نبض أرقام
04:19 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

لماذا يختلف الاقتصاد النرويجي عن غيره؟

2020/01/17 أرقام - خاص

على الرغم من معاناة الاقتصاد العالمي من تراجع وتذبذب واضح في الأداء خلال عام 2019، بسبب الهزات التي تعرضت لها قوى اقتصادية كبرى، كألمانيا والصين على سبيل المثال، إلا أن صندوق النقد الدولي وصف نمو النرويج خلال 2019 بأنه "مستقر ويدعو للتفاؤل في ظل توازن كبير".
 

 

تقدم وسط تراجع عام
 

ويشير تقرير لـ"بلومبرج" إلى أن هذا التوصيف يعد نادرًا هذه الأيام ويوضح بشكل ما مدى التميز الذي يشهده اقتصاد الدولة الاسكندنافية الذي ارتفع معدل نموه من 1.8% في عام 2018 إلى 2.5% في العام المنصرم (بحسب التقديرات الأولية). في المقابل تراجعت معدلات نمو الدول المتقدمة بنسبة 0.8% خلال 2019 بشكل عام.
 

ولهذا الأمر أسبابه، ولعل أهمها ما يشير إليه تقرير صندوق النقد الدولي من تميز الاقتصاد النرويجي بدرجة كبيرة للغاية من التنوع، حيث يزدهر القطاع الخاص، ومعه نظيره العام، وتنتج الدولة كافة أشكال الإنتاج، من صناعي وزراعي وخدمات ومواد خام بشكل متوازن إلى حد بعيد.
 

فعلى الرغم من أن القطاع الزراعي لا يسهم بأكثر من 1.8% في الناتج الإجمالي النرويجي إلا أن هذه النسبة تقترب من ضعف متوسطها لدى الدول المتقدمة (0.95%). على الجانب الآخر، يستحوذ القطاع الصناعي على ما يقرب من 36% من الناتج المحلي للبلاد وفقًا لـ"بلومبرج".
 

بنسبة تقترب من 62% يأتي قطاع الخدمات في الصدارة باعتباره أكبر القطاعات المساهمة في الاقتصاد النرويجي. وعلى الرغم من أن هذه النسبة الكبيرة قد تشير إلى سيطرة القطاع الخدمي على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلا أنها تظل أقل من متوسطها لدى الدول المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة والتي يستحوذ فيها قطاع الخدمات على ما يقرب من 80% من الناتج المحلي، مما يجعله يبدو وكأنه القطاع الأوحد.
 

قطاع عام
 

يشير تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي إلى أن القطاع العام القوي في النرويج يتيح لها مثلًا الاستفادة بالقوى العاملة من النساء بصورة أفضل من بقية الدول، إذ يشكل النساء 67% من القوى العاملة في الحكومة والقطاع العام، بينما لا تتعدى النسبة 40% في ألمانيا و35% في الدول المتقدمة بوجه عام.
 

وعلى الرغم من معاناة القطاع العام من تدني نسبي في الكفاءة مقارنة بالقطاع الخاص، إذ تقدر منظمة التعاون الاقتصادي أنه أقل كفاءة من نظيره الخاص بنسبة 23%، إلا أنه يبقى رابحًا، بل ويمنح الاقتصاد النرويجي ميزتين رئيسيتين: أولهما امتصاص قدر جيد من العمالة، ولا سيما من النساء والفئات المهمشة، وثانيهما المساهمة في بعض المجالات التنموية التي يمتنع القطاع الخاص تقليديًا عن المساهمة فيها.
 

 

وهناك العديد من المبادئ التي يسير عليها الاقتصاد النرويجي والتي تسهم بشدة في إبقائه صحيًا وقويًا، وعلى رأسها فكرة "الاقتصاد الشامل"، ويقصد به العديد من المبادئ لعل أهمها التوازن بين القطاع النفطي ونظيره التقليدي.
 

فالنرويج تضع نسبة معينة (تتراوح عادة ما بين 3 و5%) من العجز في الموازنة لا تتخطاها. وفي الوقت نفسه تحرص على ألا يتم تغطية ذلك العجز من خلال عوائد الإنتاج النفطي، بل تقر الحكومة خططًا للتوسع في الإنتاج الصناعي أو تقليص الإنفاق الحكومي لتحقيق هذا الهدف.
 

موازنة "محايدة"
 

تصف منظمة التعاون الاقتصادي الموازنة النرويجية العامة بأنها "الأكثر حيادًا" في العالم، حيث تتجنب النرويج، ومنذ ما قبل الأزمة المالية العالمية (2009) بأعوام، استخدام الموازنة كأداة لتشجيع النمو أو تثبيط التضخم. عدم استخدام الأدوات المالية أمر صحي لأنه يسهم في اقتصاد أكثر استقرارًا ويحقق نموًا حقيقيًا ولكنه يحتاج اقتصادًا قويًا ومتنوعًا للسماح بتلك السياسة.
 

كما تصف "فوربس" قرار النرويج بعدم الدخول ضمن العملة الأوروبية الموحدة "يورو" بـ"القرار الحكيم" بسبب عدم اضطرار النرويج لتحمل أعباء الاقتصادات الأقل نموًا في الاتحاد الأوروبي، كما تعاني ألمانيا على سبيل المثال.

 

وعلى الرغم من كافة المؤشرات الإيجابية السابقة، فإن الأمر لا يخلو من إمكانية لتطوير الاقتصاد، ومن ذلك نسبة الضرائب العالية التي تفرضها البلاد والتي تصل إلى 38.5% خلال العام المنصرم، ولا شك أن هذا الأمر يحول دون تدفق المزيد من الاستثمارات للبلاد.


 

ولهذا فإن الاقتصاد النرويجي يحصل على قرابة 80% من الاستثمارات الأجنبية القادمة إليه في القطاع النفطي والغاز الطبيعي، مما يحد من قدرات الأعمال غير النفطية على الاستفادة من التدفقات من الاستثمارات الأجنبية.

 

بل وترجع "بلومبرغ" استمرار حصول النرويج على استثمارات على الرغم من عقبة الضرائب إلى الاستقرار السياسي الاستثنائي واستقرار العملة، الذي يجعلها بمثابة أحد الملاذات الآمنة للاستثمارات على الرغم من التكلفة الكبيرة التي تتكبدها الأعمال، إلا أنها تبدو خيارًا مأمونًا في أوقات الاضطرابات الاقتصادية.

 

وبوجود قطاع عام قوي، وموازنة محايدة، واقتصاد يسعى للتوازن بين مختلف القطاعات، واستثمارات أجنبية بسبب "الاستقرار" يبدو الاقتصاد النرويجي بطبيعة الحال مختلفًا عن اقتصادات معظم الدول في الوقت الحالي بما يسمح له بالإبقاء على معدلات نمو صحية حتى مع تعثر اقتصادات الدول المتقدمة الأخرى.

 

 

المصادر: "فوربس"، بلومبرج، تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي، تقرير للبنك الدولي.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.