يستمر عملاق التجارة الإلكترونية الصيني "علي بابا" في كسر القواعد والذهاب بآفاق التطور التكنولوجي إلى أبعد حد ممكن، فبعد أن خرجت "آنت فينانشيال" من عباءة المجموعة الصينية لتصبح واحدة من أهم وأبرز شركات التكنولوجيا المالية في العالم خلال السنوات الأخيرة، تقدم "علي بابا" للعالم اليوم شركة جديدة من المتوقع أن تغير شكل صناعة الملابس للأبد.
في سبتمبر الماضي كشفت "علي بابا" عن منشأة تدعى "شونكسي" (Xunxi) مكونة من ثلاث طوابق وتقع على أطراف مدينة هانغتشو، هذه المنشأة التي ظلت كل أخبارها طي السرية والكتمان لمدة ثلاث سنوات هي أول مصنع ذكي للملابس في الصين والعالم يقوم بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات بمساعدة الأذرع الروبوتية.
أسبوعان بدلاً من 90 يوماً
مدعوماً ببنية تحتية ضخمة من الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء توفرها له "علي بابا" يقدم المصنع الجديد للشركات الصغيرة والمتوسطة في الصين سلسلة توريد رقمية كاملة تتيح لهم إمكانية طلب أي كمية من الملابس حسب الطلب في وقت قياسي، وهو ما يعد بمثابة ثورة في صناعة الملابس الصينية التي تقترب قيمتها من 2.2 تريليون يوان (328 مليار دولار) وفقًا لتقديرات "يورو مونيتور الدولية".
"البيانات هي جوهر التصنيع الجديد وتحليل هذه البيانات والاستفادة منها يعتبر أمراً ضرورياً لاغتنام الفرص الجديدة في التحول الذي يشهده السوق من السلع المنتجة بكميات كبيرة إلى السلع المخصصة أو المصنوعة حسب الطلب"، هكذا صرح الرئيس التنفيذي لشركة "شونكسي ديجيتال" التابعة لـ"علي بابا" والمالكة للمصنع الجديد.
تؤدي البيانات والتكنولوجيا المستخدمة من قبل مصنع "شونكسي" إلى تخفيضات هائلة في المدد الزمنية اللازمة لتصنيع الملابس؛ حيث إن المتعارف عليه في الصناعة أن الأمر عادة ما يستغرق 90 يومًا من لحظة طلب البضاعة إلى وقت تسليمها للتجار في المتاجر، الآن وبفضل المصنع الجديد، انخفضت تلك المدة الزمنية إلى أسبوعين فقط.
في الوقت نفسه يستعين المصنع ببحر البيانات التي توفره له "علي بابا" والتي تبيع عبر منصتها الإلكترونية واحدة من كل 4 قطع ملابس تباع في الصين، وهو ما يوفر لها كميئة هائلة من البيانات تساعدها على فهم تفضيلات المستهلكين واتجاهاتهم المستقبلية.
يضع "شونكسي" هذه البيانات بين أيدي الشركات الصغيرة والمتوسطة مما يساعدهم على فهم اتجاهات السوق مبكرًا، ويساهم في خفض تكاليف البحث والتطوير وتحسين الربحية وتقليل الفوائض في المخزونات، في العادة، تؤدي فوائض المخزونات غير المباعة إلى خسارة صناعة الملابس في الصين ما يقرب من 30% من إيراداتها.
تصميم الملابس بمساعدة الذكاء الاصطناعي
بفضل مجموعة من التقنيات الحديثة واللوجستيات الآلية وأنظمة التشغيل الروبوتية اصبح "شونكسي" قادرًا على إنتاج طلبيات صغيرة من الملابس حسب الطلب بتكاليف معقولة وفي مدى زمني قصير، وهو ما يساعد الشركات الصغيرة أن تتجنب لأول مرة أبرز العقبات التي كانت تواجه صناع الملابس وبالأخص دورات الإنتاج الطويلة ومستويات المخزون العالية.
يعمل بالمصنع عدد غير كبير من العمال، والذين يؤدون عملهم بمساعدة وسائل تكنولوجية حديثة، مثل آلات قص القماش التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وماكينات الخياطة المتصلة بالإنترنت، وهو ما يساهم في ضبط وتحسين جودة العمل، وبمجرد إتمام أي مرحلة من مراحل التصنيع يتم نقل قطعة الملابس آلياً إلى محطة العمل التالية عبر حزام ناقل.
إلى جانب توقعه لمستوى المبيعات واتجاهات السوق، يوفر "شونكسي" لشركات الملابس منصة إلكترونية متكاملة يمكنهم عبرها تصميم الملابس على شاشة الكمبيوتر على عدد غير محدود من "الأقمشة الرقمية" بمساعدة الذكاء الاصطناعي، دون الحاجة إلى تصميمها بشكل يدوي أو صباغة الأقمشة، وهي العملية التي عادة ما تستغرق وقتًا طويلاً.
أظهرت بيانات صادرة عن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية أن القيمة المضافة للصناعات التحويلية في البلاد خلال عام 2019 وصلت إلى 26.9 تريليون يوان (4.11 تريليون دولار) وهو ما يمثل 28.1% من الإجمالي العالمي، مما ساعد الصين على البقاء في صدارة أكبر الدول المصنعة في العالم لمدة 10 سنوات متتالية.
لكن بعد 40 عاماً من التطوير يواجه هذا النموذج بشكل تدريجي تحديات من الداخل والخارج، فعاماً بعد عام تتراجع أعداد العمالة المحلية الراغبة في العمل بالقطاع الصناعي الصيني، وهو الاتجاه الذي عززه وباء كورونا، حيث أصبح عددًا متزايدًا من الشباب غير راضٍ عن العمل في قطاعات التصنيع التقليدية.
وفي الوقت نفسه، أدى ارتفاع تكاليف العمالة الصينية في السنوات الأخيرة إلى هجرة المزيد من الشركات العاملة في الصناعات التحويلية من الصين إلى دول جنوب شرق آسيا التي أصبحت تتوافر فيها عمالة مدربة وبتكاليف أرخص من تكاليف نظيرتها الصينية.
من ناحية أخرى، بدأ عدد من البلدان المتقدمة مثل ألمانيا والولايات المتحدة في التفكير والتخطيط بجدية لمستقبل التصنيع الآلي في بلدانها المحلية، مما قد يحرم الصين من صفقات ضخمة توفر بموجبها حاليًا مجموعة متنوعة من المنتجات لهذه البلدان.
وعلى هذا الأساس تشجع الصين مصنع "شونكسي" والأفكار الشبيهة له في مجال التصنيع الآلي، وذلك في إطار رغبتها لتسريع وتيرة الأنظمة الصناعية الحديثة لديها وتحديث سلسلتها الصناعية من حيث الجودة والكفاءة والقدرة التنافسية حتى لا تخسر قريبًا لقب "مصنع العالم".
المصادر: بلومبرج – جلوبال تايمز – بيزنسوير – رويترز
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}