رجح التحليل الاقتصادي الأسبوعي لمجموعة QNB أن تجيء نتائج الانتخابات البرلمانية العامة التي تشهدها المملكة المتحدة الخميس المقبل، أقرب تمثيلاً للسياسات الأقل تقشفاً، ما سيكون في صالح الاقتصاد والأسواق المالية وأسعار الأصول في المدى المتوسط.
وأوضح التحليل الصادر اليوم أن أحدث استطلاعات الرأي تظهر أن الحزبين الرئيسيين في المشهد السياسي متعادلان في نسبة الأصوات حيث حاز كل من حزب العمال وحزب المحافظين على حوالي 33 في المائة من الأصوات بينما من المتوقع أن يرتفع تمثيل الأحزاب الصغيرة في البرلمان.
وأضاف أن التوقعات تُجمع على توجه البلاد نحو برلمان معلق حيث لا تعطي التوقعات المغايرة إمكانية حصول حزب المحافظين أو الحزب العمالي على أغلبية المقاعد سوى بنسبة 9 في المائة، وهو ما يرجح حدوث مفاوضات مطولة بعد الانتخابات، وترجّح التوقعات المغايرة بشكل طفيف إمكانية تكوين حكومة أقلية أو حكومة ائتلافية يقودها حزب العمال (يحتمل أن يكون بنسبة 55 في المائة).
وقال "إن أهم الاختلافات حول السياسات الاقتصادية التي يتبناها الحزبان الرئيسيان تكمن في خططهما للتقشف المالي، حيث يسعى حزب العمال لتنفيذ سياسة التقشف بوتيرة أبطأ من حزب المحافظين، ومن المرجح أن تقود السياسات المعلنة من حزب العمال إلى إبطاء وتيرة ضبط الأوضاع المالية، ما من شأنه أن يشكل نتيجة إيجابية للاقتصاد والأسواق المالية رغم وجود شكوك كبيرة حول إمكانية تحقيق هذه النتيجة".
وأشار إلى أن المملكة المتحدة كانت تشهد في الفترة التي سبقت الانتخابات الماضية سنة 2010، عجزا ماليا وصل إلى نسبة 10.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ووصل الدين العمومي إلى نسبة 66 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ورأى أن تحالف حزب المحافظين والحزب الليبرالي الديمقراطي واجه اختيارا صعبا ما بين تنفيذ سياسة التقشف من أجل التخفيف من مخاطر حدوث أزمة مالية على أن يكون الثمن هو انخفاض النمو أو عدم تنفيذ سياسة التقشف، ما من شأنه أن يحافظ على النمو مع مخاطر حدوث أزمة مالية شبيهة بتلك التي ضربت اليونان وإيطاليا وإسبانيا.
وأضاف أن التحالف ارتأى أن الفوائد التي سيجنيها من تجنب حدوث أزمة مالية تفوق تكلفة انخفاض النمو في المدى القصير، وقرر تنفيذ برنامج التقشف على أمل القضاء على العجز بحلول عام 2015.
ولفت التحليل الاقتصادي لـQNB إلى أن التقشف الذي يعني انخفاض الإنفاق وارتفاع الضرائب، من شأنه أنّ يقلص الطلب الإجمالي ويؤدي إلى إضافة عبء مالي مثبّط للنمو، مبينا أن برنامج التقشف خلف تأثيرا كبيرا على الاقتصاد البريطاني، حيث قلّص ما يقدّر بنسبة 2 في المائة من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال عامي 2010 و2011.
لكنه ذكر أنه تم التخفيف من حدة هذا التأثير عن طريق تليين السياسة النقدية، من خلال اعتماد أسعار فائدة قاربت الصفر وجولات عديدة من التيسير الكميّ من قبل البنك المركزي الإنجليزي، كما تم تخفيف برنامج التقشف في عام 2012 مع ركود الاقتصاد، ما أدى إلى الحد بشكل كبير من عبء ضبط الأوضاع المالية على الاقتصاد، وقد لعب هذا الأمر دورا مهما في تعافي اقتصاد المملكة المتحدة مع اقتراب نهاية مدّة البرلمان الحالي.
