نبض أرقام
09:08 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

الصعود إلى الهاوية .. كيف يمكن أن يشارك الجميع في دفع سوق الأسهم نحو الانهيار؟

2019/12/27 أرقام - خاص

في الحكايات القديمة قيل إن أعرابياً كان مسافرا ومعه من المتاع الكثير الذي يعجز عن حمله جمل واحد، لكنه رغم ذلك لم يعبأ وظل يكدس ويضع حاجاته وأشياءه فوق الجمل دون اكتراث.
 

ومع استمراره في ذلك الوضع، بقيت كومة من القش التي لا تزن كثيرا، لكنه خوفا من حدوث مكروه، جعل يضع القش قشة وراء قشة بهدوء وتأن والجمل كان صامدا يقاوم ثقل الحمل.
 

وما إن وضع آخر قشة حتى انهارت مقاومة الجمل وسقط ميتا من ثقل حمله، لتتناول العرب على مر الزمن المثل الشهير "القشة التي قصمت ظهر البعير".
 

 

وبشكل عام عندما تحدث أي كارثة فإن هناك سعياً بطبيعة الحال إلى تحديد السبب الرئيسي وراءها حتى يصبح من الإمكان تجنب وقوع أخرى، وحتى لو لم تكن هناك فائدة من معرفة السبب سوى الرغبة في الشعور بالراحة من خلال معرفة ما الذي حدث بالضبط.
 

وأثناء السعي لمعرفة ما حدث غالباً ما يفضل الإشارة إلى سبب واحد قوي يمكن تحديده بسهولة، غير أن الكثير من الكوارث لا يمكن عزوها إلى سبب واحد واضح.
 

يشير الكثير من العلماء إلى أن الكوارث أو التغيرات الكبيرة التي تقع في مجالات البيولوجيا والجيولوجيا والاقتصاد ليست بالضرورة نتاج حدث واحد كبير، بل هي في الحقيقة نتيجة مجموعة كبيرة من الأحداث الصغيرة التي تخلق معاً تأثيرًا يشبه الانهيار الجليدي.
 

حبة الرمل الأخيرة
 

في إطار نظريته الشهيرة "الحرجية المنظمة ذاتياً" (Self-organized criticality) يشير عالم الفيزياء الدنماركي "بير باك" إلى أن الأنظمة المعقدة الكبيرة المؤلفة من ملايين الأجزاء المتفاعلة من الممكن أن تتعطل ليس فقط بسبب حدث كارثي واحد ولكن أيضاً بسبب سلسلة من الأحداث الصغيرة.
 

لتوضيح مفهوم الحرجية الذاتية ضرب "باك" مثالاً بكومة الرمال. تخيل لو أتيت بطاولة مسطحة ووضعت فوقها جهازاً يسقط الرمال عليها حبة وراء أخرى. في البداية ستنتشر الرمال على سطح الطاولة قبل أن تبدأ كومة خفيفة من الرمال في التكون.
 

عندما تستقر حبة فوق أخرى ترتفع كومة الرمال إلى أن تشكل منحدراً مائلاً على كل جانب. ثم تصل كومة الرمال إلى مرحلة لا يمكن أن تكبر بعدها أكثر من ذلك. وحينها يحدث انهيار للكومة لتتدفق حبوب الرمل إلى أسفل المنحدر بسرعة أكبر من سرعة تساقط الحبوب من الجهاز.
 

 

وفقاً لـ"باك" فإن كومة الرمال هذه منظمة ذاتياً بمعنى أنها تشكلت دون أن يقوم شخص ما بوضع تلك الحبوب في مكانها. وكل حبة رمل متشابكة في مجموعات لا حصر لها. وعندما تصل الكومة إلى أعلى مستوى لها يمكننا القول إن الرمال في حالة الحرجية، أي أنها على وشك أن تصبح غير مستقرة.
 

ولذلك بمجرد إضافة حبة رمل واحدة إلى الكومة وهي في تلك المرحلة يقع انهيار رملي وتدحرج الرمال إلى أسفل المنحدر الجانبي للكومة، على الرغم من أن الحبة الأخيرة لا تختلف عن الحبوب السابقة. وهذا يقود إلى استنتاج مثير للدهشة مفاده أنه حتى أكبر الكوارث ليس لها أسباب خاصة أو استثنائية.
 

المضارب في مقابل المستثمر
 

المثال الذي ضربه "باك" هو ربما أفضل ما يمكنه المساعدة في فهم ميكانزم الكوارث والأزمات والتعرف على سلوك العديد من الأنظمة المختلفة التي قد تنهار وتتفكك بعنف فقط لإعادة تنظيم نفسها في مرحلة لاحقة. وهذا بالضبط ما ينطبق على أزمات أسواق الأوراق المالية.
 

في ورقة بحثية نشرها في عام 1997 تحت عنوان "تغيرات الأسعار في سوق أوراق مالية به الكثير من المتداولين" بنى "باك" بالتعاون مع اثنين من زملائه نموذجاً بسيطاً سعى من خلاله للتعرف على سلوك نوعين من الناس الذين يتداولون بالبورصة.
 

