مع عدائية غير مسبوقة في التصريحات الصينية ردا على ما تعتبره بكين تشجيعا أمريكيا للسلطات التايوانية للمضي قدما في إجراءات الاستقلال، إذ تنظر الصين إلى الولايات المتحدة كعائق أوحد نحو ضم الجزيرة إلى بر الصين الرئيسي منذ العام 1949، عندما لجأ إليها القوميون الصينيون بعد خسارة الحكم في مواجهة الشيوعيين.

 

ولطالما أبدت واشنطن التزاماً يرتبط بأسباب تاريخية واستراتيجية لمحاصرة الصين الشيوعية من الجبهة الشرقية، ضمن تحالف يضم اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان.

 

وعلى مدار أعوام طويلة كانت الخروقات العسكرية للسيادة التايوانية من قبل بكين ويقابلها رسائل دعم خفية من واشنطن إلى حكومة "تايبيه" هما العنوانان البارزان لما بدا أنها حرب باردة بين الصين وأميركا ولكن قد غض الطرف عنها لأسباب اقتصادية بحتة.

 

ويقول "ريان هاس"، خبير الشؤون التايوانية وزميل الدراسة لدي معهد بروكينغز لـ"أرقام" إن الصين تأخذ الأمر على محمل الجد حينما يتعلق الأمر بتايوان، وإن الزيارات المتكررة للمسؤولين الغربيين إلى الجزيرة تعدها بكين أعمالا عدائية قد تتسبب في اندلاع صراع عسكري في أي وقت بين الغرب والصين.

 

ويتابع هاس: "زيارة بيبوليسي وكذلك الزيارة الأخيرة من أعضاء بالبرلمان الأسترالي، كلها أمور تجعل من اندلاع الصراع أمرا وشيكا قد تكون مسألة وقت ليس أكثر".

 

 

مضيق تايوان.. طبول الحرب

 

وإذا كانت المياه يمكنها أن تطفئ ناراً، فإن مياه مضيق تايوان يمكنها أن تشعل ناراً يكتوي بها الاقتصاد العالمي إذا ما اندلعت الحرب جراء الصرع العسكري المتنامي بين بكين وواشنطن.

 

وفي أعقاب زيارة نانسي بيلوسي الأخيرة إلى تايوان في أغسطس والتي تصنف كأول زيارة من نوعها لمسؤول أمريكي في نحو ربع قرن من الزمان، يتخذ منحنى التوتر في مياه المضيق الاستراتيجي اتجاها صعوديا يعيد إلى الأذهان الأزمة التي تفجرت في تسعينيات القرن الماضي وتسببت بصعوبات جمة في حركة الشحن العالمية.

 

وفي معرض ردها على التدريبات العسكرية الصينية في ذلك الوقت، حشدت الولايات المتحدة 3 حاملات طائرات أمريكية عملاقة، في جزيرة أوكيناوا اليابانية القريبة من السواحل التايوانية والصينية، في أغسطس الماضي فيما بدا أنها إشارات دعم لا تخطئها العين من واشنطن إلى تايوان.

 

ويقول هاس معلقا على الأمر: "استعراض القوة من كلا الطرفين قد يتوقف في أي وقت ليتحول الأمر برمته إلى صراع عسكري عنيف، حينما ينفد الصبر لدى أحد الأطراف".

 

ومن شأن نشوب أزمة جديدة في المضيق أن يؤثر على حركة التجارة العالمية إذ يمر نحو 50٪ من الأسطول العالمي من السفن عبر مياه المضيق في وقت حذرت فيه بكين السفن من مغبة الاقتراب من المضيق على وقع التدريبات العسكرية الصينية القائمة.

 

وتستخدم نحو 36٪ من إجمالي حركة الملاحة التجارية البحرية الصينية مياه المضيق في نقل بضائعها إلى الخارج ما يعني ضربة موجعة لأكبر مصدر للبضائع في العالم وما سينجم عنه من اضطرابات عنيفة في سلاسل الإمداد العالمية.

 

ويقدر نوبدل سرينغ، مدير العمليات لدى "أورينت آسيا"، وهي شركة للشحن البحري، في تصريحات لـ"أرقام" تضرر أعمال تجارية تتراوح قيمتها ما بين 3-4 تريليونات دولار إذا ما تعطلت الملاحة البحرية عبر مياه المضيق.

 

ويتابع سرينغ "نتحدث عن نحو ثلث عدد السفن العالمية التي تستخدم المضيق، أي تعطل على خلفية أعمال عسكرية يعني تكدس مئات السفن العملاقة التي تنقل البضائع حول العالم".

 

 

أرق الرقائق

 

ولا تتوقف التبعات الاقتصادية لأزمة محتملة حول تايوان عند هذا الحد، إذ تكتسب الجزيرة الآسيوية أهمية قصوى للاقتصاد العالمي مع حقيقة مفادها أنها أكبر مصنع بالعالم لأشباه الموصلات أو الرقائق الإلكترونية من خلال إنتاجها لنحو ثلثي احتياجات العالم منها.

 

وتدخل أشباه الموصلات في صناعات حيوية مختلفة من المنتجات التكنولوجية مرورا بالسيارات والطائرات والصواريخ ما يجعل من تايوان في موضع تحكم خانق لأعدائها واستراتيجي لحلفائها.

 

ولدى تايوان شركة "تي أس آم سي"، المهيمنة على السوق العالمية لأشباه الموصلات، والتي تشارك في فرض عقوبات على روسيا، ومن شأن أي فرض للسيطرة الصينية على تايوان أن يهدد الاقتصاد الأميركي بالنظر إلى الدور الذي تلعبه الجزيرة الصغيرة في مشهد صناعة الرقائق بالعالم.

 

والشركة التايوانية تصنف ضمن أكبر شركات بالعالم من حيث القيمة السوقية -المرتبة الـ15 عند 415 مليار دولار- وأسهمت بالسواد الأعظم في زيادة الناتج المحلي للدولة بأكثر من 50 ضعفاً منذ تأسيسها في سبعينيات القرن الماضي ليبلغ حاليا نحو 800 مليار دولار أمريكي.

 

وتحتاط الصين حيال أي خطوة عدائية تجاه تايوان مع حسابات تتعلق بالربح والخسارة إذا أقدمت على أي عمل عسكري، ليس فقط من الناحية العسكرية بل أيضا من الناحية الاقتصادية، إذ إن انفتاح بكين على الغرب أحد أقوى أسباب ازدهار اقتصادها ومن شأن أي عقوبات أن تقوض استدامة النمو الاقتصادي وفي الأذهان أيضا حربها ضد فيتنام في سبعينيات القرن الماضي والتي أضرت بشدة باقتصاد البلاد.

 

ويختتم هاس، خبير الشؤون التايوانية وزميل الدراسة لدي معهد بروكينغز، تصريحاته لـ"أرقام" قائلا "حسابات الربح والخسارة ستظل تتحكم في المشهد، ولكن نفاد صبر الطرف الصيني يعني انقلاب الطاولة على الجميع بما فيهم بكين والخاسر الأكبر الاقتصاد العالمي".

 

المصادر: أرقام- البنك الدولي- صحيفة "فايينشال تايمز"- "صحيفة "وول ستريت جورنال"

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.