نبض أرقام
02:34 م
توقيت مكة المكرمة

2024/10/30
2024/10/29

"السوبر ماريو" يغادر المركزي الأوروبي.. نجاحات وإخفاقات في فترة عصيبة من عمر اليورو

2019/10/28 أرقام

يوليو 2012.. أزمة الديون في منطقة اليورو تصل ذروتها وطلبت اليونان وآيرلندا والبرتغال إنقاذاً مالياً، ووافقت الدول الأعضاء في التكتل الموحد بالتعاون مع صندوق النقد الدولي على ضخ ما يصل إلى مائة مليار دولار لإنقاذ النظام المالي الإسباني.

 

في تلك الفترة، بدأت الأنظار تتجه أيضا نحو إيطاليا – ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو – والتي واجهت أزمة ديون بتريليوني يورو بحيث يصعب سدادها كلها لضخامتها  ويصعب أيضا ترك روما تعاني من تلقاء نفسها لتتجه الأمور بوجه عام نحو انفجار مروع.

 

مشهد (1).. يشوبه الذعر والخوف في الأسواق العالمية وترقب وحذر لدى الساسة والبنوك المركزية:

 

 

مشهد (2).. الآلاف يحتجون في شوارع مدن أوروبية على الأزمة الاقتصادية والديون:

 

 

تولى الإيطالي "ماريو دراجي" قيادة البنك المركزي الأوروبي في نوفمبر عام 2011، وترأس هذه الهيئة المصرفية المهمة في فترة من أصعب الفترات على أوروبا بوجه عام.

 

وبعد مواجهة منطقة اليورو الأزمة بالفعل، خرج "دراجي" الملقب بـ"السوبر ماريو" قائلاً: "إن البنك المركزي الأوروبي على استعداد لاتخاذ كافة الخطوات اللازمة للحفاظ على اليورو"، ثم أردف: "صدقوني، ما سنتخذه سيكون كافيا".

 

من هو "ماريو دراجي"؟

 

- ولد "دراجي" في سبتمبر عام 1947 في إيطاليا ويناهز عمره حاليا 72 عاماً، وحصل على شهادته العليا من جامعة "لا سابيينزا" ثم نال درجة الدكتوراه من معهد "ماساتشوستس" التكنولوجي.

 

عمل "دراجي" محاضراً في كلية العلوم السياسية في "فلورنسا" كما حاضر في جامعة "هارفارد" الأمريكية، وانضم إلى عضوية مجلس إدارة البنك الدولي في تسعينيات القرن الماضي.

 

عمل أيضا في جهات مصرفية مثل بنك "جولدمان ساكس" وبنك التسويات الدولية، ثم تولى في ديسمبر 2005 منصب محافظ البنك المركزي الإيطالي.

 

تولى منصب رئيس البنك المركزي الأوروبي في نوفمبر عام 2011، وقاده في أحلك الظروف حتى قيل إنه منقذ منطقة اليورو من أزمة الديون.

 

 

"سنتخذ ما يلزم"

 

- إنها ثلاث كلمات كان لها وقع السحر على آذان المنصتين في الأسواق العالمية، إنها عبارة اشتهر بها "دراجي" منذ قدومه للمنصب حتى مغادرته بشكل رسمي هذا الأسبوع تحديداً في الحادي والثلاثين من أكتوبر.

 

لقد تم ضخ مليارات الدولارات واستثمارات في أسواق المال بمنطقة اليورو بسبب هذه الكلمات والتي تشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي بقيادة "دراجي" سيتخذ إجراءات من شأنها دعم السيولة ومعالجة الأزمة وإخراج الاقتصاد من عثرته وتحفيزه.

 

علاوة على ذلك، بثت هذه العبارة الثقة في نفوس المستثمرين والأسواق العالمية كافة والتفاؤل أيضا وبددت المخاوف من الركود أو تباطؤ نمو اقتصاد التكتل الموحد.

 

بعد شهرين فقط من توليه المنصب وفي ظل شبح أزمة الديون، أعلن "دراجي" بشكل مفاجئ خفض معدل الفائدة 25 نقطة أساس على عكس السياسة النقدية لسلفه "جان كلود تريشيه" حيث اعتبر هذا القرار هو الأول من نوعه في عامين.

 

تدهور اقتصاد منطقة اليورو عام 2012 وتعرضت أسواق السندات الحكومية لهزة عنيفة نتيجة المخاوف حيال استقرار منطقة اليورو بكاملها لتقفز العوائد على تلك السندات إلى مستويات تاريخية.

 

قرر "دراجي" أن الوقت قد حان للتدخل بقوة، وفي خطاب في لندن عام 2012، قال وقتها قولته الشهيرة: "إن البنك المركزي سيتخذ كل ما يلزم للحفاظ على اليورو".

