نبض أرقام
10:13 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

"اقتصاد الثقة" .. عندما يقود "غير الملموس" الأسواق والشركات وأماكن العمل

2022/04/29 أرقام - خاص

"أي معاملة تجارية يجب أن تتضمن عنصر الثقة، ولا شك أن أي معاملة تتم على فترة من الزمن تزداد أهمية الثقة فيها لتصبح حجر أساس في المعاملة" هذا ما قاله "كينيث أرو" الاقتصادي الفائز بجائزة "نوبل" في الاقتصاد عام 1972.

 

وبعد نصف قرن على أطروحته بدا جليًا ازدياد أهمية "الثقة" في الاقتصاد وتزايد دوره بشكل تدريجي خاصة مع التزايد المضطرد في أشكال التعاملات الدولية والإلكترونية والآجلة، ونمو البورصات للسلع والعملات والأسهم.

 

 

الثقة بالآخرين

 

ولذلك تم "صك" مصطلح "اقتصاد الثقة" ويقصد به قياس مدى تأثير الثقة كعنصر معنوي غير مرئي في الاقتصاد بحيث يقوده صعودًا أو هبوطًا وهو أمر يلمسه المتعاملون في حركة السوق كثيرًا وفقًا لمخاوف أو آمال مرتبطة بالأساس بغياب الثقة في مستقبل أفضل (على المدى القصير أو الطويل) أو وجودها.

 

ونُظم مثل التحويلات البنكية والبورصات والنقود الإلكترونية والاشتراكات عبر الإنترنت وغيرها من النظم الحديثة لم تكن لتتواجد لولا توافر قدر من الثقة، بما يجعل قسمًا كبيرًا للغاية من الاقتصاد الحديث قائمًا ومبنيًا على وجودها.

 

ويمتد تأثير الثقة اقتصاديًا ليشمل "الثقة بالآخرين"، والثقة بالمديرين، والثقة بالتقنية، والثقة بالإجراءات والقواعد الاقتصادية والثقة في أجواء الاستثمار والاستهلاك ولكل تلك العناصر السابقة آثار دامغة على الاقتصاد.

 

وفيما يتعلق بـ"ميل الأشخاص للثقة في الآخرين" مثلا، يُظهر تحليل اقتصادي لـ"ديلويت" أن زيادة 10 نقاط مئوية في نسبة الأشخاص الذين يثقون بـ"الآخرين" داخل بلد ما يجب أن ترفع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد بنحو 0.5 نقطة مئوية سنويًا.

 

وهذا مكسب كبير بالنظر إلى أن متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي للفرد سنويًا بلغ حوالي 2.2% بين عامي 2015 و2019.

 

ومن شأن وصول نسبة من "يثقون في أغلب الناس" إلى 50% زيادة الناتج الإجمالي الحقيقي في إندونيسيا بنسبة 2.3% وزيادة النسبة نفسها بـ2.1% في المكسيك 1.9% في نيجيريا و1.2% في كل من إيطاليا وفرنسا.

 

بل أن بلدًا مثل البرازيل قد تزيد ناتجها القومي بـ40 مليار دولار كاملة إذا كان مستوى ثقة الناس في بعضهم البعض في نفس المستويات العالمية لهذا المؤشر.

 

الثقة والتسويق

 

والشاهد هنا أن حالة الثقة أو عدم الثقة ترتبط بالدرجة الأولى بوجود قواعد واضحة و"مُفعّلة" لتنظيم الاقتصاد فعدم وجود تلك القواعد أو وجودها وتفعيلها بشكل جزئي يضعف الثقة، ولذلك ففي مجتمع شهير بحرصه على إرساء مثل تلك القواعد كاليابان فإن زيادة الثقة إلى مستوياتها القصوى لن تزيد الناتج المحلي إلا بنسبة 0.1% فحسب لأن تلك القواعد قائمة ومؤثرة وداعمة للاقتصاد بالفعل هناك.

 

 

وبشكل عام أصبح العالم مكانًا "أقل تمتعًا بالثقة" في ظل انخفاض هؤلاء الذين يعتبرون بأن "غالبية الناس يمكن الوثوق بهم" بنسبة 20% خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة، بما يزيد بشدة من أهمية الثقة كعنصر غير ملموس مؤثر في النشاط الاقتصادي بشكل عام.

 

ولذلك يشير "فيليب كوتلر"، والذي يعد رائد التسويق في العالم، إلى أهمية الثقة المتصاعدة في التسويق في عالم اليوم، لأنه لولا نظام التقييمات الذي تعمل به غالبية تطبيقات التجارة الإلكترونية فإن ازدهارها على هذا النحو لم يكن ممكنًا لأن التقييمات تسمح للبائعين ببناء الثقة واستغلالها في زيادة المبيعات لاحقًا.

 

فعلى سبيل المثال فإن تقييم المنتج بـ4.5 من 5 يزيد مبيعاته بنسبة 30% عما لو كان التقييم بـ4 من 5 من قبل المستهلكين، وذلك مع تثبيت العوامل الأخرى مثل توقيت العرض والسعر والمنتج وعدد المستهلكين الذي أجروا التقييم.

