يعاني بعض أفراد المجتمع من إعاقات مختلفة، سواء كانت جسدية مثل بتر أحد الأطراف، أو عقلية مثل حالات التوحد أو التأخر العقلي، ويبقى التعامل الملائم حيويًا ومطلوبًا، ليس فقط من الناحية الإنسانية -على أولويتها وأهميتها- ولكن من الناحية الاقتصادية أيضًا.
قوة كبيرة
وتقدر دراسة لمنظمة العمل الدولية عدد أصحاب القدرات الخاصة بحوالي 650 مليون شخص حول العالم، يشكلون حوالي تُسع سكانه، من بينهم حوالي 450 مليون شخص في سن العمل، بما يدفع المنظمة للتأكيد على أن إدماجهم في قوة العمل ليس رفاهية، لا بالنسبة لهم ولا لمجتمعاتهم.
وأجرت الدراسة تقييما على دول لا تقوم بإدماج أصحاب القدرات الخاصة في منظومة العمل بشكل جيد، ومن بينها الصين وفيتنام وإثيوبيا وغيرها، حيث تخسر تلك الدول 3-7% "زيادة محتملة" في الناتج المحلي الإجمالي بسبب عدم إدماج المعاقين في الاقتصاد بالصورة الملائمة.
ويرجع عدم الاندماج إلى العديد من الأسباب وفقًا لدراسة للأمم المتحدة لعل أبرزها "الصورة الذهنية" المتعلقة بضعف إنتاج أصحاب القدرات الخاصة مقارنة بالأصحاء، ولذلك لا يفضل أرباب العمل توظيفهم.
وتعترف ورقة بحثية للحكومة البريطانية بأنه على الرغم من إقرار إلزام المؤسسات المختلفة بتعيين نسبة تتراوح بين 4-7% من بين العاملين فيها من بين أصحاب القدرات الخاصة إلا أن ذلك لم يكن له نفع حقيقي على الاقتصاد.
تمييز ودخل أقل
ويرجع ذلك إلى أن الشركات لا تقوم بتحري توظيف الأنسب لها، وتبحث فقط عمن "يكمل الأوراق الرسمية" ويجنبها العقوبات الحكومية، بل إن الحكومة البريطانية نفسها لا يتعدى نسبة أصحاب القدرات الخاصة فيها 5% غالبيتهم قد يكون "أسيء توظيفهم" بدرجة أو بأخرى.
وتعتبر الأمم المتحدة التوظيف بهذا الشكل بمثابة "استمرار للتمييز" ضد أصحاب القدرات الخاصة، فبدلًا من تفعيل استخدام قدراتهم سواء الطبيعية أو تلك التي اكتسبوها عبر الدراسة كغيرهم من الأصحاء يتم توظيفهم "بشكل عنصري" فقط لإكمال المشهد العام وليس للاستفادة الحقيقية.
وبناء على ذلك تشير دراسة لمؤسسة "هاميل" الأمريكية لمتحدي الإعاقة إلى أن الأمريكيين الذين يعانون من إعاقة يقل دخلهم في المتوسط بنسبة 25% عن الأصحاء بما يعكس أمرين أولهما معاناتهم اقتصاديًا، وثانيهما عدم مساهمتهم في الإنتاج بالشكل المطلوب (ولذلك يقل العائد الذي يحصلون عليه).
بل والأسوأ من هذا فقد انخفضت نسبة العاملين من أصحاب القدرات الخاصة في الولايات المتحدة من 25% عام 2001 إلى 16% عام 2015 بما يعكس اتجاهًا لعدم توظيفهم ، خلافًا لما هو مطلوب بالمزيد من الاندماج في الاقتصاد.
ووفقًا لدراسة لـ"معهد الدراسات الاقتصادية" الأمريكي فإن أكثر من 50% أصحاب القدرات الخاصة فقدوا وظائفهم في الولايات المتحدة إبان الأزمة المالية العالمية، إذ مالت الأعمال والشركات المضطرة لتخفيض العمالة إلى الاستغناء عنهم أولًا.
لهذا تختلف ألمانيا
وبشكل عام كلما ازدادت درجة الإعاقة (التي يمكن تصنيفها إلى 3 مستويات: شديدة ومتوسطة وطفيفة) ترتفع نسبة البطالة، ويظهر في المقابل دور شبكات التكافل الاجتماعي الأهلية والإعانات الحكومية في إمداد أصحاب القدرات الخاصة بالدعم.
وفي المقابل، تأتي ألمانيا التي لا يختلف دخل أصحاب القدرات الخاصة فيها عن هؤلاء الأصحاء إلا بنسب هامشية للغاية بصعب تعميمها على المستوى القومي بما يعكس إدماجهم في الاقتصاد بصورة أكبر من نظرائهم الأمريكيين.
ويرجع هذا إلى قيام الهيئة الألمانية القومية لأصحاب القدرات الخاصة، ومعها عشرات المؤسسات الأهلية الكبيرة بعمل برامج تأهيلية واسعة، تتيح لأصحاب القدرات الخاصة العمل في وظائف تلائمهم تمامًا ويمكنهم القيام بها مثل الأصحاء بما يفيدهم ويفيد المجتمع بطبيعة الحال.
ولعل أحد أهم أسباب تفوق ألمانيا في هذا الصدد أيضًا هو مجانية التعليم المدعوم حكوميًا لأصحاب القدرات الخاصة، بينما تزاداد نسبة الأمية في دولة مثل بنجلاديش بين المعاقين إلى 4 أضعاف النسبة نفسها بين الأصحاء بسبب ارتفاع تكلفة التعليم في حالة أصحاب القدرات الخاصة، والفقر الذي تعانيه البلاد.
ويبقى المؤكد أن إدماج أصحاب القدرات الخاصة في الاقتصاد ليس فقط "حقا إنسانيا" لهم، ولكنه يعود بالفائدة على كل الأطراف بدءًا بهم أنفسهم مرورًا بقطاع الأعمال انتهاء بالاقتصاد ككل، ليبقى التعليم المناسب والتوجيه والتدريب للوظائف الملائمة حجر الأساس في تحقيق هذا الاندماج المطلوب.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}