في عام 1941 كان الجيش الألماني هو الجيش الأقوى والأكثر إثارة للرعب في العالم. فقد مكنته سياسة الحرب الخاطفة أو حرب البرق -التي يستخم فيها الدبابات وناقلات الجند المدرعة- من اجتياح بولندا في عام 1939 ومن ورائها معظم أوروبا الشرقية في غضون عدة أسابيع.
اضطرت كل من الدنمارك والنرويج وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج إلى الاستسلام للألمان في ربيع عام 1940. وفي مايو من نفس العام، وفي هجوم غير متوقع تمكن الألمان من عبور غابات الأردين التي ظن الحلفاء أنها غير قابلة للاختراق وشقوا فرنسا شقين وفرقوا جيوش الحلفاء ودفعوا أعدادًا كبيرة من جنودها للهرب نحو القنال الإنجليزي والبقاء هناك محاصرين.
وفي ما أطلق عليها عملية "دينامو" نجح البريطانيون في إخلاء 338 ألف جندي بينهم حوالي 100 ألف جندي فرنسي من ميناء دونكيرك في أوائل يونيو 1940. ولكنهم تركوا وراءهم أكثر من مليوني قتيل فرنسي و11 ألف قتيل بريطاني و50 ألفاً ما بين جريح وأسير.
وبحلول نهاية يونيو 1940 أي بعد شهرين تقريباً من بدء الهجوم سقطت فرنسا في أيدي الألمان وهو أمر لم يحدث خلال حرب الخنادق التي استمرت أربع سنوات في الحرب العالمية الأولى.
السلاح السري .. اختراق عقل الألمان
في هذه الأثناء بدا واضحاً للجميع أن القوات الألمانية لا يمكن الوقوف في طريقها، خصوصاً وأنها كانت أكثر استعداداً وجاهزية من البريطانيين والفرنسيين. كانت آلة الحرب الألمانية تضم مئات الآلاف من الجنود المدربين مدعومين بآلاف الدبابات والمركبات المدرعة والطائرات المقاتلة.
لكن كان لدى الألمان أيضاً سلاح سري لا يعرفه أحد وهو آلة "إنجما"، وهي عبارة عن جهاز متطور للغاية سمح للألمان بالتواصل مع قواتهم في جميع أنحاء العالم بشفرات كان من المستحيل معرفة سرها. وكان يتم تشفير الرسائل عن طريق معالجة الحروف عبر منظومة تضم دوائر كهربائية وتروس ميكانيكية تقوم بتوليد شفرات متغيرة باستمرار وذات أنماط متداخلة.
التغير المستمر للشفرات التي تنتجها "إنجما" معناه أنه لا يوجد هناك نمط ثابت للتشفير يمكن لقوات الحلفاء كسره. وحينها مكنّت هذه الآلة الألمان من إرسال واستقبال الإشارات المشفرة في جميع أنحاء العالم دون قلق من إمكانية اكتشاف محتواها.
لكن لسوء حظ الألمان، تمكن الحلفاء من وضع أيديهم على نسخة من "إنجما" وقاموا بنقلها سراً إلى انجلترا. وأصبح عثورهم على هذه الآلة سراً من أكبر أسرار الحرب ولم يتم الكشف عنه إلا بعد انتهاء الحرب بعقود وتحديداً في السبعينيات.
شكل الحلفاء وحدة استخباراتية خاصة أقامت مركزاً للعمليات في حديقة بلتشلي الواقعة شمال لندن. وتم تزويد هذه الوحدة بمجموعة كبيرة من الخبراء الذين عملوا ليل نهار على اكتشاف طريقة عمل "إنجما" واعتراض الاتصالات الألمانية وفك شفراتها وجعلها متاحة لقادة الحلفاء. كان هذا الاختراق الاستخباراتي سبباً رئيسياً في انتصار الحلفاء في أوروبا.
فك شفرات إنجما أعطى الحلفاء ميزة حاسمة مكنتهم في نهاية المطاف من الانتصار على قوة عسكرية هائلة. وبشكل أساسي توضح هذه القصة كيف يمكن للمعلومة أن تعطي ميزة لأحد المنافسين على الآخر.
هذا لخصه الفيلسوف العسكري الصيني "سون تزو" في كتابه "فن الحرب" حين كتب قائلاً: "إذا كنت تعرف العدو وتعرف نفسك فلا حاجة بك للخوف من نتائج مئة معركة. وإذا عرفت نفسك ولم تعرف العدو فكل نصر تحرزه سيقابله هزيمة تلقاها. وإذا كنت لا تعرف نفسك ولا العدو ستهزم في كل معركة".
