أرخى ملف تضخم الايداعات في بعض الحسابات المصرفية المحلية بثقله على الساحة المحلية التي دخلت في متاهة من التجاذبات بدأت مضاعفاتها ترتد سلبا على مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية وسط توقعات بأن تبلغ مستويات ارتداد هذا الملف حدود ازمات تهدد مصير بعض المؤسسات المصرفية وتنعكس سلبا على الايداعات المالية فيها, خصوصا بعدما اقحمت بعض المصارف نفسها في لعبة التجاذب السياسي.
وشكلت التسريبات المصرفية والبلاغات المقدمة الى النيابة العامة حول بعض الايداعات هزة سياسية ومالية يرجح ان تشهد هزات ارتدادية خلال المرحلة المقبلة لن تقل حدة عما شهدته البلاد وذلك استنادا الى رأي كثير من المراقبين الذين يؤكدون ان طي تداعيات الازمة الراهنة لن يكون سهلا ومتاحا بقدر ما يتوقع مشعلو فتيلها, خصوصا بعدما اصابت شظاياها سمعة ومكانة بعض الاشخاص فضلا عن الاضرار الكبيرة التي لحقت بالسمعة المصرفية الكويتية المستهدفة اصلا بسهام النقد الخارجي للنيل من القطاع المالي المحلي باعتباره احد مرتكزات القوة للاقتصاد الكويتي.
وفي هذا السياق كشفت مصادر نيابية واقتصادية متطابقة ان هناك توجها لدى عدد من نواب مجلس الامة لطلب اجراء تحقيق في المجلس حول تعامل بعض البنوك بالمشتقات المالية, واحالة هذا الموضوع الى النيابة العامة للتحقيق فيه واتخاذ ما يلزم, لا سيما ان هذا التعامل يتم بمعزل عن مراقبة البنك المركزي وفق ما تقتضي القوانين المصرفية.
وقالت المصادر ل¯"السياسة" ان تحريات اجراها عدد كبير من النواب, بعضهم ممن جرى تداول اسمائهم في بلاغي "البنك الوطني" و"بيت التمويل" الى النيابة العامة, تقاطعت مع تأكيدات مصادر اقتصادية ومالية مفادها ان البنك الوطني قام بالتعامل خلال الاونة المنصرمة بالمشتقات المالية وتجاوزت قيمة تعاملاته الخمسة مليارات دولار اميركي, كما سجل تعامل بيت التمويل بما يقارب الملياري دولار بتلك المشتقات, وذلك بشكل مخالف للقوانين النقدية التي تخضع مثل هذه العمليات لمراقبة المصرف المركزي بالنسبة الى التعاملات المحلية, اما بشأن التعامل مع البنوك الاجنبية فلا تعلم بها الجهات المختصة الا في مراحل لاحقة.
واكدت المعلومات الموثقة بمستندات حصلت "السياسة" على نسخ منها ان نتائج التحريات الاولية والمتابعة النيابية في قضية المشتقات المالية اظهرت قدرا من المجازفة بالايداعات المصرفية, وهو ما ستسعى الجهات النيابية الى التأكد منه عبر متابعة هذا الملف مع الجهات المشرفة على البنوك بهدف معرفة النتائج الفعلية التي آلت اليها التعاملات بالمشتقات المالية, سواء كانت سلبية او ايجابية, وعلى ضوء هذه النتائج ستكون هناك آثار وانعكاسات على صعيد عدد من المصارف التي اختارت التعامل بالمشتقات مع ما لها من مخاطر لا سيما اذا ثبت ان بعض هذه الصفقات تم في اسواق غير منظمة من شأن التعامل معها المجازفة بحقوق المودعين والتسبب في الاضرار بالملاءة المصرفية المحلية.
