بعد طول انتظار أقر الاتحاد الأوروبي أمس الثلاثاء حظرا تدريجيا للنفط الروسي حتى نهاية العام الحالي 2022، مع الاكتفاء بـ10% فقط من تدفقاته إلى الأسواق الأوروبية بما يضيف ضغوطًا جديدة على سوق النفط.
واتخذ الاتحاد الأوروبي قرار الحظر على الرغم من إعلانه -بالأمس أيضا- وصول التضخم إلى مستوى قياسي 8.1% على أساس سنوي مقارنة بمايو، والتضخم هنا مدفوع بالأساس بزيادة أسعار الطاقة بنسبة 39.2% على أساس سنوي وزيادة أسعار الأغذية بنسبة 7.5%.
أزمة عالمية
وحال تمكن الاتحاد الأوروبي من تحقيق هدفه بفرض حظر على 90% من واردات النفط الروسية للدول الأعضاء، بحلول نهاية العام، ستتراجع صادرات روسيا بنحو 3 ملايين برميل يوميا على مدى ستة أشهر، بما سيؤدي إلى أزمة كبيرة في سوق النفط العالمي.
والشاهد أن الاتحاد الأوروبي أبقى الغاز خارج مناقاشاته تمامًا على الرغم من مطالبة أوكرانيا ودول البلطيق بحظر الغاز أسوة بالنفط، وقال المستشار النمساوي "كارل نيهامر" إن فرض حظر كامل على واردات الغاز الروسي أمر "غير مطروح" للنقاش".
كما أن الإعلان الأوروبي أبقى على استثناء 10% من النفط الروسي وذلك فيما يبدو استجابة للمجر وبعض الدول الأخرى التي لا ترى معوضًا مناسبًا لها للنفط الروسي حاليًا، وجاء هذا الاستثناء ليتمكن الاتحاد من إقرار الحظر بإجماع أعضائه الـ24.
ويمثل النفط الروسي قرابة 40% من واردات الاتحاد الأوروبي من الذهب الأسود، بما يؤشر لسعي الاتحاد الأوروبي لتعويض الفاقد من النفط (وهو كبير جدا) من مصادر أخرى، سواء بالتوسع في إنتاج الفحم أو بشراء النفط من مصادر أخرى، بما سيزيد الطلب على النفط عالميًا.
تساؤلات عن "آلية التعويضة"
ولكن الأهم من ذلك فإن الاتحاد الأوروبي لم يوضح كيفية تعويض النفط الروسي، وجُل ما جاء في البيان الحديث عن "مصادر بديلة للطاقة"، وسط عودة ألمانيا لاستخدام الفحم مثلا (بعض محطات الطاقة المغلقة منذ 3 عقود وتعمل بالفحم عادت للعمل وكذلك بعض المناجم) فضلا عن الحديث عن التفاوض مع "شركاء آخرين" للحصول على الطاقة.
ومع الإبقاء المتوقع لسقف الإنتاج الحالي من جانب "أوبك +" والذي تشير التوقعات إلى زيادة محدودة في الإنتاج تبلغ 432 ألف برميل يوميًأ فحسب فإن الفاقد الأوروبي من النفط الروسي سيصعب تعويضه بـ"نفط آخر" بدون الالتزام بتعاقدات مستقبلية بأسعار عالية.
ولذلك فبمجرد إقرار الاتحاد الأوروبي لقراره بالتخلص التدريجي من النفط الروسي ارتفعت أسعار خام "برنت" دولارين لتتخطى حاجز 124 دولارًا كما أن المحللين يرون أن هذا الاتجاه سيستمر على الأقل حتى يصل السعر إلى 140 دولارا مع ترقب الأسواق لكيفية تنفيذ الاتحاد الأوروبي لخطته بحظر النفط الروسي وأثناء عملية التنفيذ.
واللافت للنظر أن بعض التحليلات الأوروبية تتحدث عن استبدال النفط الروسي بنظيره الأمريكي، على الرغم من أن الولايات المتحدة رفعت صادراتها 10 آلاف برميل فقط في شهر فبراير الماضي لتظل فوق مستوى 3 ملايين برميل بهامش قليل.
ومع توقعات زيادة استهلاك النفط في الولايات المتحدة فإنه يمكن توقع تراجع الصادرات الأمريكية من النفط في المرحلة المقبلة بل وزيادة وارداتها من كندا تحديدا.
تغيرات هيكيلة
ويرجح المحللون حدوث تغيرات "هيكلية" في تجارة النفط العالمية إذا طبق الاتحاد الأوروبي قراره بالفعل، حيث ستتجه صادرات النفط الروسية إلى وجهات أخرى، خاصة الهند والصين وشرق أسيا، بينما ستحاول أوروبا الحصول على وارداتها من العراق (مثلما أعلنت فرنسا رغم تأكيد بغداد الالتزام بسقف "أوبك" أو فنزويلا حال رفع العقوبات الأمريكية عنها).
ولكن يعوق توسيع استيراد الهند والصين للخام الروسي عوامل كثيرة مثل قيود البنية التحتية وتكاليف الشحن والتمويل وقنوات الدفع، ولكن هذه العوامل يمكن التغلب عليها جزئيا من خلال التعهد الروسي بتقديم "النفط رخيصًا" للدول الصديقة، بما قد يجعل ارتفاع أسعار الشحن مقبولا بالنسبة لدولة مثل الهند أو الصين (اللتين حصلتا بالفعل على النفط الروسي بأسعار تفضيلية خلال الفترة الماضية).
وعلى الرغم مما كشفته شركة "ريستاد إنرجي" النرويجية للأبحاث عن ارتفاع الاستثمار العالمي في النفط والغاز بنسبة 20% إلى 344.4 مليار دولار هذا العام، بدعم من زيادة الأسعار وتدفق الأموال الضخمة إلى مشروعات في البرازيل وغيانا وغرب إفريقيا وأستراليا، إلا أن آثار هذا الاستثمار لن تظهر على الفور لأنه استثمار طويل المدى ولأن صعوبات زيادة الإنتاج في المدى المنظور تبقى قائمة.
ولذلك لا يتوقع المحللون بعد قرار الاتحاد الأوروبي أي انفراجة قريبة في سوق النفط تهبط بالأسعار خاصة مع الزيادة الصينية المتوقعة للطلب على النفط بعد إنهاء عمليات الإغلاق بل وتثبيت أسعار الفائدة وسن خطط لتحقيق رواج للاقتصاد (تبدو تحسبًا للركود الأمريكي) وكل هذا من شأنه زيادة الطلب على النفط في ثاني أكثر الدول العالم استهلاكا للنفط (حوالي 14 مليون برميل يوميا).
وليس المجال هنا لمناقشة "جدارة" أو أسباب اتخاذ القرار الأوروبي، ولكن المؤكد أنه سيزيد الضغوط التضخمية في الاتحاد الأوروبي وعالميًا أيضا، وستستمر هذه الضغوط التضخمية لفترة غير معلومة لكنها ليست بالقصيرة ولن تقل عن عامين على أقل تقدير تعيد الأسواق فيها التشكل بناء على معطيات جديدة.
المصادر: أرقام- أويل برايس- وكالة الأنباء الفرنسية- بلومبرج- "سي.إن.بي.سي"
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}