أهمية المعلومة .. طريقة اليابانيين
في عالم الأعمال، كلما كان لدى الشركة معلومات أكثر عن المنافسين وعن السوق الذي تعمل به، كان باستطاعتها اتخاذ قرارات أفضل تزيد من احتمال نجاحها وتفوقها على المنافسين. بإمكان معلومة واحدة جديدة وغير متوقعة أن تغير الوضع التنافسي بالصناعة التي تعمل بها في لحظة.
كلنا في السوق من أجل اجتذاب العملاء والاحتفاظ بهم. ولكن ما يحد قدرة كل منا على اكتساب العملاء والاحتفاظ بهم هي تحركات وتصرفات المنافسين الذين يستهدفون نفس العملاء الذين نريدهم لأنفسنا. ومن هنا تظهر الحاجة إلى فهم المنافسين وجمع المعلومات حولهم لتوقع تحركاتهم والاستعداد لها.
في ثمانينيات القرن الماضي كانت الشركات اليابانية مشهورة بامتلاكها لقدرات كبيرة على جمع المعلومات التنافسية عن المنافسين الغربيين. وكان الأمريكيون تحديداً يخشون القدرة اليابانية على جمع كميات كبيرة من البيانات التنافسية.
كانت الميزة التي يمتلكها اليابانيون ويحسدهم عليها بشدة رؤساء الشركات الغربية هي انضباط قوتهم العاملة. فابتداءً من رئيس الشركة ومروراً بالمديرين وموظفي المبيعات وانتهاءً بأصغر عامل بالشركة كان الجميع مكلف بجمع المعلومات حول المنافسين وإبلاغها للإدارة.
حاول الأمريكيون نسخ هذا الطابع الاستخباراتي للشركات اليابانية ولكنهم فشلوا. ورويداً رويداً مكّن هذا النهج اليابانيايين من التفوق على نظرائهم الغربيين ومزاحمتهم في صناعات لم يكن لهم فيها موطئ قدم قبل ذلك.
أكبر خطأ وقع فيه الأمريكيون هو تقليلهم من شأن منافسيهم الآسيويين وتحديداً اليابانيين لا لشيء إلا لأن الفجوة بينهما كانت كبيرة، ولقد كانت كذلك بالفعل. ولكن كما لا يجب الاستهانة بالخصم في الحرب، كان على الأمريكيين احترام قدرات اليابانيين والاستعداد جيداً لهم.
خطورة الارتجال وعدم الالتفات للمنافسين
الشركة الذكية تفترض دائماً أن منافسها ذكي ويفهم ما يفعله، ويفكر طوال الوقت في كيفية هزيمتها تماماً كما تفكر هي في كيفية إلحاق الهزيمة به. وكلما اتخذ المنافس خطوة مهمة توقفت وقامت بدراستها والتعلم منها ومن ثم مجاراتها وتطويرها وهو ما قد يمكنها من تجاوز المنافس في نهاية المطاف.
في أكتوبر 2001، أوقفت شركة الخطوط الجوية السويسرية "سويسر أير" البالغة من العمر 70 عاماً عملياتها بعد أن غرقت في بحر من الديون. وفي غضون عدة أشهر أعلنت الشركة إفلاسها وهو ما أحبط وأحرج الشعب السويسري بالكامل.
قبل لحظة الانهيار، كانت الشركة قد فقدت 80% من قيمتها السوقية في أقل من عام. وكانت استراتيجية الشركة في ذلك الوقت مبنية على محورين أساسيين: الأول هو الاستحواذ على حصص في شركات طيران أوروبية صغيرة والثاني هو تقديم منتج متفوق وتحسين خدمات الركاب.
الاستحواذات الفاشلة التي قامت بها الشركة السويسرية لم تفعل شيئا سوى المساهمة في تسارع انخفاض قيمة علامتها التجارية، وفي حين أن تحسين وتطوير خدمات الركاب ساهم في ارتفاع مستوى رضا المسافرين عن الخدمة إلا أنه في نهاية المطاف كان له تأثير ضئيل على تغيير موقع الشركة التنافسي داخل القطاع وربحيتها.
كانت مشكلة "سويسر إير" الأساسية هي أنها فشلت في قراءة الوضع التنافسي بالسوق، بل إنها في الحقيقة لم تحاول أصلاً إلقاء نظرة على عمليات المنافسين وخططهم المستقبلية ومن ثم تعديل نموذج عملها ليلائم تلك المعطيات.
والفكرة باختصار هي أنه لا يوجد حد حقيقي لما يمكن أن تتعلمه الشركة لتحسين موقفها التنافسي في السوق والحفاظ عليه، وهي في ذات الوقت ليست في حاجة لجبال من المعلومات لفهم المشهد التنافسي وتطوراته المحتملة، فالقليل من البيانات ذات الجودة العالية بإمكانها مساعدة الشركة على التميز والاستعداد لأي تطورات حاسمة قد تقع في المستقبل.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}