نبض أرقام
04:18 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

"تأثير الثروة".. كيف تنعكس قيمة أصول الأفراد على الاقتصاد؟

2019/03/16 أرقام - خاص

في عام 1968، فرضت الولايات المتحدة ضريبة دخل إضافية على الأشخاص والشركات بنسبة 10% لوضع نهاية للإنفاق الاستهلاكي المرتفع، خشية أن يؤدي ذلك إلى فوران اقتصادي ينتهي بحالة من الركود القاسي بعد تضخم الأسعار بشكل حاد وعدم قدرة الماكينة الإنتاجية للبلاد على مجاراة الطلب المرتفع.

 

 

وجاء ذلك تزامنًا مع ارتفاع عجز ميزان المدفوعات، الأمر الذي ضخم المخاوف الاقتصادية، وقال المؤرخ "روبرت كولينز" في تحليله للأزمة، إن تدخل الحكومة الأمريكية لتقويض التضخم كان عنصرًا ضروريًا لتعزيز الدولار ووقف استنزاف احتياطيات الذهب، وفقًا لموقع "تاك هيستوري"، المعني بتوثيق التاريخ الضريبي للولايات المتحدة.

 

المحير في الأمر بالنسبة إلى الاقتصاديين الذين عاصروا هذه الحقبة، أن حتى رفع الضريبة بهذا القدر لم يساعد البلاد على كبح جماح الإنفاق الاستهلاكي، وهو ما حذر منه البعض بالفعل قبل التطبيق، ووصفها الاقتصادي "روبرت إيزنر" عام 1971 بالقيود غير الفعالة لكبح إنفاق المستهلكين، لكن التضخم الجامح بقي منذ عام 1968 وحتى أوائل السبعينيات.

 

ما المقصود بتأثير الثروة؟

 

- أرجع المحللون بعد ذلك الإنفاق الكبير والمتواصل للمستهلكين في الولايات المتحدة خلال هذه الحقبة إلى ما يعرف بـ"تأثير الثروة"، ورغم تراجع دخل المواطنين بسبب العبء الضريبي الإضافي الكبير، إلا أن ثرواتهم واصلت النمو بفضل الارتفاع المستمر لقيمة الأصول (مثل الأسهم).

 

- "تأثير الثروة" هو نظرية سلوكية تفترض أن ارتفاع قيمة محافظ الأسهم، يُشعر الأفراد بالراحة والثقة تجاه ثرواتهم، وهو ما يدفعهم إلى إنفاق المزيد، بحسب موقع "إنفستوبيديا"، لكن تعريفات أخرى تتسع لتشمل أصولاً أخرى مثل السندات والمنازل والمدخرات وغيرها.

 

- يقول موقع "إنفستنغ آنسارز": خلال الأسواق الصاعدة، تزداد قيمة المحافظ الاستثمارية إلى مستويات عالية، وبالتالي يدرك أصحاب المحافظ تلك أنهم باتوا أكثر ثراءً، وهو ما يخلق شعورًا بالقدرة على إنفاق المزيد من الأموال وعدم القلق بشأن المستقبل أو ضرورة الادخار.

 

 

- الارتفاع في ثروة الأفراد له آثار متمثلة في زيادة الإنفاق الاستهلاكي وزيادة الثقة في الاقتصاد وارتفاع أسعار الفائدة وتوزيعات أرباح الشركات والإيجارات والاقتراض، لكن هذه السلسلة من الزيادات قد تنتهي إلى نشاط اقتصادي محتدم لا يمكنه في النهاية مواكبة الطلب مع تضخم جامح.

 

- على سبيل المثال، في المملكة المتحدة، لعب ارتفاع أسعار المنازل دورًا هامًا في اقتصاد البلاد خلال أواخر الثمانينيات وبداية الألفية الثالثة، حيث أدى إلى زيادة الإنفاق بوتيرة معتدلة وإنعاش الاقتصاد، لكنه كان سببًا في الركود خلال فترات أخرى انخفضت فيها أسعار العقارات (وهو وجه آخر للتأثير، فعندما تتراجع الثروة بشكل ملحوظ يشعر الناس بالقلق والرغبة في الادخار).

