نبض أرقام
10:18 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30

"كاروشي" .. لماذا يعمل هذا الشعب حتى الموت؟

2017/08/31 أرقام - خاص

في أبريل/نيسان عام 2014، سقط الفلبيني "جوي توناج" البالغ من العمر 27 عاماً على أرضية عنبر بأحد المصانع الموجودة بوسط اليابان بعد إصابته بأزمة قلبية، ليموت في الحال، وذلك عقب انتهائه مباشرة من العمل لساعات إضافية فرضت عليه قسراً.
 

لاحقاً، وتحديداً في أكتوبر/تشرين الأول 2016، أفادت تحقيقات سلطات العمل اليابانية، بأن وفاة "توناج" التي حدثت قبل ثلاث أشهر فقط من موعد لم شمله مع زوجته وابنته في الفلبين، كانت مرتبطة بشكل مباشر بإجباره على العمل لساعات إضافية، لينضم بذلك "توناج" إلى ضحايا "كاروشي".
 

 

"كاروشي" وهو الاسم الياباني الذي يطلق على ظاهرة الموت المفاجئ الناتج عن العمل لفترات طويلة تحت ضغوط هائلة، وهو ما يصاحبه توتر يؤدي إلى حدوث نوبات قلبية وسكتات دماغية أو اكتئاب يعزز من الرغبة في الانتحار.
 

في كل عام يدفع الإفراط في العمل المئات وربما الآلاف من اليابانيين إلى "الموت من العمل" حرفياً.
 

ظروف نشأة الظاهرة

بدأ الأمر في سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت الأجور منخفضة نسبياً وأراد الموظفون تحسين دخولهم، واستمر الحال هكذا خلال سنوات الازدهار في الثمانينيات، عندما أصبحت اليابان ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

لم يتغير الوضع بعد أن انفجرت الفقاعة في التسعينيات، فعندما بدأت الشركات في إعادة الهيكلة، حرص الموظفون على البقاء في العمل في محاولة منهم لضمان أنهم ليسوا على قائمة من سيتم تسريحهم من العمل.
 

 

لاحقاً، يزاد الأمر صعوبة بعد دخول العمال غير النظاميين – الذين عملوا بلا مزايا أو أمان وظيفي – إلى سوق العمل، وهو ما تسبب في زيادة الضغط على العمال النظاميين الذين اضطروا للعمل لساعات أطول حتى لا يجدوا أنفسهم خارج الدائرة، لذلك لم تعد تغمض لأي منهم عين في الأيام التي تزيد بها ساعات العمل على 12 ساعة.

في عام 1987، ومع تزايد مخاوف المواطنين بشأن "كاروشي" بدأت وزارة العمل اليابانية في نشر إحصاءات عن الظاهرة، وحدث ذلك بالتوازي مع ارتفاع أعداد الدعاوى القضائية بسبب الموت من العمل، التي يطالب خلالها أقارب المتوفى بدفع تعويضات.
 

هل يقتصر الأمر على اليابان؟

- 
في الحقيقة، لا تقتصر هذه الظاهرة على اليابان فقط، حيث تقع حوادث مشابهة في بلدان آسيوية أخرى مثل الصين وكوريا الجنوبية وبنجلاديش. وتسمى هذه الظاهرة في الصين "جولاوسي"، وفي العام 2010 أفادت صحيفة "تشاينا ديلي" بأن 600 ألف صيني يموتون سنوياً بسبب الإفراط في العمل.

في كوريا الجنوبية، والتي تستوحي أخلاقيات العمل من الكونفوشيوسية، عادة ما يعمل الموظفون ساعات طويلة لستة أيام أسبوعياً، وتسمى هذه الظاهرة هناك "جواروزا".
 


ازداد عدد الدعاوى القضائية المطالبة بتعويضات بسبب "كاروشي" بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، وارتفع معه عدد الحالات التي ترفض الحكومة فيها تعويض أسر الضحايا.

إذا ثبت أن "كاروشي" هو سبب الوفاة، يحق لأسرة المتوفى الحصول على تعويضات من الحكومة اليابانية بالإضافة إلى ما يصل إلى مليون دولار من الشركة التي كان يعمل لصالحها المتوفى.

في دراسته لأسباب ونتائج "كاروشي"، وجد المجلس الوطني للدفاع عن ضحايا كاروشي الذي تأسس في عام 1988 أن اليابان لديها فترات عمل أطول بكثير من أي دولة متقدمة أخرى.

أشارت مجموعة مختلفة من الدراسات إلى أن العمال الذي يضطرون للعمل لساعات إضافية طويلة بانتظام أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية واحتشاء عضلة القلب والسكتة الدماغية، وارتفاع نسبة الهرمونات المسؤولة عن التوتر في الدم.
 

الضحايا من الرجل والنساء

لفترة طويلة، اعتُبرت "كاروشي" مشكلة متعلقة بالرجال، لكن الدراسات المتتبعة للظاهرة، أظهرت أن هناك صلات قوية بين الإجهاد الوظيفي للمرأة وبين أمراض القلب والأوعية الدموية.

في أبريل/نيسان 2016، قال "هيروشي كاواهيتو" السكرتير العام للمجلس الوطني للدفاع عن ضحايا كاروشي، إن 95% من الحالات التي ترد إليه كانت لموظفي شركات في منتصف العمر، وشكلت منها حالات الوفاة لسيدات بسبب الإجهاد في العمل نحو 20%.

وجدت دراسة أعدها باحثون من جامعة هارفارد شملت 17 ألفاً من العاملات في مجال الصحة، أن النساء اللواتي يعملن وهن في حالة إجهاد شديد يزيد احتمال إصابتهن بأمراض القلب بنسبة 40% مقارنة مع زملائهن اللاتي يعملن في ظروف طبيعية.
 

الجميع يخسر

- 
الوفاة بسبب الإرهاق لا تؤثر فقط على الأسر نفسها التي قد تخسر أحيانا عائلها الوحيد، وإنما تؤثر سلباً كذلك على المصانع التي تفقد جزءًا من الإنتاجية من ناحية، وتواجه دعاوى قضائية من ناحية أخرى، وتؤثر محصلة كل ذلك على الاقتصاد الوطني.

هل هناك حل؟ بالنسبة للعمال، من المهم جداً الحرص على ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، مما يقلل من القلق والاكتئاب ويساهم في تحسين النوم، وينبغي عليهم كذلك حين يشعرون بالإجهاد أو الإرهاق النفسي طلب المساعدة من أخصائي الصحة النفسية.

على المستوى الصناعي، ينبغي على الشركات والمصانع أن توفر ظروفاً أفضل للعمل، وهي في الحقيقة سياسة ذات عوائد اقتصادية إيجابية كبيرة على المدى الطويل. ويجب كذلك على المديرين التنفيذيين إدراك أنه من غير المعقول أو المقبول أن يفرطوا في التحامل على عمالهم.
 


على الصعيد الحكومي، ربما ينبغي على الحكومات إصدار تشريعات تعزز من الأمن الوظيفي للعاملين، وتمكنهم كذلك من المشاركة في النظر في القضايا التي تؤثر عليهم مباشرة مثل النقل والترقيات، لأن العمال الذين يشعرون بالأمان الوظيفي ستتطور إنتاجيتهم بشكل مستمر وهو ما سينعكس إيجابياً على كافة الأطراف.

أما على المدى الطويل، فتعتبر الوقاية هي الخيار الأكثر إنسانية والأقل تكلفة لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة جداً.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.