أنت الآن في سوق للسيارات المستعملة تبحث عن سيارة جيدة بسعر مُرضي، تقابل العديد من البائعين الذين يعرضون عليك شراء مختلف الأنواع وبأسعار مختلفة.
بالطبع هناك العديد من الأنواع في السوق لكن الأمر يتلخص في اختيارين؛ الأول سيارات بإمكانيات جيدة وبالتالي بسعر مرتفع نسبياً، والثاني بعيوب كثيرة وسعر أقل.
لكن ماذا لو كان البائع وحده يعلم الحقيقة بينما أنت لا يمكنك الجزم؟
المعلومة = الحقيقة
تعتبر المعلومات غير المتماثلة بداية أي عملية غش في أي مجال، عندما يكون طرفا المعاملة المتمثلان في البائع والمشتري لا يمتلكان نفس الدرجة من المعرفة.
في مثال سوق السيارات سنجد أن بائع السيارة وحده يعلم عيوب السلعة وقيمتها الحقيقية، بينما المشتري لا يمتلك إمكانية الوصول لنفس المعلومات وبالتالي سيضطر للتوقع والاستنتاج.
إذا كان متوسط سعر السيارة الجيدة نحو 50 ألف ريال، بينما المركبات الرديئة (أو الليمون كما يطلق عليها الأمريكيون) تباع بنصف هذا الثمن، فإن المشتري الذي لا يمتلك القدرة على معرفة حقيقة حالة كل نوع سيحاول الوقوف في منتصف الطريق وعرض 35 ألف ريال للشراء.
وبالنسبة للبائع الذي يعلم أن سيارته بحالة جيدة وتستحق أكثر فإنه سيرفض البيع بهذا السعر بالطبع، بينما على الجانب الآخر سيرحب مالك المركبة سيئة الحالة بهذا العرض.
ومع الوقت، سيزداد تواجد السيارات السيئة في السوق بينما سيفضل أصحاب المركبات الجيدة الخروج تماماً لأنهم لا يحصلون على ما يستحقونه.
المشكلة إذن لا تتمثل فقط في أن السلعة الأقل جودة ستباع بسعر مرتفع لا تستحقه، لكن الأسوأ أن المنتج السيئ سيطرد الجيد أيضاً، ليتحول السوق بأكمله لـ"سوق ليمون".
البائع وفجوة المعلومات
ظهر الحديث عن أهمية المعلومات في تنظيم وبقاء الأسواق لأول مرة في عام 1970 عبر دراسة للعالم "جورج اكيرلوف" والذي حصل في عام 2001 على جائزة نوبل للاقتصاد عن أعماله الخاصة بالمعلومات غير المتماثلة.
ويقول "اكيرلوف" إن أزمة المعلومات غير المتماثلة بين البائع والمشتري ليست جديدة، وإنما ترجع للسؤال القديم الذي كان يدور في خلد تجار الأزمنة القديمة: "إذا كان مالك هذا الجواد يريد بيعه، فهل علي أن أشتريه بالفعل؟".
بالطبع الأمر لا يتوقف عند الخيول أو السيارات المستعملة، لكنه ينطبق على معظم الأسواق التي قد تعاني من غياب المعلومات أو على الأقل عدم مطابقة ما لدى جانبي المعاملة: البائع والمشتري.
ومع اهتمام "اكيرلوف" بالاقتصاد الكلي واقتناعه الراسخ بأن البطالة تمثل مشكلة كبرى تحول إلى دراسة أسباب دورة الأعمال والتي كان أحد أبرز العوامل المسببة لها في سبعينات القرن الماضي هي تقلبات مبيعات السيارات الجديدة.
لماذا يفضل الناس شراء سيارات جديدة وليس مستعملة؟ ربما تكون نشوة رؤية المركبة اللامعة الخارجة للتو من معرض السيارات أحد الأسباب، لكن الشك في دوافع بائع السيارة المستعملة يمثل الإجابة الأهم هنا.
وإذا كان المشتري يشك في دوافع البائع كما أنه غير قادر على التوصل للحقيقة فإنه سيفضل الانسحاب من السوق بأكمله واللجوء لمكان يمكنه الشعور بالارتياح والاطمئنان فيه، وبالتالي فإن الأفضلية المعلوماتية للبائع على المشتري قد تضر الجميع وتدمر السوق نفسه تماماً.
ماذا عن الجانب الآخر؟
رغم أن فجوة المعلومات في معاملات السوق تميل غالباً لصالح البائع، فإن العكس غبر مستبعد أيضاً.
ويمكن أن يكون لدى المشتري تفوق معلوماتي يجعله لا يقف على قدم المساواة مع البائع وبالتالي يمتلك ميزة تهدد توازن عملية التبادل وبقاء السوق بأكمله.
انظر مثلاً إلى سوق التأمين، إذا كانت الشركة مقدمة الخدمة غير قادرة على تحديد درجة الخطر بالنسبة للعملاء المحتملين فإنها سترفع علاوة المخاطر المتمثلة في قيمة الأقساط الشهرية على الجميع افتراضاً بأن درجة المخاطرة متوسطة.
لكن بالنسبة للعميل الذي يعلم بأنه في الأغلب لن يستفيد من هذه القيمة الإضافية المطلوب منه سدادها فإن الأفضل هو عدم الموافقة على طلب الشركة، في حين سبيقى العملاء الأكثر خطورة ما سيرفع السعر بدرجة أكبر وربما يوقف الصناعة بأكملها لما تمثله من خسارة لمقدم الخدمة.
كيف نحل المشكلة؟
لحسن الحظ هناك حلول عملية لمعضلة المعلومات غير المتماثلة في الأسواق، والتي تضمن توفير الحد الأدنى المطلوب من الحقائق بالنسبة لجميع الأطراف.
ويبرز التدخل الحكومي في إجبار كلا الطرفين على تبادل المعلومات بشفافية كأحد الحلول الضرورية لضبط السوق، بالإضافة إلى فرض نظام للاختبار لكل السلع المباعة.
ويمكن أن توفر التدابير التنظيمية لحماية المستهلك حلاً جيداً لحماية المشتري من خلال فرض ضوابط تلتزم الشركات بها في تقديم الخدمة للعميل مع توفير شهادات ضمان لفترة محددة.
وبعيداً عن الحلول الرسمية، تظهر أهمية تبادل المعلومات بين المستهلكين سواء بشكل شخصي أو عبر الإنترنت للاستفادة من التجارب السابقة لمنع أي عملية غش جديدة.
ويثبت الترتيب المنطقي للأحداث أن توافر المعلومات المتماثلة بين أطراف أي سوق لا يعتبر أمراً ضرورياً لنجاح السوق فحسب ولكن لبقائه أيضاً.
المصادر:
The Market for "Lemons": Quality Uncertainty and the Market Mechanism
Writing the “The Market for ‘Lemons'”: A Personal Interpretive Essay
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}