 

الأثر على المستهلك والشركات

 

- كما أن للتغيرات التي تطرأ على ثروة الأفراد آثاراً على الاقتصاد وعجلة الإنتاج، فإنها تؤثر على سلوك المستهلك أيضًا، وبغض النظر عن ارتفاع الطلب الكلي المصحوب بزيادة الإنفاق، تتغير نوعية الطلب، فعلى سبيل المثال، سيدفع الثراء الأشخاص إلى تناول الوجبات الغذائية الغالية بدلًا من الرخيصة والطعام سريع الإعداد، واقتناء السلع الفاخرة بدلًا من التقليدية.

 

- إحدى نتائج "تأثير الثروة" هي زيادة حجم الرهون العقارية، فلو أن المصارف على استعداد لمنح قرض قيمته 100 ألف دولار لكل منزل قيمته 150 ألفًا، فمع تضاعف قيمة المنازل في وقت لاحق، ستمنح البنوك قرضاً يصل إلى 200 ألف دولار.

 

 

- مع ذلك، فإن كل ارتفاع في الثروة نتيجة زيادة قيمة الأصول لا يعني بالضرورة نفس النتائج، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأسهم والمنازل، وفقًا لتقرير لموقع "سلات" استشهد برأي لأستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك "ديفيد باكوس".

 

- يقول "باكوس" إن انتعاش سوق الأسهم الأمريكي في أواخر التسعينيات ساعد على زيادة ثروة مواطني الولايات المتحدة كثيرًا، لكنه لم يسفر عن تغير ملحوظ في الاستهلاك، وحتى عندما انفجرت فقاعة "دوت كوم" وانخفضت الأسهم بشكل كبير لم يكن تأثُّر الاستهلاك عميقًا.

 

- بالإضافة إلى علاقته بالإنفاق الشخصي للمواطنين، فإن نظرية "تأثير الثروة" تنطبق أيضًا على الشركات، حيث تميل الكيانات التجارية إلى زيادة معدلات التوظيف والإنفاق الرأسمالي في ظل ارتفاع قيمة الأصول بنفس الطريقة التي يتصرف بها المستهلكون.

 

ما مدى موثوقية النظرية؟

 

- هناك جدل كبير حول حقيقة "تأثير الثروة" وما إذا كان موجودًا بالفعل أم لا، خاصة في سوق الأسهم، إذ يعتقد البعض أن زيادة الإنفاق هي ما تؤدي إلى ارتفاع قيمة الأصول وليس العكس، ولكن في سوق العقارات يميل الأكثرية إلى الاعتقاد بأن زيادة أسعار المنازل تؤدي إلى إنفاق أكبر.

 

 

- يشير مؤيدو النظرية إلى أنه يمكن تحفيز الاستهلاك عبر خفض أسعار الفائدة وتسهيل منح الائتمان، خاصة في قطاعات مثل الإسكان، فغالبًا ما يؤدي هبوط الفائدة إلى تعزيز مبيعات المنازل وبالتالي ارتفاع قيمتها، ما يترتب عليه انتعاش الطلب.

 

- مع ذلك، يعتقد العديد من المحللين والاقتصاديين أن "تأثير الثروة" هو السبب وراء عدم قدرة الفائدة والضرائب المرتفعة المتزامنة مع صعود الأسواق على الحد من إنفاق المستهلكين تاريخيًا، لكن في حال كان التأثير سلبيًا يصحبه أسواق هابطة، ستكون النتيجة إحباط المستهلكين وميلهم إلى إبقاء الأموال بدلًا من إنفاقها.

 

- قال مصرف "جولدمان ساكس" منتصف يناير، إن الإنفاق على السلع الفاخرة في الولايات المتحدة معرض للخطر بسبب الاضطرابات الأخيرة في سوق الأسهم، وأرجع ذلك إلى "تأثير الثروة"، الذي قال إنه أصبح أقوى في السنوات الأخيرة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.