فضيلة الصبر وتغلبها على الذكاء .. لماذا قد يخسر الاستثمار الصحيح أحياناً؟

2020/10/03 أرقام - خاص

يجلس متململاً على كرسيه، يتصبب عرقاً وهو يراقب بعينين متسعتين حركة الأسعار على شاشة الحاسب الآلي، قبل أن يتنفس الصعداء مع انتهاء جلسة التداولات واطمئنانه على أداء أسهمه.

 

يعتبر هذا المشهد طقساً يومياً بالنسبة لكثير من المستثمرين الذين يتخذون من التداول في سوق الأسهم عملاً يومياً يتضمن الشراء والبيع والمراقبة اللحظية.

 

لكن الواقع أن هذه الاستراتيجية لا تسبب متاعب نفسية وعصبية جمة للمستثمرين فحسب، وإنما تهدد بخسائر مالية أيضاً لأنها تفتقد للعامل الأكثر أهمية في عملية التداول برمتها وهو: الصبر

 

 

متداول بدوام كامل

 

رغم منطقية الأمر، إلا أن الكثير من المستثمرين لا يدركون أنهم غير مطالبين بالتداول بشكل مستمر مع حركة السوق المتواصلة.

 

يعتقد البعض أن القيام بعمليات تداول كثيرة بيعاً وشراءً سيحقق أرباحاً مرتفعة، متخوفين من أن فكرة الانعزال عما يحدث في السوق ربما تفقدهم مكاسب ممكنة أو تسبب لهم خسائر محتملة.

 

لكن إذا كان السوق يتحرك بشكل دائم فإن المستثمر الذكي غير مطالب بنفس الأمر، لأن بإمكانه الاكتفاء بموضع المتفرج المنتبه والمنتظر للصيد الثمين.

 

عندما تلقى "توم بالدوين" المستثمر الشهير في سندات الخزانة سؤالاً حول ما يعتقد أنه الخطأ الأكثر تكراراً من قبل المستثمرين، قال: "إنهم يتاجرون كثيراً، لا يختارون عمليات انتقائية بشكل كافٍ، عندما يرون أن السوق يتحرك فإنهم يريدون أن يكونوا ضمن المشاركين".

 

ويضيف: "أنهم يفتقدون للصبر، الصبر صفة مهمة لا يمتلكها الكثير من الناس".

 

وفي كتابه الشهير "ذكريات متداول في السوق" والذي صدر قبل نحو 97 عاماً كاملة، يقول "إدوين لوفيفر": "هناك الأحمق التقليدي الذي يفعل الخطأ في كل مرة، لكن هناك أحمق وول ستريت الذي يعتقد أنه يجب عليه التداول طوال الوقت".

 

البعض يتعامل مع الاستثمار وكأنه عمل بأجر منتظم، وبالتالي يشعرون بضرورة القيام بشيء ما دائماً من أجل الحصول على بعض المال في نهاية اليوم.

 

 

لكن الواقع أن هذا الشعور الخاطئ بضرورة الشراء أو البيع دائماً مسؤول عن جزء كبير من الخسائر التي يتعرض لها المستثمر.

 

فارتفاع سعر سهم ما لعدة أيام لا يعني أنه من الصحيح الاتجاه لشراء هذا السهم على اعتقاد أن الصعود سوف يستمر، لكن دراسة أسباب الارتفاع وأساسيات الشركة ووضعها المالي والتشغيلي يظل الأمر الفيصل في قرار الاستثمار من عدمه.

 

كما أن هبوط سعر السهم الذي يمتلكه المستثمر لا يعني بالضرورة الاتجاه لبيعه خاصة إذا كانت الأساسيات التي دفعت قرار الشراء منذ البداية كما هي ولم تتغير.

 

والرسالة واضحة: الاستثمار لعبة لا تمارس بشكل لحظي، أنت بحاجة للصبر وانتظار الفرص الحقيقية ومقاومة إغراء التداول طوال الوقت.

 

بساطة الشراء والاحتفاظ

 

يعتبر "وارن بافيت" أحد أهم مستثمري استراتيجية الأجل الطويل، حيث يختار السهم بعناية شديدة بغرض الاحتفاظ به لعدة سنوات.

 

ونجح "حكيم أوماها" في تكوين محفظة استثمارية ضخمة عبر شركته "بيركشاير هاثاواي" من خلال سياسة عدم مراقبة السوق بشكل مستمر وإنما الاستثمار لفترة طويلة في الشركات القوية التي تتمتع بملاءة مالية وآفاق جيدة.

 

 

لكن الواقع أن "بافيت" تعلم هذا الدرس مبكراً جداً مع بدايات استثماره في سوق الأسهم.

 

فعندما كان "بافيت" يبلغ من العمر 11 عاماً قام بأول عملية شراء أسهم؛ حيث اشترى ثلاثة أسهم في شركة "سيتيز سيرفس" للنفط بسعر 38 دولاراً للسهم، قبل أن يبيع السهم لاحقاً مقابل 40 دولاراً محققاً ربح دولارين في السهم الواحد.  

