أيها أشتري؟.. يقف المستهلك حائرًا أمام أرفف المتاجر، بدءًا من محال البقالة والسلع الاستهلاكية الأساسية وصولًا إلى متاجر المنتجات الإلكترونية كالجوالات، ماذا يختار من بين العروض متباينة الحجم والسعر، هل يختار الأصغر الأرخص أم الأكبر الأغلى، أم عليه البحث عن خيار وسط.
في الواقع، عندما تقتصر المقارنة على عنصرين، يكون الأمر أسهل كثيرًا، فالبعض سيشتري الأرخص لأن عامل المال هو الذي يحكم اختياره، والآخرون سيميلون للأكبر حجمًا، والذي قد يعتبرونه في حالات ما أوفر، لأنه يمنحهم قيمة أكبر من نظيره الصغير.
لكن مشكلة الاختيار تكون أعمق ومثيرة للحيرة عندما يقع على عاتق المتسوق عبء الاختيار بين أكثر من بديلين، وعادة في هذه الحالة يكون البديل الثالث مطروحًا في الأسواق بغرض التلاعب بأذهان المستهلكين ودفعهم لشراء أحد البديلين الرئيسيين (غالبًا يكون الأغلى).
تتساءل كيف يحدث ذلك؟ حسنًا، سأخبرك، لكن قل لي أولًا، هل ذهبت ذات مرة إلى متجر الإلكترونيات ولاحظت أن علامة تجارية ما طرحت جوالًا أو مشغل موسيقى بثلاث نسخ مختلفة من حيث الحجم والسعر، إحدى النسخ بمساحة تخزين هي الأكبر، وأخرى متوسطة، وواحدة هي الأصغر.
بالتأكيد لاحظت ذلك، إنه أمر شائع، ليس فقط في متاجر الإلكترونيات، ولكن حتى في محال البقالة، وأيضًا في المطاعم والمقاهي، ستجد دائمًا انتشارا لعروض الأحجام الثلاثة متفاوتة الأسعار، والسؤال هنا كيف تكون مثل هذه العروض التسويقية مخادعة؟ دعنا نفهم ذلك بالأمثلة المفصلة.
قيمة أقل وسعر أغلى
- في متجر الإلكترونيات على سبيل المثال، إذا كان الاختيار بين نسختين من نفس مشغل الموسيقى، إحداهما بمساحة وسعر كبيرين والأخرى بمساحة وسعر صغيرين، فإن الأمر محسوم، وربما تكون فرص بيع النسختين متقاربة، فالبعض يحكمه عنصر المال، والبعض الآخر يحكمه عنصر الكم والجودة.
- لكن لتوجيه المستهلك نحو نسخة محددة فإن العلامة التجارية قد تطرح ثلاث نسخ، ولتكن الأولى "أ" بسعة 100 جيجا بايت وسعر 50 دولارًا، والثانية "ب" بسعة 70 جيجا وسعر 52 دولارًا، والثالثة "ت" بسعة 50 جيجا وسعر 30 دولارًا.
- في المثال الأول، كان الاختيار مقتصرا على النسختين الأكبر والأقل مساحة "أ" و"ت"، لكن مع إضافة بديل ثالث ذي مساحة متوسطة وسعر هو الأعلى، فبطبيعة الحال سيتجنبه المستهلك (لن يدفع أكثر لمساحة أقل)، وبالتالي فإنه بشكل تلقائي يميل للنسخة "أ"، التي تفضل العلامة التجارية بيع المزيد منها.
- بحسب موقع "إنتلجينت إيكونوميست"، فإن الخيار الجديد "ب" يؤثر على عملية الاختيار لدى المستهلك كأساس للمقارنة بين البديلين الرئيسيين "أ" و"ت"، ولأن "أ" أفضل من "ب" وفقًا لأساس السعر وأفضل من "ت" وفقًا لأساس المساحة، فإنه سيكون الخيار الأكثر ترجيحًا.
الشرَك
- هذه الاستراتيجية التسويقية يطلَق عليها اسم "تأثير الشرَك" أو "تأثير سعر الإغراء" أو "تأثير الهيمنة غير المتماثلة"، لكن الاسم الأول هو الأكثر شيوعًا، وللعلم فهي لا تُستخدم دائمًا لبيع المنتج الأغلى، ومع ذلك، فقد يكون هذا هو الغرض الأكثر إلحاحًا بالنسبة لأغلب المسوقين.
