عندما يتحدث الناس عن مفاتيح الصحة الجيدة فإنهم دائماً ما يركزون على أهمية الموازنة بين العقل والجسد والروح، ويتجاهلون بشكل غريب الوضع المالي للفرد كعنصر مهم ضمن تلك المعادلة. فالصحة والثروة مترابطان إلى حد كبير، وتعرض الفرد لصدمة مالية شديدة من الممكن أن يسبب له المرض أو حتى الموت.
في هذه الأيام عندما ينخفض سوق الأسهم تنخفض معه صحة الكثير من المستثمرين ويذهب ببعضهم إلى المستشفى ويصبحون أكثر عرضة للإصابة بالأزمات القلبية وارتفاع ضغط الدم وربما يفقدون حياتهم تماماً إثر حالة القلق والتوتر الشديد التي يعيشون فيها.
الأزمات القلبية والسوق
في دراسة نشرتها المجلة الأمريكية لأمراض القلب في ديسمبر من عام 2010 قام باحثون من جامعة ديوك بمراجعة السجلات الطبية لحوالي 11 ألف و590 شخصاً خضعوا لفحوصات تتعلق بأمراض القلب على مدار ثلاث سنوات، قبل أن يقوموا بمقارنة معدلات الأزمات القلبية الشهرية مع حالة سوق الأسهم سواء صعودية أو هبوطية.
وجد الباحثون أن الأزمات القلبية ازدادت بشكل مطرد خلال الثمانية أشهر الممتدة من سبتمبر من عام 2008 إلى مارس من عام 2009، وهو ما تزامن مع تدهور أداء سوق الأسهم الأمريكي كما يوضح الرسم البياني التالي والذي يوضح العلاقة بين معدلات الأزمات القلبية وحالة مؤشر ناسداك:
وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن المستثمر لا يمكنه التحكم في حالة سوق الأسهم إلا أن باستطاعته أن يأخذ احتياطيات إضافية لحماية قلبه من التعرض لأي أزمات في حالة تدهور السوق وخسارته للأموال. وتشمل هذه الاحتياطيات اتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
في دراسة أخرى منفصلة تحت عنوان "القلق بشأن سوق الأسهم: أدلة من سجلات المستشفيات" قام اثنان من أساتذة المالية بجامعة كاليفورنيا سان دييجو بفحص سجلات استقبال المرضى بمستشفى كاليفورنيا على مدار الـ30 عاماً الممتدة من عام 1983 إلى 2011 بغرض معرفة ما إذا كانت هناك علاقة بين أعداد المرضى وبين حالات الصعود والهبوط التي يمر بها سوق الأسهم من آن إلى آخر.
ولاحظ الأستاذان في الدراسة وجود زيادة فورية تقريباً في أعداد الحالات التي يستقبلها المستشفى في كل مرة تهبط فيها البورصة، وأغلب هؤلاء الذين يدخلون المستشفى في ذلك الوقت هم أولئك الذين يشتكون بالفعل القلق أو الاكتئاب أو حالات أخرى من التوتر النفسي والعصبي.
على سبيل المثال، ارتفع معدل استقبال المرضى بأكثر من 5% في الإثنين الأسود الموافق الثاني من أكتوبر من عام 1987، وهو اليوم الذي انخفضت فيه البورصة الأمريكية بنحو 25%. وخلصت الدراسة إلى أن هبوط السوق بنسبة 1.5% رفع من حالات دخول المرضى مستشفى كاليفورنيا بنسبة 0.26% خلال اليومين التاليين.
المستثمر قد يفقد حياته
في دراسة ثالثة نشرتها المجلة الأمريكية للطب الوقائي، فحص فريق بحثي من جامعة سان دييجو أنماط بحث الأمريكيين على محرك البحث "جوجل"، ليكتشف أنه خلال الأزمة المالية الأخيرة ارتفعت بشكل كبير عمليات البحث عن المعلومات المتعلقة بالأمراض الصحية.