قسم "باك" المتداولين بالبورصة إلى نوعين رئيسيين هما: متداولو الضوضاء والمتداولون العقلانيون أو المستثمرون المهتمون بالأساسيات والمضاربون متتبعو الترند.
 

 

ببساطة، يسعى المضارب أو متتبع الترند إلى تحقيق الربح من التغيرات السعرية التي تشهدها الأسهم إما عن طريق شراء ما يرتفع سعره أو بيع ما ينخفض سعره.
 

أما المستثمر في المقابل فلا يهتم بالتغيرات التي تشهدها أسعار الأسهم في المدى القصير بقدر اهتمامه بالفارق بين سعر السهم أو الورقة المالية وبين قيمتها الجوهرية. فإذا كانت قيمة السهم أعلى من سعره الحالي اشتراه، وإذا كان الحال هو العكس باعه.
 

في أغلب الوقت يكون التفاعل بين المضاربين والمستثمرين في السوق متوازنا، حيث يستفيد كلاهما من رد فعل الآخر، لتستمر أنشطة البيع والشراء دون حدوث أي تغير ملحوظ في السلوك العام للسوق. ولكن ما لا يدركه البعض هو أن هذا الاستقرار ربما هو المرحلة التي تنمو خلالها كومة الرمال التي لم تصل بعد لنقطة الانهيار.
 

 

فعندما ترتفع أسعار الأسهم يبدأ عدد المضاربين أو متتبعي الترند بالسوق في الارتفاع على حساب المستثمرين المهتمين بالأساسيات. ولكن كيف يحدث هذا؟ ببساطة عندما ترتفع الأسعار يبدأ عدد كبير من المستثمرين في البيع وتقليل تعرضهم للسوق. لمن يبيع المستثمر؟ يبيع للمضارب.
 

بعبارة أخرى، عندما ترتفع الأسعار يقوم المستثمر الذي يفهم الأساسيات ببيع حيازاته إلى المضارب الطامع الذي يهرع لشراء السهم لا لشيء إلا لأنه لاحظ أنه يرتفع في السعر، وهو ما يجعله على استعداد لشراء السهم مقابل سعر لن يدفعه المستثمر الذي يرى أن القيمة الجوهرية لا تبرره.
 

كلنا مذنبون لا أستثني أحداً
 

المشكلة هي أنه عندما لا يكون لدى أغلب المشاركين بالسوق أي دراية بأساسيات الأسهم التي يمتلكونها ترتفع المخاطر التي يواجهها السوق بالكامل. وهذه المخاطر مصدرها حقيقة أن هذا النوع من المتداولين ليس لديهم أي معيار يمكنهم البيع والشراء على أساسه سوى التقلبات السعرية.
 

وفي هذا السياق يقول "وارن بافيت": "إن أولئك الذين يشترون لأسباب لا علاقة لها بقيمة السهم سيبيعون كذلك لأسباب لا علاقة لها بالقيمة. وسيؤدي وجود هؤلاء في السوق إلى ارتفاع التقلبات التي تشهدها أسعار الأسهم بشكل لا يعكس التطورات التي تشهدها أساسيات الشركات."
 

فالمتداول الذي لا يعرف أو لا يهتم بالأساسيات لن يمتلك القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، لأنه في الواقع لا يعرف ما إذا كان السهم مبالغاً في تقييمه ليتجنبه أو مقيما دون قيمته الجوهرية فيلتقطه. وهؤلاء بالمناسبة حين يهبط السوق لا يمتلكون الثقة الكافية للاحتفاظ بما يمتلكونه أو شراء ما لا يمتلكونه بأسعار منخفضة.
 

 

يشير "باك" إلى أنه عندما يكون العدد النسبي للمستثمرين صغيراً بالمقارنة مع المضاربين أو متتبعي الترند تحدث فقاعات الأسهم، لأن الأسعار حينها تتجاوز السعر العادل الذي قد يدفعه أي مستثمر عقلاني.
 

بعد أن تنفجر الفقاعة يبدأ الجميع في البحث عن السبب وإلقاء اللوم على أسباب بعينها وربما تبني نظرية المؤامرة، ولكنهم يفشلون في إدراك حقيقة أن تشكل وانفجار الفقاعة هو في الأصل نتاج السلوك الجمعي للمشاركين في السوق على مدار فترة من الزمن.
 

 

وهنا يؤكد "جورج سوروس" على أن الذعر لم يكن أبداً هو السبب الحقيقي وراء انهيار الأسواق المالية، بل هو مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير.
 

باختصار، غالباً ما يكون انهيار السوق هو نتيجة للسلوك الجمعي للمشاركين في السوق وطبيعة العوامل التي يتداولون الأسهم على أساسها. وكلما تراجع الاهتمام بالأساسيات وزادت ضوضاء المضاربين أصبح السوق في خطر، منتظراً في أي لحظة حبة الرمل الأخيرة.

 

المصادر:

أرقام
كتاب: Investing: The Last Liberal Art
كتاب: Think Twice: Harnessing the Power of Counterintuition
دراسة: Price Variations in a Stock Market with Many Agents

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.