 

كان لهذه العبارة صدى إيجابي وواسع في الأسواق العالمية، فقد اعتبرها المستثمرون والمحللون بمثابة التزام وتعهد، وعلى أثر ذلك، انخفضت العوائد على السندات بشكل حاد في منطقة اليورو.

 

أحدث "دراجي" نقلة نوعية داخل البنك المركزي الأوروبي حيث ارتفعت ميزانيته، وعرض شراء سندات طويلة الأجل على البنوك، وعندما نفدت السندات من البنوك، خفف قواعد البنك المركزي الأوروبي بشأن الإقراض، وهي خطوة كانت محفوفة بالمخاطر.

 

 

الفائدة السالبة

 

- في يونيو 2014، كان التضخم ونمو الاقتصاد بمنطقة اليورو لا يزالان تحت الضغط، وهو ما دفع "دراجي" للإعلان عن فائدة سالبة من أجل زيادة السيولة لدى البنوك ودعم الإقراض وإنعاش النمو، وكان البنك المركزي الأوروبي أول بنك رئيسي يتخذ خطوة الفائدة السالبة.

 

خفض البنك الفائدة أدنى الصفر رغم التداعيات السلبية الخطيرة من هذه الخطوة وتعالت الأصوات المحذرة من آثارها الخطيرة على استثمارات الشركات.

 

لم تكن الفائدة السالبة كافية بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، بل ذهب "دراجي" ورفاقه إلى أبعد من ذلك باتخاذ إجراءات غير تقليدية لإحداث فارق حقيقي في النمو الاقتصادي بدول المنطقة.

 

رأى "دراجي" أأن الوقت قد حان لاستخدام أداة اعتمد عليها الأمريكان لفترة طويلة، وهي التيسير الكمي من خلال شراء سندات حكومية في منطقة اليورو لدفع العوائد نحو الانخفاض ودعم الإنفاق.

 

إلى حد ما، أثمرت هذه الإجراءات من فائدة سالبة وتيسير كمي بشكل كبير، ففي آخر مؤتمراته الصحفية، أشاد "دراجي" بست سنوات من النمو الاقتصادي في منطقة اليورو وخلق عشرة ملايين وظيفة مذكراً منتقديه "أن النمو المستدام لعدة فصول كان بسبب السياسة النقدية بنسبة كبيرة".

 

 

إرث "دراجي"

 

- من المنتظر تولي رئيسة صندوق النقد الدولي السابقة "كريستين لاجارد" قيادة المركزي الأوروبي بداية من نوفمبر القادم خلفاً لـ"دراجي" الذي سيترك لها إرثاً من نجاحات وإخفاقات.

 

بدت فاعلية السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي بقرار عام 2015 بشراء سندات حكومية بدول منطقة اليورو، لكن التحديات ظلت مستمرة وحتى الآن، وأبرزها ضعف التضخم واستمرار بقائه أدنى المستهدف (2%).

 

اتخذ "دراجي" ورفاقه في أغسطس الماضي قراراً بإعادة إطلاق برنامج تيسير كمي جديد عن طريق شراء أصول بقيمة عشرين مليار يورو شهرياً رغم معارضة علنية من عدة أعضاء في البنك لهذا القرار.

 

يرى أبرز معارضي "دراجي" لهذا القرار وهو رئيس المركزي الألماني "ينس فيدمان" أن إعادة إطلاق برنامج تيسير كمي سيظلم الخط الفاصل بين السياسة المالية والسياسة النقدية (أي بين الحكومات والبنوك المركزية).

 

مما لا شك فيه أن التيسير الكمي أسهم في تضخم أسعار الأصول وتحفيز الحكومات على الاقتراض والإنفاق، لكنه في نفس الوقت تسبب في زيادة عدم العدالة في توزيع الثروات وزيادة فجوة عدم المساواة بين مواطني منطقة اليورو.

 

اتهم "دراجي" نتيجة سياساته بخلق ما يعرف بـ"اقتصاد الزومبي" عن طريق إضعاف البنوك ودعم وإنعاش المقترضين.

 

رغم الانتقادات بسبب السياسة النقدية وعودة التيسير الكمي، شدد "دراجي" في عدة مناسبات على أن البنك المركزي لا يمكنه إنقاذ الاقتصاد أو إنعاش النمو بمفرده، بل يلزم وجود سياسات مالية داعمة تعمل بالتوازي مع الجهود المبذولة.

 

يذكر في أحد مؤتمرات "دراجي" في الخامس عشر من أبريل عام 2015، قفزت إحدى السيدات المحتجات على السياسة النقدية على الطاولة وألقت بوثائق وأوراق في وجه "دراجي" صارخة: "أوقفوا ديكتاتورية البنك المركزي الأوروبي".

 

المصادر: بلومبيرغ، سي إن بي سي، فورتشن، بريتانيكا

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.