منذ تسعينيات القرن الماضي، أكدت الولايات المتحدة صراحة أن الدولار القوي يدعم مصلحة الدولة، وسلم المستثمرون العالميون باستمرار هذا الموقف، ما منحهم ثقة بأن المسؤولين الأمريكيين لن يسعوا إلى إحباط المسار الصعودي للعملة، بحسب تقرير لـ"بزنس ويك".
لكن الرسائل الفوضوية لرئيس الولايات المتحدة الحالي تزعزع هذه الاعتقادات، حيث قال "دونالد ترامب" في السادس والعشرين من يوليو إن الدولار القوي "شيء جميل من ناحية، لكنه يجعل المنافسة صعبة على البلاد"، مؤكدًا أنه لم يستبعد اتخاذ أي إجراء لإضعاف العملة.
وجاءت هذه التصريحات متناقضة تمامًا مع ما جاء على لسان المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض "لاري كودلو"، الذي قال إن الولايات المتحدة لن تتدخل في أسواق العملات.
التزام تجاه العالم
- طرح وزير الخزانة الأمريكي "روبرت روبن" فكرة الدولار القوي عام 1995، كطريقة لدعم الطلب الخارجي على سندات الخزانة الأمريكية، وساعدت بالفعل في ترسيخ مكانة الدولار طويلة الأجل كعملة احتياط عالمية.
- التعهد بعدم تخفيض قيمة العملة الأمريكية يشجع المستثمرين الدوليين والشركاء التجاريين للولايات المتحدة على توجيه أموالهم إلى الأصول الأمريكية، لكن الدولار الأضعف سيفيد المصنعين المحليين حيث سيجعل منتجاتهم أرخص بالنسبة للأجانب، لكن سيعاني المستهلكون والشركات من ارتفاع أسعار الواردات.
- التخلي عن هذه السياسة سيترتب عليها عواقب عالمية، وعلى المدى الطويل، ستتأثر الموارد المالية للحكومة الأمريكية، حيث إن إيمان غير الأمريكيين بالدولار يجعلهم أكثر استعدادًا للاحتفاظ بديون الولايات المتحدة، مما يقلل أسعار الفائدة التي يتعين على وزارة الخزانة دفعها.
- في الوقت الحالي، لا يمثل جذب الأموال العالمية مشكلة، وبلغت حيازات سندات الخزانة لدى الأجانب مستوى قياسيًا عند 6.5 تريليون دولار في مايو، ويمتلك المستثمرون بدائل قليلة في ظل تقديم السندات الأوروبية واليابانية عائدات سالبة، مقارنة بنحو 2% للسندات العشرية الأمريكية.
تضارب الموقف الأمريكي
- في نظر نائب مساعد وزير الخزانة للتحليل الاقتصادي الدولي السابق "براد سيتسر"، انتهت سياسة الدولار القوي بمجرد بدء "ترامب" الشكوى من قوة العملة، وفي حين تركت الإدارات السابقة التعليق على الورقة الخضراء لوزارة الخزانة، خرج الرئيس الحالي عن التقليد مبكرًا.
- يقول كبير الاقتصاديين لدى "بجيم فيكسد إنكام"، "ناثان شيتس": أعتقد أن عصر سياسة الدولار القوي قد انتهى، الوضع الحالي مختلف، ما لم يتضح ما هو وصف السياسة وخصائص النظام الجديدين.
- أرسل وزير الخزانة "ستيفن منوشين" إشارات متضاربة حول الدولار، والذي ارتفع مقابل معظم نظرائه العشرة الأساسيين هذا العام، واقترب مؤشر العملة الأمريكية المرجح بحركة التجارة والمعدل وفقًا لتغيرات التضخم، من أعلى مستوى له منذ 2003، ما يعكس الصعوبات التي تواجه الصادرات الأمريكية.
- قال "منوشين" في تصريحات لـ"سي إن بي سي" في الرابع والعشرين من يوليو: على المدى الطويل، أؤمن بوجود دولار قوي، مما يدل على وجود اقتصاد أمريكي قوي، لكني لن أدفع باتجاه "سياسة الدولار الضعيف" على المدى القريب.
- بعد أيام من هذا التصريح، أخبر الوزير "بلومبيرغ" بعدم وجود أي اتجاه لتغيير سياسة العملة في البلاد حتى الآن، في إشارة أثارت تكهنات بأن الولايات المتحدة قد تتدخل لاحقًا لإضعاف قيمة الدولار.
إمساك العصا من المنتصف
- لا يزال محللو "وول ستريت" يرون التدخل في أسواق العملات بمثابة احتمال ضعيف لكن ليس مستحيلًا، فالولايات المتحدة لم تبع الدولارات بغرض إضعاف العملة منذ عام 2000، لكن فعلت ذلك في إطار جهود دولية منسقة لدعم قيمة اليورو.
- من شأن التدخل الأحادي إفساد الالتزام القديم الذي أعيد تأكيده في يونيو من قبل الولايات المتحدة، جنبًا إلى جنب مع أعضاء مجموعة العشرين، لتجنب إضعاف أسعار الصرف لزيادة الصادرات، لكن في أواخر يوليو كان هناك إشارات على انقسام الإدارة الأمريكية حول هذا الإجراء.
- كتب محللو "بنك أوف أمريكا" في تقرير لهم الشهر الماضي، أن الطريقة الأسهل ليحصل "ترامب" على عملة أضعف هي القول إن الولايات المتحدة ستتخلى عن سياستها، لكن مع الحرص على ألا تقوض فرص امتلاك الأصول الأمريكية.
- رغم أن عبارة "سياسة الدولار القوي" رمزية إلى حد كبير، فإن التخلي عنها لصالح عبارة "سياسة النمو القوي" قد يؤثر الأسواق ويؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الأمريكية بنسبة تتراوح بين 5% و10%.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}