واستنادا الى القوانين واللوائح المصرفية فان المصرف المركزي لا يستطيع اتخاذ اجراءات حيال المصارف المتداولة بالمشتقات المالية الا عندما يكتشف اتمام تلك الصفقات بشكل مخالف للقوانين , وعندها يتخذ اجراءات صارمة لا تطال المصرف كشخصية معنوية فقط وانما تطال ايضا اعضاء ادارة المصرف والشركاء في اتمام صفقات المشتقات وهو ما يضع البنك الوطني وبيت التمويل في موقف حرج اذا ما ثبت تورطهما في هذه المخالفات.
واستنادا الى بعض المصادر فان التحرك باتجاه مساءلة المصارف عن مخالفاتها يأتي في سياق الهجوم النيابي المضاد و"نشر غسيل المصارف" بعدما وضع عدد منها اعضاء مجلس الامة في دائرة الاشتباه من خلال الحديث عن تضخم ايداعات بمبالغ وحسابات كثيرة سرعان ما انحصرت ببلاغين نيابيين فقط لم يتجاوز مضمونهما حدود الحديث عن اشتباه بتزايد اموال بعض النواب بمبالغ تزيد عن مخصصاتهم المالية كنواب في مجلس الامة.
وتجمع اوساط اقتصادية ومالية متابعة ل¯"السياسة" على ان المصارف التي سربت معلومات الودائع وتقدمت ببلاغاتها الى النيابة العامة ادخلت نفسها في حراك سياسي لا طائل منه ولا دخل لها فيه, وان تلك المصارف هي التي "فتحت النار" على النواب بدءا من اثارة اجواء اتهامية ضدهم اوحت بقيامهم بعمليات غير مشروعة, وهي خطوة مصرفية غير موفقة تجاهلت فيها المصارف انها تدين نفسها بهذه التسريبات والبلاغات حيث كان يجدر بها استنادا الى القوانين المصرفية المحلية والدولية ان تمتنع عن استقبال الودائع المشبوهة اصلا, لا ان تقبلها وتتداول بها سنوات ثم تستخدمها في معارك سياسية ينبغي ان تنأى عنها وان تجنب نفسها الدخول في متاهة التجاذب السياسي.
وتضيف ان مصارف الايداعات والبلاغات اوقعت نفسها تحت طائلة المساءلة عن اسباب التكتم طويلا على "الايداعات المشبوهة" وعدم الابلاغ عنها, وتقضي القوانين النقدية بانه لا يجوز استقبال حسابات مصرفية مشتبه فيها من دون التحري عنها. واذا وجدت المصارف شبهات في حسابات معينة فعليها الابلاغ عنها, واذا لم تفعل ذلك فانها تحاسب وتعاقب وتلك هي القاعدة التي اغفلتها جهات مصرفية عندما رمت بعض النواب بالشبهات المالية.
وفي مقاربة لتطورات ملف الايداعات وتداعياته تقول اوساط اقتصادية ان ما سرب من اخبار حول الحسابات المصرفية ما كان يجب ان ينشر بالطريقة التي اثير بها, فثمة قنوات لمثل هذه الاجراءات يمكن اللجوء اليها بمعزل عن الصخب الاعلامي والتكسب السياسي والتداعيات المرتقبة على الجهاز المصرفي المحلي. علما ان اثارة الموضوع بالطريقة الفضائحية ستؤدي الى حريق كبير سيصيب اول ما يصيب البنوك التي تسببت به والتي باتت حاليا في عين المواجهة مع النواب الذين يمهدون لحرب مضادة مع بعض المصارف لا سيما ان البلاغات التي قدمت الى النيابة العامة لا تتجاوز الاشتباه, وان المسألة باتت في عهدة النيابة العامة التي ستعمد الى اتخاذ الاجراء المناسب في حال ثبت وجود غسل اموال او شبهة تمويل جهات ارهابية, واذا لم تكتشف وجود شيء من هذا القبيل فان المصارف ستكون قد فتحت على نفسها ابوابا لن تستطيع اقفالها في وجه العواصف التي ستهب عليها وتنذر بمخاطر كبيرة لا تنحصر بمكانتها المالية وانما تهدد مصيرها برمته.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}