قارنت الدراسة الفرق التراكمي بين الاستفسارات الملاحظة والمتوقعة بناءً على الاتجاهات السابقة لفترة الدراسة والتي امتدت من ديسمبر 2008 إلى عام 2011.
خلال الأزمة شهدت عمليات البحث من قبل الأمريكيين عن أعراض قرحة المعدة وأعراض الصداع زيادة مذهلة بلغت 228% و193% على التوالي. في حين ارتفع البحث عن أمراض رئيسية مثل الصداع والفتق وآلام الصدر وعدم انتظام ضربات القلب بنسب بلغت 41% و37% و35% و32% على التوالي.
والأسوأ من كل ما سبق هو أن الأمر قد يتطور لتدفع خسائر سوق الأسهم المستثمرين إلى نهاية أكثر سوءاً.
في كل عام يموت حوالي 1.2 مليون شخص حول العالم في حوادث الطرق، وذلك وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وفي عام 2017 توفي ما يقرب من 40 ألف أمريكي نتيجة لحوادث السيارات، بحسب ما أشارت إليه بيانات مجلس السلامة القومي الأمريكي.
وفي حين أن أسباب أغلب تلك الحوداث تعود إما إلى القيادة تحت تأثير الخمور أو المخدرات أو تشتت انتباه السائق، إلا أن دراسة حديثة تشير إلى أن هناك سببا آخر يتسبب في وقوع عدد من تلك الحوادث.
في دراسة صادرة في أغسطس 2018 تحت عنوان "عندما يقودك سوق الأسهم إلى الجنون" لاحظ ثلاثة باحثين من جامعتي ساوثهامبتون الإنجليزية وبولزانو الإيطالية وجود علاقة بين الوفيات الناتجة عن حوادث السيارات وبين انخفاض أسعار الأسهم، وأن أداء السوق يؤثر بشكل ما على الحالة النفسية للسائقين.
باستخدام بيانات تعود للفترة ما بين عامي 1990 و2015 لاحظ الباحثون أن تراجع سوق الأسهم بنسبة 1% يزيد من عدد الحوادث المميتة بنسبة 0.5%، وهو ما أرجعته الدراسة إلى أن خسائر سوق الأسهم تدفع المستثمرين الجالسين خلف عجلة القيادة إلى القيادة بأسلوب متهور فيه بحث عن المخاطر.
كيف تحافظ على حياتك في سوق الأسهم؟
في البداية يجب أن تعلم أن المستثمر الحكيم هو من يستثمر فقط المال الذي يمكنه تحمل خسارته بالكامل. ففي سوق الأسهم تحديداً لا توجد ضمانات لأي شيء. ولذلك من الأفضل أن تتجنب الاستثمار بأموال لا تملكها، ولا يجب أيضاً أن تخاطر باستخدام رافعة مالية كبيرة، والأهم من كل ما سبق: لا تضارب، فأغبى شيء قد يفعله أي مبتدئ حديث عهد بالسوق هو المضاربة.
قم بإعداد استراتيجية للتعامل مع هبوط السوق قبل أن يحدث، وبمجرد أن تحدث الهزة التزم بالاستراتيجية التي أعددتها مسبقاً وحاول التغلب على الشعور بالخوف من أن تفعل عكس ما يفعله الجميع. السوق الهابط يمثل فرصة ليس للمتنبئ به وإنما للمستعد له.
حاول أن تركز استثماراتك في الشركات التي تتمتع بأساسيات مالية صلبة. واستمع لنصيحة "وارن بافيت" حين قال :"اشتر فقط السهم الذي يمكنك الاحتفاظ به لو تم إغلاق السوق عشر سنوات قادمة".
لا تجلس تراقب الشاشة 24 ساعة في اليوم 7 أيام في الأسبوع، لأن هذا الأسلوب لن يزيدك إلا قلقاً وتوتراً. وتجنب أيضاً متابعة وسائل الإعلام التي تحب الإثارة. وأخيراً تذكر أننا دخلنا سوق الأسهم لنكسب المال لا لنخسر صحتنا. متعنا الله وإياكم بالصحة والعافية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}