نبض أرقام
04:20 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

يقارب ثم لا يسدد .. التائهون في سوق الأسهم

2019/04/26 أرقام - خاص

"متى يجب أن تبيع ومتى يجب أن تشتري؟" .. لعل هذا هو السؤال الأكثر صعوبة الذي يواجهه المستثمرون بصفة مستمرة في سوق الأسهم. وهناك الكثير من المقالات والكتب التي كتبت حول هذا الموضوع، ولكن أياً منها لم ينجح في تقديم الإجابة المثالية لهذا السؤال، وهذا طبعاً إذا افترضنا أن هناك إجابة مثالية له أصلاً.

 

 

وربما أفضل محاولات الإجابة عن هذا السؤال الصعب كانت تلك التي قام بها المتخصصون بعلم الاستثمار السلوكي والذين قدموا لنا النظرية المعروفة باسم "دورة الطمع والأمل والهلع".
 

وتوضح هذه الدورة بشكل كبير حقيقة أن عواطفك تميل إلى أن تكون أسوأ عدو لك عندما يتعلق الأمر بتوقيت الاستثمار. فإذا كنت قادراً على الحيلولة دون تأثر منطقك بالمشاعر والعواطف فسوف تحسن بشكل كبير من قدرتك على اتخاذ القرارات المتعلقة بتوقيت البيع والشراء.
 

السهم المنشود
 

مصادفة تسمع حديثاً يدور بين أصدقائك حول إحدى الشركات المدرجة بالبورصة، وكيف أن لها مستقبلاً واعداً. وتثير هذه المحادثة فضولك وهو ما يدفعك إلى تتبع أداء هذه الشركة عن قرب، ومتابعة أخبارها لمعرفة آخر التطورات بشأنها.
 

ثم تتفاجأ بحقيقة أن أداء هذه الشركة في سوق الأسهم جيد جداً بالفعل. ففي البداية تلاحظ استقرار سعر سهمها عند 20 ريالاً، وذلك قبل أن يرتفع ليصل إلى 24 ريالاً. كل هذا وأنت لا تزال متفرجاً من بعيد.
 

وبينما أنت على هذه الحال تقوم بشكل تلقائي بإجراء عملية حسابية بسيطة في ذهنك تدرك خلالها أنك لو كنت استثمرت ألفي ريال في 200 من هذا السهم قبل عدة أيام لأصبحت قيمة استثمارك اليوم 2400 ريال، أي أنك فوت فرصة كسب ربح قدره 400 ريال أو 20%.



 

تعض أناملك وتلوم نفسك على تفويت تلك الفرصة ثم تقول "إذا تراجع سعره قليلاً سأشتري 100 سهم فوراً". وتستمر في مراقبة السهم باهتمام أكبر، ليتراجع سعره في اليوم التالي بالفعل بمقدار ريال واحد ليصل إلى 23 ريالا. "هل يجب أن أشتريه الآن؟" هكذا تسأل نفسك.
 

تتراجع في اللحظة الأخيرة وتحجم عن شراء السهم مفضلاً الانتظار قليلاً، على أساس أن سعره كان 20 ريالاً فقط قبل نحو أسبوع. ولسوء حظك يعود السهم في الأيام التالية ليرتفع مجدداً ويصل سعره إلى 27 ريالاً.
 

بيمناك تضرب رأسك وتشعر بالغضب تجاه نفسك بعد تفويتك للفرصة للمرة الثانية، وتفكر في أنك لو اشتريت هذا السهم عندما سمعت به لأول مرة لكنت محققاً الآن ربحاً قدره 35%.
 

خلال الأيام التالية يستمر السهم في التحرك في النطاق من 26 إلى 28 ريالاً، ثم يحدث شيء ما. أصدرت الشركة بياناً صحفياً توضح فيه نيتها في التوسع في أحد الأسواق الخارجية، ليقفز فوراً سعر سهمها إلى 35 ريالاً.
 

إلى متى؟
 

كل هذا يحدث وأنت جالس تراقب لا تفعل شيئاً سوى التحسر على المكاسب التي كان من الممكن أن تحققها لو اشتريت هذا السهم من البداية. لكن فجأة تقرر أنه حان الوقت لتتخلى عن سلبيتك وتتصل بالوسيط الخاص بك وتطلب منه شراء 100 سهم. وبالفعل ينفذ الوسيط طلبك ويشتري مقابل 38 ريالاً للسهم الواحد، وهو السعر السوقي للسهم لحظتها.
 

طوال الفترة الماضية أنت جلست تشاهد سعر السهم يرتفع من 20 ريالا قبل أن يصل إلى 38 ريالاً. السؤال الآن، أي اتجاه سيأخذه سعر السهم في الأيام القادمة وفقاً لحدسك ومنطقك؟ إلى أي مدى سيستمر السهم في الارتفاع برأيك؟ بوسعي الإجابة بدلاً منك على هذا السؤال ببساطة من خلال النظر إلى دوافع اتخاذك لقرار الشراء في هذه المرحلة.



 

باختصار أنت تعتقد أن سعر السهم سيرتفع لأن الطمع كان هو الدافع الرئيسي وراء قرارك. ففي خلال الفترة الماضية أصبحت مهووساً بمقدار المال الذي كان بإمكانك تحقيقه لو كنت استثمرت في الشركة التي فشلت من البداية في تحليل إمكاناتها المستقبلية. وهكذا جعلك الطمع تشتري السهم في قمته.
 

