بينما يفكر الأمريكيون في التكنولوجيا وشركات التكنولوجيا، عادة ما تتبادر إلى الذهن شركات مثل أمازون وآبل وجوجل، لا سيما في ظل ازدهار الابتكار في هذه الشركات بما يجعل كثيرين يرون الولايات المتحدة بمثابة مركز عالمي للابتكار.
لكن الأستاذين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "جوناثان جروبر" و"سيمون جونسون" يؤكدان معاناة الولايات المتحدة من أزمة حقيقية في مجال الابتكار في كتابهما "تحريك أمريكا: دورالإنجازات العلمية فى إعادة إحياء النمو الاقتصادي والحلم الأمريكي".
تراجع في الإنفاق
ويرى المؤلفان أن أمريكا تواجه تحديين كبيرين ومتشابكين فى مجال اقتصاد الابتكار، الأول أن المعدل الإجمالي للابتكار قد تباطأ، وهذا ينعكس في المعدل البطيء للغاية لنمو إنتاجية العمل خلال العقد الماضي.
أما التحدي الثاني فهو أن زيادة إنتاجية العمل، أو مقدار إنتاج العمال فى الساعة، هو المحرك الوحيد للرفاهية الاقتصادية في المستقبل، لأنه يحدد مستوى نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، ويسهم في توزيع أفضل للثروة.
ويبرز هنا السؤال حول سبب تراجع الابتكار في الولايات المتحدة، ويرجع هذا ببساطة إلى أنه ابتداءً من أواخر الثمانينيات من القرن الماضي إبان نهاية الحرب الباردة، قامت الحكومة الفيدرالية بتقليص استثماراتها في العلوم والأبحاث بشكل كبير.
وقررت الحكومة الفيدرالية أنه يمكنها التقليص من كل أدوات وعوامل الابتكار اللازمة لتنمية وازدهار اقتصاد الابتكار بصورة كبيرة. وكانت النتيجة أن الحكومة الفيدرالية تنفق حالياً على البحث والتطوير كحصة من الناتج المحلي الإجمالي أقل بكثير مما كانت تنفقه في فترة الستينيات وصولا إلى الثمانينيات من القرن الماضى.
إنكار لفائدة المساهمات الحكومية
ومثلما ستكون النتائج في انخفاض غلة المحصول واضحة للمزارع الذي يخفض الخصوبة، فإن النتائج واضحة للاقتصاد الأمريكي متمثلة فى وجود معدلات نمو إنتاجية هزيلة للغاية بحيث تجعل من الصعب رفع الأجور الحقيقية.
ومن أجل تحسين أداء الاقتصاد الأمريكي فعليًا وزيادة الدخل في جميع المجالات نحتاج إلى الاستثمار بكثافة في العلوم الأساسية للحوسبة، وصحة الإنسان، والطاقة النظيفة ومجالات أخرى، بما يسهم في تحسين قدرة العمال والموظفين على تعظيم إنتاجيتهم وبالتالي زيادة نصيبهم من ناتج العملية الإنتاجية.
وخلال السنوات السبعين الأخيرة كان للدعم الفيدرالي للبحث والتطوير دور رئيسي في تحويل أمريكا إلى أغنى وأقوى دولة على وجه الأرض، بدءاً من تمويل الحرب العالمية الثانية للرادار في بوسطن، مرورًا بإنجازات وكالة "ناسا".
وتمتد الإنجازات إلى الدور المركزي للحكومة الفيدرالية في تمكين ثورة الكمبيوتر والإنترنت الحالية، وحل غموض الجينوم البشري، حيث دفعت الأبحاث والتطوير الفيدرالية مبالغ طائلة في تلك المجالات ولكن آثارها كانت إيجابية للغاية على الاقتصاد.
والمثير للسخرية أن مركز أبحاث مرموقا مثل "أبحاث السوق الحرة" أقر خلال مناقشة حول مستقبل تكنولوجيا الاتصالات السلكية واللاسلكية أن الولايات المتحدة ليست بحاجة للاستثمار الحكومي، مشيرين إلى أن أهم المخترعات خلال المائة عام الأخيرة وهو الإنترنت جاء بسبب جهود القطاع الخاص.
إحياء الحلم الأمريكي
وبالطبع يتناقض هذا مع الحقيقة التي يقرها الجميع بوجود دور مركزي ورئيسي لوزارة الدفاع الأمريكية في وضع فكرة الإنترنت وتمويله بالكامل في أولى مراحله، قبل أن يصبح تطوره مسألة مرتبطة بالعرض والطلب.
ووفقًا للكتاب، فإن الأبحاث في المجالات "المفيدة" مثل الطاقة النظيفة وإعادة التدوير وغيرها تتم بالفعل في القطاع الخاص الأمريكي، غير أن نطاقها محدود ومن الممكن مضاعفته وتحقيق اختراقات سريعة حال توافر التمويل الحكومي.
ويبرز دور الابتكار واضحًا في أماكن شهيرة مثل "أوستن" و"بوسطن" و"سياتل" و"سيلكون فالي"، حيث تنعم تلك الأماكن وعدد قليل غيرها بالازدهار، كما تتمتع بدورة إيجابية تبدأ بالمزيد من الابتكار ما يؤدي إلى المزيد من الشركات الناشئة ثم إلى المزيد من الابتكار وهكذا.
وفي الوقت نفسه، تفتقر مساحات شاسعة من الولايات المتحدة، خاصة المناطق غير الساحلية، إلى نفس الأداء الجيد عندما يتعلق الأمر بالابتكار والوظائف الجيدة التي تنتج عنه، خاصة في ظل تمركز 7 من أعلى 10 مناطق دخلًا في الولايات المتحدة حول مراكز الابتكار.
والأزمة الحقيقية في رأي مؤلفَيْ الكتاب أنه إذا لم تستفد شريحة كبيرة من الأمة من الابتكار أو البحث والتطوير الفيدراليين، فمن المرجح ألا تطلب من مسؤوليها المنتخبين إعطاء الأولوية للابتكار على نطاق واسع أو توفيرالتمويل الفيدرالي للبحث والتطوير على وجه التحديد، ليبقى "الحلم الأمريكي" المتمثل في قدرة كثيرين على التقدم اقتصاديًا محل شك.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}