في مطلع القرن العشرين، هيمنت شركة "ستاندرد أويل" على نحو 90% من إنتاج النفط في الولايات المتحدة، ونسبة مماثلة تقريبًا من عمليات التكرير وبيع المنتجات النهائية، بعدما قضت على المنافسة بشكل شبه كامل خلال العقود القليلة الأخيرة من القرن التاسع عشر.
هذه الهيمنة، لا شك كانت مصدر اتهامات عديدة في مقدمتها الاحتكار، وأثارت مخاوف الكثيرين في الولايات المتحدة خصوصا المنظمين، فأقامت الحكومة الأمريكية دعوى قضائية ضد الشركة في عام 1906 مستفيدة من قانون "شيرمان" لمكافحة الاحتكار الصادر عام 1890.
وبعد سنوات من التداول والجدال داخل أروقة المحاكم، أصدرت المحكمة العليا في أمريكا قرارها عام 1911 بفصل أعمال "ستاندرد أويل" وتقسيمها إلى 34 شركة مختلفة، تشعب منها واستحوذ على أجزاء من أعمالها لاحقًا شركات شهيرة مثل "شيفرون" و"إكسون موبيل" و"ماراثون".
وبعد ذلك، نجح قانون "شيرمان" في إخضاع العديد من الكيانات التي اعتبرتها الدولة الأمريكية "احتكارية" مثل "أمريكان توباكو" و"ألكوا" و"إيه تي آند تي"، ما أثار هاجسًا لدى بعض المستثمرين من أن نهج النمو سيكون له حدود في نهاية المطاف وستقوضه المخاوف الحكومية، ما يهدد طموحاتهم لتعظيم القيمة.
في الحقيقة، لا يبدو هذا القلق مبررًا، فحتى تقسيم أعمال "ستاندرد أويل" لم يحرم مؤسسها وأحد ملاكها الرئيسيين "جون روكفلر" من جني مكاسب هائلة، فمن المعروف أن رائد الأعمال الأمريكي حاز على لقب أول ملياردير في العالم بحلول عام 1916، أي بعد خمس سنوات من فصل الأعمال.
بعيدًا عن الرغبات الحكومية.. ما مكاسب الفصل؟
- في الواقع، وبالنسبة لأسواق الأسهم، فإن الأنشطة التجارية المستقلة ما دامت تعمل على نحو سليم، فإنها تزدهر بشكل أكبر من نظيرتها المرتبطة بكيان أوسع نطاقًا، ذلك أنها تتمع بحرية أكبر في قيادة نفسها والأخذ بزمام المبادرة، بحسب تقرير لمجلة "شيرز مجازين" البريطانية.
- استقلال الأعمال الناجحة يحررها أيضًا من قيود الإدارة التي قد تكون أكثر اهتمامًا بأجزاء أخرى من النشاط التجاري الأوسع نطاقًا ولا يسعها اتخاذ القرارات بسرعة، كما أن الأسواق في بعض الأحيان لا تعترف بالقيمة الحقيقية للأعمال ما دامت جزءًا من نشاط أوسع.
- بمعنى آخر، فإن أسعار أسهم الشركات الكبرى غالبًا ما تعكس قيمة أقل مما تستحقه بعض أعمالها، وبفصل هذه الأعمال ومنحها الاستقلالية، تساعد الشركة على تحرير القيمة الحقيقية لها، وهو ما يعني نمو استثمارات المساهمين وفتح فرص واعدة أمام المستثمرين الجدد.
- هناك ما يعرف بـ"قيمة التقسيم أو الانفصال"، وهي مجموع قيم أنشطة الشركة المتداولة، ويحدده المستثمرون عبر إجراء تحليل مفصل لكل قطاعات أعمال الشركة بشكل مستقل، وهو أمر يتعلق غالبًا بأسهم الشركات الكبرى التي تعمل في مجالات متعددة، بحسب "إنفستوبيديا".
- إذا شعر المستثمرون بأن القيمة السوقية للشركة المتداولة ظلت أقل من "قيمة الانفصال" لفترة طويلة من الزمن فإنهم قد يقررون إجراء تحليل أكثر تفصيلًا، وإذا وجدوا ضعفًا في الأداء أو لم يرق السهم لمستوى القيمة الكاملة، فقد يطالبون بتقسيم الشركة.