 

لكنه تعلم درس الصبر بوضوح لاحقاً عندما رأى السهم يرتفع بعد ذلك إلى نحو 200 دولار.

 

الكثير من المستثمرين عندما يرتفع السهم الذي بحوزتهم بنسبة 20% مثلاً يتجهون للبيع سريعاً طمعاً في تحويل الأرباح الورقية إلى فعلية، لكن ماذا عن صحة الاستثمار نفسه؟.

 

إذا كان السهم جيداً بشكل كافٍ ويمتلك مزيداً من المساحة للصعود الإضافي، فإن المستثمر الذي يتجه للبيع والقبول بالربح المحقق يضيع على نفسه فرصة تحقيق الكثير من المكاسب اللاحقة.

 

الأمر ببساطة يتلخص في البحث بهدوء عن استثمار مناسب يحمل آفاقاً مستقبلية جيدة، لكن الأهم هو الاحتفاظ به لفترة تضمن وصوله إلى مرحلة النضج وتحقيق الحد الأقصى المحتمل من الربح.

 

اجلس.. راقب.. تحرك

 

يقول المستثمر والملياردير الأمريكي "جيم روجرز" إن إحدى أهم القواعد التي يمكن لأي شخص أن يتعلمها عن الاستثمار تتمثل في "الثبات وعدم القيام بأي شيء إلا إذا كان هناك شيء للقيام به".

 

 

والواقع أن قرار الانتظار والوقوف ساكناً يبرز في مرحلة ما قبل الشراء، كما يظهر في الاحتفاظ بالسهم وعدم التسرع في بيعه إذا كانت الأساسيات قوية.

 

فإذا حدد المتداول السعر الجيد للدخول في سهم ما عند 20 ريالاً، فإنه يصبح مطالباً بانتظار وصول السعر عند هذا المستوى من أجل منح أمر الشراء، وألا يشعر بأنه مضطر للدخول في هذا الاستثمار لمجرد أن السعر يتداول منذ فترة بأعلى من ذلك.

 

كما أن ارتفاع السهم لنقطة تقل عن السعر المحدد سلفاً للبيع لا يجب أن يكون سبباً كافياً لتسييل المركز الاستثماري والخروج راضياً بما تحقق.

 

ففي السيناريو الأول سيخسر المستثمر ربحاً محتملاً يتمثل في الفارق الذي وافق على دفعه مقابل شراء السهم بأكثر مما كان يراه مناسباً، بينما في الجزء الثاني يفقد المتداول عائداً كان يمكن تحقيقه إذا استمر في الاحتفاظ بالاستثمار طالما لم يصل إلى النقطة التي يراها صحيحة للبيع.

 

الوقوف على الهامش وعدم القيام بأي فعل أمر أكثر صعوبة مما يبدو، لأنه يتطلب مقاومة الميل البشري الطبيعي إلى الحركة المستمرة.

 

ويعود هنا "وارن بافيت" للظهور مجدداً، فرغم أن "بيركشاير هاثاواي" تمتلك سيولة نقدية تتجاوز 146 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من هذا العام، فإن الرجل ينفق منها القليل كل فترة مع ظهور فرص استثمارية جيدة.

 

 

هذه السياسة وفرت لـ"بافيت" سابقاً القدرة على انتهاز الفرص السانحة مثلما حدث في الأزمة المالية العالمية عندما تراجعت أسهم الكثير من الشركات مثل "بنك أوف أمريكا" و"جولدمان ساكس" لأقل من قيمتها الحقيقية.

 

وكما يقول" إدوين لوفيفر": "لم يكن تفكيري الذي حقق لي المكاسب الكبيرة، وإنما الثبات بلا حركة، لقد التقيت الكثير من المستثمرين الذين يتوقعون اتجاه السوق مبكراً، هذا أمر معتاد، لكن غير المعتاد حقاً هو أن يمتلك الشخص الأمرين معاً: أن يمتلك رؤية صحيحة وقدرة على الثبات وعدم القيام بقرارات سريعة".

 

قدرة المستثمر على توقع حركة السوق أو السهم تمثل جزئية "الذكاء والدراسة الجيدة"، لكن يظل العامل الأهم هو امتلاك الانضباط الكافي للدخول في الوقت المناسب والاحتفاظ بهذا الاستثمار طالما أنه لا يزال قادراً على تحقيق أرباح أخرى.

 

وبينما يتعرض الهواة في سوق الأسهم للإفلاس من خلال الخسائر الكبيرة، فإن حتى بعض المحترفين يفلسون بسبب القبول بالمكاسب البسيطة.

 

فإذا لم تكن قادراً على تحقيق أرباح كبيرة من استثماراتك الصحيحة، فإنك لن تتمكن من تحمل خسائر الاستثمارات الخاطئة لاحقاً.

 

المصادر: أرقام – سي إن بي سي – ذا ويك

كتاب: The Little Book of Market Wizards

كتاب: REMINISCENCES OF A STOCK OPERATOR

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.