وأشار إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ 2.6 في المائة في عام 2014، وأظهرت البيانات الصادرة خلال الأسبوع الماضي أن معدل النمو وصل 2.4 في المائة للسنة حتى الفصل الأول من عام 2015، كما انتعشت أسعار الأصول في المملكة المتحدة، حيث اقترب سوق الأسهم من أعلى مستوياته على الإطلاق، وأصبحت أسعار المنازل في لندن ثاني أعلى أسعار في العالم بعد موناكو.
واعتبر أن الآراء المتباينة بشأن السياسة المالية لا تزال تحتل حيزا مركزيا في انتخابات هذا العام كما كان عليه الحال في عام 2010، وتتفق جميع الأحزاب الرئيسية حول الحاجة إلى مزيد من ضبط الأوضاع المالية.
غير أن هناك اختلافات كبيرة حول وتيرة هذه العملية، حيث يخطّط حزب المحافظين لتحقيق فائض كلّي في الموازنة بنسبة 1 في المائة في السنة المالية 2019 – 2020، وذلك انطلاقا من عجز نسبته 4.1 في المائة في 2014 – 2015، في حين يعتزم حزب العمال نهج خطة مالية مخففة تهدف لخفض العجز الحالي في الميزانية (باستثناء الانفاق الاستثماري) بحلول عام 2017- 2018.
لكن التحليل الاقتصادي لـQNB، لفت إلى متغيرين أساسيين بالمقارنة مع آخر انتخابات في 2010، هما أن خطر حدوث أزمة مالية في المملكة المتحدة أقل بكثير حاليا مما كان عليه في عام 2010، حيث تقلّص العجز بما يقارب النصف ليصل إلى 4.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014، كما أن أسعار الفائدة على الديون السيادية للمملكة المتحدة منخفضة بشكل قياسي وبالتالي، فإن الحاجة إلى التقشف تبدو أقل إلحاحا.
أما الثاني فهو أن السياسة النقدية لعبت على عكس المشاهد اليوم، دورا أساسيا خلال الفترة التي أعقبت انتخابات 2010، إذ ينتظر أن يتم تشديد السياسة النقدية بأوائل العام المقبل، فعندما تم تنفيذ برنامج التقشف في عام 2010، خففت السياسة النقدية من تأثير الضربة، لكن هذه المرة قد يجتمع تشديد كل من السياسة المالية والسياسة النقدية معا، ما قد يكون مدمرا حقا للنمو وبالتالي، فإن ضبط الأوضاع المالية بوتيرة متدرّجة قد يكون مساعدا للنمو.
وبعيداً عن هذه المناقشات المالية، تعهّد حزب المحافظين (في حال فوزه في الانتخابات القادمة) بإجراء استفتاء عام 2017 يحدّد بموجبه البريطانيون صراحة بقاءهم أو خروجهم من عضوية الاتحاد الأوروبي.
وبالرغم من أن إجراء من هذا القبيل قد يكون مزعزعا للاستقرار إلى حد كبير، إلا أنه من غير المحتمل حالياً أن يمضي حزب المحافظين قدماً في هذا الاتجاه.. فلتحقيق ذلك سيحتاج الحزب إما لأغلبية محافظين (احتمال 8 في المائة) أو ائتلاف محافظين (احتمال21 في المائة) في شراكة ثنائية فقط مع حزب الاستقلال المعادي للاتحاد الأوروبي، ولا يتوقع لمثل هذا الائتلاف أن يحرز أكثر من 43 في المائة من مقاعد البرلمان استناداً لاستطلاعات الرأي الحالية.
ومع ذلك يمكن لحالة عدم اليقين التي خلقها احتمال إجراء استفتاء حول موقف المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (الذي يعدّ أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة دون منازع) أن تكون مدمرةً للاقتصاد والشركات والأعمال التجارية.
ووفقا للتحليل، يبدو أن الناخبين البريطانيين قد تقبّلوا الاستنتاجات التي تفيد أن التقشف المالي والخروج من الاتحاد الأوروبي قد يحملان أضرارا كبيرة، فوفقاً لأحدث استطلاعات الرأي، فإن حزب العمال هو الذي يرجّح له أن يقود الحكومة البريطانية المقبلة، إما كحكومة أقلية (احتمال 36 في المائة) أو في ائتلاف (19 في المائة).
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}