- في متجر آخر، تقدم علامة تجارية شهيرة مشغل الموسيقى المميز الخاص بها في ثلاث نسخ مختلفة، "س" هو الأكبر سعة وبسعر 100 دولار، و"ج" المتوسط وبسعر 70 دولارًا، و"ص" هو الأصغر وبسعر 80 دولارًا.
- في هذه الحالة، يكون مسوقو العلامة التجارية يرغبون في تركيز المبيعات على المنتج "ج" المتوسط، لأنه بطبيعة الحال أفضل سعرًا وحجمًا من عنصر المقارنة المخادع "ص" ولأنه أرخص سعرًا من منافسه الأكبر حجمًا، لكن على أي حال قد يكون هذا المثال أقل شيوعًا من السابق.
- من بين الأمثلة الأكثر رواجًا وتلاعبًا بقرار المستهلك، أن نجد مقهى يقدم ثلاثة أحجام من العصير، الأول على سبيل المثال بحجم 350 ملي وسعر 3 دولارات، والثاني بحجم 450 ملي وسعر 4 دولارات، والثالث بحجم 610 ملي وسعر 4.5 دولار.
- مع عملية حسابية بسيطة أثناء مطالعة قائمة المشروبات، سيصل الزبون إلى أن الثاني أكثر قيمة من الأول وبفارق دولار واحد، لكنه سيجد أيضًا أن الثالث أكثر قيمة من الثاني وبفارق نصف دولار فقط، وهذا لأن المقهى صممه ليهيمن ويكون جذابًا بشكل غير متماثل مع أقرانه.
أصول المفهوم
- يقول الأستاذ المشارك للتسويق وسلوك المستهلك في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا "غري مورتيمر": يشير مفهوم الهيمنة غير المتماثلة إلى الشرك الذي تنصبه إحدى الشركات لجعل أحد خيارات منتجاتها أكثر جاذبية، ويتم ذلك عن طريق التلاعب بالقيمة المدركة التي تشمل الكمية والجودة والميزات الإضافية.
- يضيف "مورتيمر" في تقرير نشره موقع "ذا كونفرزشن": ليس المقصود بشرك البيع، دفع المستهلكين بعيدًا عن المنافس وتوجيههم إلى منتجات الشركة فقط، وإنما عادة ما يكون التوجيه إلى المنتج الأكثر تكلفة وربحية.
- تم وصف "تأثير الشرك" لأول مرة من قبل الأكاديميين "جويل هوبر" و"جون باين" و"كريستوفر بوتو" في ورقة بحثية عُرضت في أحد المؤتمرات عام 1981، ونُشرت في مجلة "أبحاث المستهلك" خلال العام التالي.
- في الحقيقة، "تأثير الشرك" هو أبرز الطرق لتطبيق نظرية التحفيز، التي تنص على أنه من خلال تغيير البيئة بشكل جيد، يمكن دفع الناس إلى اتخاذ ما يعتقدون أنه القرار الصحيح، في الوقت الذي يشعرون فيه أنه لم يتم التأثير عليهم من الخارج، بحسب "فوربس".
- أجرى الباحثون تجارب على مجموعة من طلاب الجامعات، وطلبوا منهم في البداية المفاضلة بين خيارين لعدد من المنتجات، مثل المشروبات والسيارات والمطاعم وتذاكر اليانصيب وحفلات السينما وأجهزة التلفزيون.
- بعد إتمام المرحلة الأولى من التجربة، طُلب منهم الاختيار بين ثلاثة بدائل لكل منتج (البديل الثالث هو الشرك)، وفي كل الحالات باستثناء تذاكر اليانصيب، ساعد الشرك بنجاح في زيادة اختيار المنتج المستهدف.
- بعيدًا عن عالم التسويق، يعتقد البعض أن "تأثير الشرك" قد يكون لاعبًا أساسيًا في توجيه الأصوات الانتخابية وقرارات التوظيف، ففي بعض الحالات قد يظهر "الشرك" بالصدفة ليرجح كفة مرشح على آخر.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}