في ذات اليوم الذي اشتريته فيه مقابل 38 ريالاً، تراجع سعره عند نهاية التداولات ليغلق عن 37 ريالاً، قبل أن يتراجع في اليوم التالي ليصل إلى 35 ريالاً. وبحلول نهاية الأسبوع ينخفض سعر السهم إلى 33 ريالاً.
 

رويداً رويداً يدفعك التراجع الذي شهده سعر السهم إلى الدخول في حالة من التوهان تصبح فيها غير قادر على تحديد موقفك من السهم. وتحت وطأة هذه الخسائر تعاهد نفسك على أن تبيعه بمجرد أن يرتد سعره ليصبح قريباً من السعر الذي اشتريته منه، وتنسى لحظتها الطمع ويسيطر عليك الأمل.
 

الإنسان ضعيف
 

كل ما تأمله الآن هو أن يرتد سعر السهم إلى الأعلى ولو قليلاً لكي تخرج من هذا الاستثمار بأقل قدر من الخسائر، عازماً على عدم العودة إليه مرة أخرى مقنعاً نفسك أنك تعلمت الدرس. في الأيام التالية وببطء يتحرك سعر السهم نحو الأعلى ليصل إلى 35 ريالاً، قبل أن يصل إلى 36 ريالاً ويستقر عن هذا المستوى لفترة.
 

حمداً لله، حدث ما كنت تريده وارتد السهم بالفعل، ويمكنك الآن التخلص منه والخروج بقدر معقول من الخسارة. ولكنك لا تفعل وتنسى عهدك لنفسك! وبدلاً من ذلك تبدأ تحدث نفسك قائلاً "ربما لم يكن الانخفاض الذي شهده السهم قبل فترة كارثياً كما كنت أعتقد. لماذا لا أنتظر بضعة أيام أخرى ليرتفع السهم وأسترد أموالي كاملة، أو أحقق حتى بعض الربح القليل."
 

لسوء حظك يعود السهم في الأيام التالية ليمشي في الاتجاه المعاكس ويتراجع سعره إلى 34 ريالاً، وتعود معه لتلوم نفسك على تفويت وعدم استغلال فرصة التخارج حين حانت لك. وهكذا تظل جالساً بجوار السهم لأشهر تالية لا تملك خلالها سوى الأمل بأن يرتد السهم قليلاً إلى الأعلى.



 

ثم في يوم من الأيام، وبينما تطالع الصحف يصدمك خبراً مفاده تراجع الشركة عن قرارها السابق حول التوسع الخارجي على خلفية فشلها في التوصل إلى اتفاق مع الجهات التنظيمية في البلد الخارجي. تهرع إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بك وتحاول بينما تتسارع ضربات قلبك معرفة أثر ذلك الخبر على سعر السهم، لتجده بالقرب من 20 ريالاً!
 

هذا معناه أنك خسرت ما يقرب من نصف أموالك التي وضعتها بهذا السهم. على إثر ذلك تسيطر عليك حالة من الهلع وتقوم فوراً بالاتصال بالوسيط الخاص بك وتطلب منه أن يتخلص من كامل حيازتك من هذا السهم. وبعد 10 دقائق يعود الوسيط ليخبرك بأنه نفذ طلبك وتم بيع السهم مقابل 17 ريالاً.
 

تنهي محادثتك مع الرجل وسط حالة من اليأس والإحباط ولكنك فجأة تخاطب نفسك قائلاً "لن أعود إلى ذلك السوق مرة أخرى أبداً أبداً أبداً ... مهما حدث".
 

لحظة من فضلك
 

الآن، تعال لنتحدث معاً للحظة ... في البداية حاول أن تجاوبني عن السؤال التالي: السهم الذي تخليت عنه لتوك أنت شاهدته يتراجع من 38 ريالاً قبل أن يصل إلى 17 ريالاً لحظة بيعه خلال فترة قصيرة نسبياً. استناداً إلى المنطق وبعيداً على العاطفة، هذا السهم الذي يبلغ سعره حالياً 17 ريالاً فرصة صعوده أعلى أم فرصة هبوطه؟ امتناعك عن الرد يدفعني للإجابة بدلاً منك. باختصار فرصة صعوده أعلى.
 

في الأيام التالية لتخليك عن السهم يستعيد السهم عافيته بشكل جزئي بينما يستفيق من موجة البيع التي عانى منها بعد ذلك الخبر، ليصل إلى 22 ريالاً قبل أن يستقر بعدها بعدة أيام عند 26 ريالاً.



 

ما لا تدركه هو أنك كنت طوال الوقت عالقاً بداخل "دورة الطمع والأمل والهلع" التي تصيب أكثر المستثمرين الأفراد وخصوصاً قليلي الخبرة منهم. وبالمناسبة تلخص هذه القصة الخيالية بشكل كبير تجارب حقيقية مر بها الكثير من المستثمرين.
 

الدرس المستفاد من كل ما سبق هو أن عواطفك دائماً ما تعمل ضدك عندما يتعلق الأمر بالقرارات الخاصة بتوقيت البيع والشراء. وما يجب أن تدركه هو أن أفضل وقت للشراء هو ذلك الوقت الذي يبيع فيه الجميع، وأن أفضل وقت للبيع هو عندما يقبل الجميع على الشراء.
 

وأخيراً إذا كنت ترغب في تجنب الوقوع في فخ "دورة الطمع والأمل والهلع" فحاول بقدر الإمكان أن تتخذ قراراتك الاستثمارية في ضوء المنطق وبناء على تحليلات صلبة وليس على أساس العواطف.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.