كانت الأسواق الناشئة بمثابة "الحصان الأسود" للاقتصاد العالمي منذ بداية الألفية الثانية، فمع استقرار اقتصادات النمور الآسيوية، ووصولها لمرحلة النضوج، وفرت اقتصادات الأسواق الناشئة الحركة اللازمة لنمو الاقتصاد العالمي واستحوذت على نسب كبيرة من تدفقات رؤوس الأموال العالمية.
خفض توقعات النمو
وعلى الرغم من التوقعات الوردية حول تلك الاقتصادات، إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن، حيث تفاقمت ظاهرة تحركات رؤوس الأموال الساخنة، بما أدى لمعاناة تلك الاقتصادات من العديد من الظواهر الاقتصادية السلبية ولعل أهمها التضخم وارتفاع معدلات الفائدة بنسب كبيرة.
وبناء على ذلك خفض صندوق النقد الدولي في نهاية يوليو الماضي لتوقعاته لنمو اقتصادات تلك الدول من 4.4% عام 2019 إلى 4.1% وخفضت توقعات النمو في 2020 من 4.8% إلى 4.7%، وذلك أملًا في أن تكون بعض المشاكل التي تواجهها الدول الناشئة عارضة وتبدأ في التحسن لاحقًا.
ولأول مرة يرتبط نمو الأسواق الناشئة بنمو الاقتصاد العالمي، ففي حالة تحقيق الأخير لمعدل نمو 3.5% ستتمكن الاقتصادات الناشئة من الانتعاش والعودة للواجهة، وفقًا لتقديرات منتدى الاقتصاد العالمي، وإن تباطأ معدل النمو إلى 3.2% فحسب فإن ذلك سيجعل نمو الأسواق الناشئة مهددًا وبشدة.
وعلى الرغم من أن هذه قد تبدو نسبًا مرضية في حالة الكثير من الدول، إلا أن تقديرات منتدى الاقتصاد العالمي تشير إلى أنها الأدنى منذ عام 2002، كما حذرت دراسة للأخير من تقلص نسب النمو 1-2% حال استمرار الحروب التجارية واتساعها خلال الفترة المقبلة.
اختلافات
والشاهد هنا أن الأزمة الأخطر تتمثل في تحول الاقتصادات الناشئة من مُحرك للاقتصاد العالمي إلى مجرد تابع له، بما يعني فقدان تلك الدول لدورها القيادي في تحريك الاقتصاد العالمي.
ويكشف تقرير لمجموعة "لازارد" لإدارة الأصول أنه باستثناء الهند، وبدرجة أقل البرازيل، فإن كافة الاقتصادات الناشئة تبدو مهددة بتراجع 1-3% من معدلات نموها خلال السنوات العشر المقبلة بسبب الحروب التجارية، لا سيما في ظل التوترات السياسية التي تهدد دولا رئيسية مثل روسيا والأرجنتين وتركيا.
ويشير التقرير إلى أن النمو الهندي هو ما يحفظ وجود نمو جيد للاقتصادات الناشئة، بما في ذلك استمرار الهند في تلقي الاستثمارات الموجبة، بينما فقدت بقية الاقتصادات الناشئة الأخرى ما يبلغ 50 مليار دولار من الاستثمارات في نصف عام فحسب.
ويرجح التقرير سقوط بعض أوراق "شجرة الاقتصادات الناشئة" مثل الأرجنتين قريبًا، بينما يتوقع عودة البرازيل لتحقيق معدلات نمو جيدة بسبب متانة البنية التحتية التي تم إنشاؤها في عهد الرئيس الأسبق "لولا دا سيلفا".
ولكن التوجه الرسمي لإدارة ترامب من شأنه إعطاء بعض الاقتصادات الناشئة "قبلة الحياة" خاصة بعدما بدأ البنك المركزي في التجاوب مع رغبة الإدارة الأمريكية بأول خفض منذ عقد كامل بنسبة 0.25%.
تنافس جديد
وعلى الرغم من هذا المؤشر الإيجابي إلا أن تنافس الاقتصادات الناشئة، مع بعض "الاقتصادات الناشئة الجديدة" ولا سيما اقتصادات مثل أنجولا التي لم تكن مصنفة من الاقتصادات الناشئة إلا أنها حققت معدلات نمو لافتة في ظل اكتشافات نفطية واسعة وتأسيس بنية تحتية قوية، بما جعلها تسحب الاستثمارات من نيجيريا الغنية بالنفط أيضًا ولكنها تعاني الاضطرابات.
والأزمة التي تواجه الاقتصادات الناشئة تتمثل في الزيادة المفاجئة في درجة "عدم اليقين" فعلى الرغم من اعتبار أن كافة تلك الاقتصادات "ناشئة" لم يأت من فراغ، باعتبارها أسست لنهوض اقتصادي مستقبلي، إلا أن الضبابية المحيطة بالاقتصاد العالمي بشكل عام وباقتصاداتها بشكل خاص تهدد حصد تلك الدول لإنجازات المراحل السابقة.
وبناء على ذلك، يمكن استنتاج استمرار معاناة الاقتصادات الناشئة على المدى المنظور، لا سيما إذا تفاقمت حروب أمريكا التجارية وتباطأ الاقتصاد العالمي، غير أن بعضها قد يستفيد من تلك الحروب من خلال روابط تجارية أعمق مع واشنطن وبكين، لتصبح الفترة المُقبلة بمثابة اختبار لمتانة الإنجازات الاقتصادية السابقة التي حققتها كل دولة من الدول الناشئة على حدة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}