الأعمال المنفصلة أفضل أداءً
- احتساب قيمة الانفصال يحتاج لتوافر بيانات مفصلة ودقيقة حول الشركة، مثل الإيرادات والأرباح والتدفقات النقدية لكل وحدة تشغيلية من الوحدات الرئيسية، وبمساعدة التقييمات النسبية التي تستند إلى المنافسين في الصناعة المقصودة يمكن استخلاص قيمة النشاط.
- في تحليل أجراه المصرف الاستثماري الألماني "برينبرغ" لنحو ألف سهم أوروبي تم فصلها خلال السنوات العشر المنتهية في 2018، تبين أن الكيانات التجارية المنفصلة تفوقت على أداء السوق بنسبة 11% خلال السنة الأولى من التداول.
- دراسة أخرى أجريت عام 2003 من قبل كلية "كرانت" للإدارة، وجدت أن الشركات التابعة التي يتم فصلها، تتفوق على أداء الشركات الأم السابقة بأكثر من 20% على مدى السنوات الثلاث التالية لعملية الفصل، ويتركز أكبر قدر من الزيادة في العائدات خلال الاثني عشر شهرا الأولى من التداول.
- هناك العديد من الصناديق المتداولة تتعقب الشركات التي تم فصلها، مثل "فانيك فيكتورز سبين-أوف" في بورصة نيويورك، والذي تم إطلاقه عام 2015، وارتفع بنسبة 44.7% في العام التالي متفوقًا على مؤشر العائد الإجمالي لـ"إس آند بي 500" بنسبة 11.2%.
جدل معاصر
- كما كانت شركات مثل "ستاندرد أويل" و"يو إس ستيل" للحديد موضع جدل ومطالبات بالتفكيك لوضع حد لاتهامات الاحتكار والممارسات غير العادلة الموجهة إليها، فإن شركات مثل "فيسبوك" و"جوجل" و"أمازون" المسيطرة على الفضاء الإلكتروني، أصبحت داخل دائرة الضوء.
- هناك جدل دائر ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن في أوروبا وأماكن أخرى من العالم، حول الهيمنة والنفوذ الهائل لهذه الشركات في الأسواق التي تعمل بها، مثل "فيسبوك" في التواصل الاجتماعي و"جوجل" في الإعلانات عبر الإنترنت و"أمازون" في التجارة الإلكترونية والحوسبة السحابية.
- هذه الهيمنة خلقت ما يعرف بـ"تأثير الشبكة" حيث أصبح مستخدم الإنترنت مضطرًا للانضمام إلى المنصة التي يستخدمها الجميع، وهو ما يمنح هذه الشركات سطوة تجعل من الصعب إخضاعها لقوانين مكافحة الاحتكار وتفكيكها في نهاية المطاف.
- مع ذلك، فإن هذا النفوذ لم يمنع إثارة تكهنات قوية مؤخرًا بقرب إخضاع "ألفابت" المالكة لمحرك البحث "جوجل" للتحقيق حول ارتكابها ممارسات احتكارية، الأمر الذي أثار قلق المساهمين، حيث قد يفضي في النهاية إلى تقسيم أعمال الشركة الأم.
- تقول محللة الأسهم التي تتعقب أداء "ألفابت"، "لورا مارتن" لـ"ماركت ووتش"، إن مساهمي "ألفابت" قد يرون زيادة قدرها 50% في قيمة استثماراتهم، وتعتقد أن سعر السهم قد يصل إلى أكثر من 1500 دولار في سيناريو التفكيك (يتداول قرب 1070 دولارًا حاليًا).
- متفقًا مع "لورا" يقول تقرير لموقع "ذا بارونز"، إن فصل "يوتيوب" عن "ألفابت"، و"إنستجرام" و"واتساب" عن "فيسبوك"، و"أمازون ويب سرفيسز" (يمكن أن تكون واحدة من أكبر 10 شركات في العالم) عن "أمازون"، سيعود بالنفع في المقام الأول على المساهمين، لأنه يسهم في خلق قيمة إضافية هائلة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}