 

سلسلة الثقة

 

لذلك فإن نظام التقييم يعد العصا السحرية التي تسمح للمستهلك بما يعده "كوتلر" الأداة الأهم في التسويق رغم النمو التكنولوجي الكبير، وهي التواصل الشخصي والخبرات السابقة لأنها تعطي للمشتري تجربة عملية لمن اشتروا المنتج من قبله وبالتالي تعزز ثقته في المنتج أو تنزعها منه.

 

ويقول "كوتلر" إن بناء الثقة أهم كثيرًا من تحقيق مبيعات قصيرة المدى، خاصة في عصرنا الحالي حيث ردود الفعل آنية وقادرة على الانتشار الواسع والسريع، مضيفًا "التركيز على الاستراتيجية أهم كثيرًا من الأهداف المرحلية، ولا استراتيجية دون ثقة".

 

ولذلك تظهر أهمية من يعرفون في التسويق بـ"الرواد" أو "المبتكرين" في تخطي حاجز الثقة في مجال التسويق، حيث تسعى الشركات التكنولوجية مثلا لتسويق منتجاتها لمتخصصي التكنولوجيا أولاً بين هؤلاء الذين يتمتعون بمعرفة كبيرة فيها.

 

 

فثقة هؤلاء في منتج للشركة تدفعهم لنشر هذه الثقة في دوائرهم الاجتماعية، ولأنهم معرفون بالخبرة في المجالات التكنولوجية بين معارفهم فبالتالي تحظى توصياتهم في الشراء بثقة كبيرة، وهو ما يصنع ما يطلق عليه "سلسلة الثقة" التي تفيد الشركات كثيرًا.

 

الثقة في العمل

 

وفي العمل يكون الافتقار إلى الثقة من أكثر الأمور المُكلفة في ظل اضطرار صاحب العمل، أو الشركة، إلى إنفاق أموال في أنظمة لمراقبة العمال، وكلما زادت فجوة الثقة زادت الحاجة لتلك الأنظمة التي قد تتسع لتشمل كاميرات وأجهزة تحديد مكان وأجهزة صوت وغيرها.

 

لذلك فإن الثقة بين صاحب العمل وبين الموظفين تعزز استثمار رأس المال البشري حيث تؤثر الثقة على سلوك كل من أصحاب العمل والموظفين على حد سواء، فبدلا من الإنفاق على مراقبة 100% من القوة العاملة يكفي العمل على التعامل مع 5% فقط "مُسببة للمشكلات".

 

وعلى سبيل المثال، يكون أصحاب العمل أكثر استعدادًا للاستثمار في عمالهم من خلال التدريب التأهيل والدورات التدريبية إذا كان بإمكانهم الوثوق في أن هؤلاء العمال لن يتحولوا إلى شركة أخرى.

 

وكشفت دراسة أمريكية أن حوالي 40% من العاملين في الولايات المتحدة لا يثقون في صاحب العمل، وأن هذه النسبة تتوزع بشكل متناسب بين الشركات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة بما يجعل تأثير وجود كيانات كبيرة منظمة هامشيًا في هذا الأمر على الرغم من أهميته النظرية المنطقية.

 

ويرجع هذا لأن عنصر الثقة هنا ينبني على التعاملات الشخصية المباشرة أكثر من قيامه على القواعد التي ترسيها الشركات للتعامل بين موظفيها والمرؤوسين والرؤساء، والتعامل مع الثقة على أنه أمر يمكن الحصول عليه من خلال التعليمات أو القواعد المكتوبة أمر غير صحيح.

 

وللثقة تأثيرها المفيد للغاية لأصحاب العمل هنا ومن بينها أن نسبة العاملين الذين يثقون في مدرائهم ويبحثون عن فرص عمل جديدة تقل 50% عن نسبة بحث العاملين الذين لا يثقون في مدرائهم عن فرص عمل جديدة، بمعنى أن ثقة الموظف في أصحاب العمل تجعله أقرب ما يطلق عليه تسويقيًا بالـ"الموظف الراضي" وهو نفس مبدأ "العميل الراضي" الذي يعتبر اكتسابه هدف المُسوقين الأسمى في أي شركة.

 

 

كما أنه من المرجح أن يستثمر العمال في بناء مهاراتهم الخاصة إذا كانوا على ثقة من أن صاحب العمل سوف يكافئهم على جهودهم، مما يشير إلى أن الثقة يمكن أن ترفع مستوى المعرفة المؤسسية التي يمكن أن تؤدي إلى عمل أكثر إنتاجية.

 

كما أن الثقة بين الموظفين وبعضهم البعض أمر بالغ الأهمية أيضًا لبناء رأس المال البشري، حيث إن الموظفين الذين يثقون ببعضهم البعض هم أكثر تعاونًا وأكثر ميلا لمشاركة الأفكار والمعلومات، مما يمكّن المؤسسات من تعزيز قدر أكبر من الابتكار ودفع الإنتاجية في نهاية المطاف فضلا عن تعزيز منطق فرق العمل.

 

لذا ففي الاستثمار أو الإنتاج أو في التسويق أو في أماكن العمل يبدو أن الثقة تحتل مكانة مركزية في اقتصاد اليوم، ويبدو أن قيمتها تتعاظم في ظل تزايد ونمو الاقتصاد الموازي الذي لا يعتمد على أصول ملموسة قدر اعتماده على "الثقة" في استمرار إقبال الناس على منتجاته.

 

 

المصادر: أرقام - المنتدى الاقتصاد العالمي - ذا أتلاتنتيك - ديلويت - فوربس

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.