تتخذ الشركات حول العالم إجراءات خاصة وتتواصل مع الحكومات وتحاول التأثير على التشريعات بما يرسخ مكاناتها ويضمن مصالحها، لكن لو تخلت السلطات في مكان ما عن قانون مكافحة الاحتكار وأطلقت العنان لعمليات الدمج، سيسيطر عدد قليل من اللاعبين على أي سوق، بحسبت تقرير لـ"ماركت ووتش".
هذا النهج الذي يصفه البعض بخنادق القلعة (تحاط الحصون العسكرية بخنادق مياه لضمان عدم وصول الأعداء إلى الأسوار)، تعاظم بفضل الفشل في تطبيق مكافحة الاحتكار، والتي تعتبر السمة الشائنة لاقتصادات مثل الولايات المتحدة، وفقًا لكتاب "أسطورة الرأسمالية: الاحتكارات وموت المنافسة" للاقتصاديين "جوناثان تيبر" و"دنيس هيرن".
حتى أكبر اقتصاد في العالم لم يسلم
- تتمتع الشركات المحصنة من المنافسة بهوامش ربح مرتفعة للغاية وعائدات كبيرة على رأس المال المستثمر، نتيجة قدراتها على فرض رسوم أكبر بكثير على العملاء مقابل السلع والخدمات التي تقدمها، إضافة إلى دفعها أجورًا أقل للعمال والموردين.
- على سبيل المثال، تعتمد شركات الأدوية على براءات الاختراع وتعدل الصيغ الكيميائية لتمديد هذه الحماية إلى أجل غير مسمى، وبالنسبة لملكية الإعلانات عبر الإنترنت فتهيمن عليها شركتا "جوجل" و"فيسبوك"، واستطاعت الأولى تقويض جهود منافسين صغار دون عقاب بالفعل.
- تتحكم أربع شركات طيران الآن في السفر الجوي التجاري الأمريكي بفضل عمليات التسعير التي تضع ضغوطًا هائلة على المنافسين، وأصبح لدى المستهلكين خيار أو اثنان على الأكثر فيما يتعلق بخدمات الإنترنت والتلفزيون وفي بعض الأماكن يشمل ذلك أيضًا الاتصالات.
- يسيطر عدد قليل من البنوك الكبرى على الخدمات المصرفية في البلاد، وتقوم شركات التأمين الصحي بتقسيم البلاد بينها بحيث تقتصر المنافسة على عدد قليل جدًا منهم داخل كل ولاية، فيما أصبح المزارعون بمثابة خدم للموزعين بسبب الدور الذي تلعبه شركات المنتجات الزراعية.
- حتى سوق النظارات يعاني من قلة المنافسة الناشئة عن فشل مكافحة الاحتكار، فمثلًا الشركة الإيطالية "لوكسوتيكا" لديها عقود مع كبار المصممين، ما يمنحها هيمنة على 50% من سوق إطارات النظارات في الولايات المتحدة، كما أن لديها منافذ بيع بالتجزئة كبيرة.
- مع ذلك، لا تشعر الشركة بالرضا عن حجمها وقدرها في السوق وعرضت الاندماج مع صانعة العدسات الفرنسية "إسيلور" التي تهيمن على 40% من سوق العدسات الأمريكي، ولعل كل ذلك يفسر سبب بيع بعض المنتجات بالتجزئة مقابل 10 و20 مرة تكلفة الإنتاج.
خلاف بين الاقتصاديين
- إنفاذ تشريعات مكافحة الاحتكار تعرض لصفعة قوية جراء المشاركة الحكومية الكبيرة في الاقتصاد، وفقًا لبعض الاقتصاديين أمثال "ميلتون فريدمان"، الذين اعتقدوا أن الاحتكارات لن تظهر إذا تم إزالة جميع القيود التنظيمية والتدخلات الحكومية بما في ذلك المتعلقة بمكافحة الاحتكار.
- لكن هؤلاء نسوا رؤية "آدم سميث" التي استشهد بها "تيبر" و"هيرن" والتي تقول: نادرًا ما يتفق أناس من نفس التجارة معًا، حتى من أجل تسهيلها، وعادة ما تنتهي المحادثة بينهم إلى مؤامرة ضد العامة، أو في بعض الأوقات إلى السعي وراء رفع الأسعار.
- من جهة أخرى، صحيح أن الحجم قد يكون مفيدًا للمستهلكين في بعض الأوقات، فمثلًا تضغط "وول مارت" على الموردين وتبسط الخدمات اللوجستية لتقديم منتجات منخفضة الأسعار في النهاية، لكن نفس شركة تدفع رواتب منخفضة للعاملين وتسببت في إفلاس بعض الموردين.
- في الوقت ذاته، يصعب في بعض الصناعات مثل الاتصالات، تحقيق كفاءة اقتصادية كبيرة لبناء شبكات كبيرة تحتاج لبنية تحتية وتقنيات معقدة، وذلك حال كانت الصناعة مجزأة بها الكثير من المنافسين صغار الحجم.
تأثير الشبكة: ابتكارات احتكارية محصنة
- هناك ميزة كبيرة تحظى بها شركات الإنترنت التي حفرت بالفعل خناق أكثر وأعمق عن الشركات التقليدية في الماضي، وتستفيد "جوجل" و"أمازون" و"فيسبوك" مما بات يعرف بـ"تأثير الشبكة"، فإذا كنت تريد أن تصبح متصلًا بشبكة اجتماعية، فعليك الانضمام إلى تلك التي يستخدمها الجميع.
- يقول "تيبر" و"هيرن": قوة المنصات تجعلها فئة مختلفة من الشركات، إنهم يضعون القواعد التي تحكم عالمهم، ونحن ببساطة نعيش فيه فقط، وفي حين يمكن لإنعاش قوانين مكافحة الاحتكار تقسيم شركة مثل "لوكسوتيكا" أو منع غيرها من الظهور، لكن بعض الميزات التنافسية اليوم مقاومة للتجديد التشريعي.
- في النهاية، فإن الاعتقادات التقليدية بشأن مكافحة الاحتكار على مدار عقود وضعف سطوة الحكومات، كانت سببًا في زيادة عدم المساواة في الثروة والدخل وركود أجور الطبقة الوسطى، إضافة إلى تقلب الإنتاجية.
- يقول "تيبر" و"هيرن" إن وجود حكومة قوية أمر ضروري للحفاظ على المنافسة، وفي الوقت الذي يقولان فيه إن المزيد من الحرية أمر مهم ومطلوب، فإن المزيد من المنافسة والدعم للرأسمالية مطلوب بقوة أيضًا.
- يعتقد الاقتصاديان، أنه وفقًا للأدلة التي خلصا إليها، تميل الرأسمالية غير المقيدة نحو عمليات الاندماج الشرسة والاحتكار، ويؤكدان أن التدخل الحكومي يظل أداة جوهرية للحفاظ على المنافسة الحرة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}