بدأت فكرة إنشاء شركات لإدارة الأصول في الظهور في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في أوائل القرن الثامن عشر، حيث بدأت الحاجة لشركات تتخطى دور البنوك التقليدي حينها كوسيط بين المودع والمقترض، نحو شركات أكثر تغلغلًا في النشاط الاقتصادي تقوم بنفسها باستثمار الأموال أو تدخل في صفقات في البورصات وبدأت في الانتشار بعد ظهور أولها في "أمستردام" عام 1602.
وكان من أولى تلك الشركات التي ظهرت في الولايات المتحدة، وتحديدا في مدينة "بوسطن" التي تشتهر في ذلك المجال شركة "ستيت ستريت" والتي خرجت للعلن عام 1792، وهو نفس عام إطلاق بورصة نيويورك للأوراق المالية، حيث بدأ الكثير من الناس يسعون إلى وسيط يدير أموالهم.
ثالث العمالقة
ومع "بلاك روك" و"فانجارد" يبلغ حجم الأصول التي تديرها أكبر 3 شركات في هذا المجال في الولايات المتحدة حوالي نصف السوق بإجمالي أصول تتخطى 21 تريليون دولار، من بينها 4.1 تريليون تديرها "ستيت ستريت" بنهاية 2021، بنمو مقداره قرابة نصف تريليون دولار مقارنة بما كانت عليه بنهاية 2020.
وتختلف "ستيت ستريت" عن عملاقي إدارة الأصول الآخرين في أنها تعمل جزئيًا بوصفها بنكًا، من خلال إقراضها بعض الأموال تحت إدارتها لعملاء لاستثمارها، كما تعتبر هي البنك الأقدم في الولايات المتحدة في مجال تسجيل الأوراق المالية، وثاني أقدم بنك عامل في الولايات المتحدة على الإطلاق.
كما أن "ستيت ستريت" أقدم كثيرًا من منافسيها الكبار، وشهدت رحتلها حتى الوصول لهذا الحجم عشرات عمليات الاندماج والانتقال، حتى إن البعض يرى أن شعارها على هيئة مركب أصبح يمثل رمزًا حقيقيًا لرحلة الشركة في الإبحار في الأسواق والتوسع في الفروع التابعة لدرجة تتفوق بها على الكثير من شركات الأصول.
فالشركة تمتلك فروعًا في أكثر من 100 مدينة حول العالم، وهي تختلف في ذلك عن الكثير من شركات إدرة الأصول الأمريكية التي تحصر نشاطها بصورة كبيرة في موطنها دون الاهتمام بصورة كبيرة بالخارج.
تراجع الاتهامات يدعم التقدم
والشاهد أن الشركة التي أصبحت تدير تريليون دولار بحلول عام 2003، انتظرت 15 عامًا لتصل إلى 2.5 تريليون دولار تحت إداراتها، أي لتضيف 1.5 تريليون دولار، ولكنها أصبحت تدير 4.1 تريليون دولار بعدها بثلاث سنوات فحسب بما يؤشر للزيادة الكبيرة في حجم التدفقات الرأسمالية التي تحظى بها الشركة.
ويمكن القول إن التقدم الكبير في حجم استقدامات رؤوس الأموال يرجع لتراجع الاتهامات التي أثرت على سمعة الشركة منذ بداية الألفية الجديدة، بما فيها اتهامات بعدم الإفصاح وأخرى بالتلاعب في تجارة العملة، حتى وصل الأمر إلى توجيه وزارة العدل الأمريكية اتهامات لاثنين من موظفيها عام 2016 (كانا قد استقالا قبلها بأعوام).
وكان آخر اتهامات التلاعب في عام 2017، وظهرت اتهامات أخرى للشركة بعدم مناصرة قضايا التغير المناخي في عام 2020، غير أن تراجع اتهامات التلاعب قبل 5 أعوام كان له أثر كبير على زيادة جذب الاستثمارات في ظل رغبة المستثمرين الدائمة في تجنب توجيه رؤوس أموالهم لجهات قد تعاني بسبب أو لآخر.
الرئيس التنفيذي وثقة الأسواق
وتولى الرئيس التنفيذي الحالي، "رونالد هانلي"، للشركة مهامه منذ عام 2019 وذلك بعد 5 أعوام من توليه منصف مدير العمليات في الشركة (2014-2019)، وقبلها كان من بين كبار محللي "فيديلتي" للاستثمارات بين عامي 2010-2014، وتركزت باقي خبراته على إدارة بنوك متوسطة في نيويورك الأمريكية وعلى العمل مستشارًا في "ماكينزي" للاستشارات المالية.
وعلى الرغم من أن "هانلي" لم يكن محل ثقة في بعض الأوساط في "وول ستريت" بسبب عدم انتمائه لمؤسسات كبيرة قبل "ستيت ستريت" لفترات طويلة، فإن نجاحه في تنمية الاستثمارات التي تديرها الشركة بشكل مستمر بدد الكثير من المخاوف المتمحورة حوله، حتى مع معاناة أسهم الشركة حاليًا في سوق الأسهم (تراجعت بنسبة 32% بين أول يناير هذا العام وأول أكتوبر الجاري).
ولكن تبقى الشركة على مسار تحقيق نتائج إيجابية، ويرجع التراجع بصورة كبيرة إلى القسم البنكي في الشركة، فضلًا غن المخاوف المتعلقة بقطاع إدارة الأصول مع تصاعد التحذيرات من الركود، بالإضافة إلى تراجع سوق الأسهم الأمريكية إجمالًا بنسبة 23% تقريبا في أول 9 اشهر من العام وهو ما يؤثر على الأسهم ككل.
ويقترب عدد موظفي "ستيت ستريت" من 40 ألفاً، وهي بذلك واحدة من أكبر الشركات العاملة في مجال إدارة الأصول استعانة بالعنصر البشري، حيث تتفوق في هذا على أكبر شركة إدارة أصول في العالم، "بلاك روك"، والتي لا يزيد عدد موظفيها على 18.5 ألف شخص رغم أن الأصول التي تديرها تزيد عن ضعف تلك التي تتعامل معها "ستيت ستريت".
وتؤمن الشركة، ربما لتاريخها العريق، بضرورة الاعتماد على العامل البشري في الاستثمارات، فتعتمد على محلليها بصورة أكبر من الخورازميات.
ويقول "هانلي" إن الخوارزميات وإن تمكنت من إدخال بعض المخاوف في حساباتها من خلال تحليل شيوع بعض الكلمات المفتاحية على الإنترنت مثلًا، إلا أنها لا تتمكن من معرفة "المزاج العام" بدقة وبشكل آني، وهو ما يمكن للمحللين معرفته بتواصلهم البشري المباشر، وإن أقر بأهمية التكنولوجيا في التحليل، ولكن بإدماجها مع العنصر البشري.
المصادر: أرقام- ستيت ستريت- ماركت سكرينر- ياهو فينانس
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}