"لا تحاول توقع السوق".. النصيحة الأكثر تكرارًا والأغلى لعدد من المحللين وكبار المستثمرين من أصحاب الصيت الذائع في "وول ستريت" أمثال "راي داليو" و"وارين بافيت"، وتعني أنه لا ينبغي للمستثمر الرهان على موعد محدد بعينه لشراء أسهم رخيصة أو آخر للبيع قبل هبوط الأسعار.
وتوقع التوقيت المناسب في السوق، هو استراتيجية استثمار يقوم فيها المستثمر بشراء وبيع الأسهم بناءً على تقلبات الأسعار المتوقعة، وإذا استطاع تخمين موعد صعود وهبوط السوق بشكل صحيح، فلا شك يمكنه ترجمة هذه التكهنات إلى أرباح.
التعرف على موعد الشراء أو البيع الدقيق هو معضلة لكثير من المستثمرين في سوق الأسهم، لا سيما أولئك الذين يراهنون على أسهم النمو، التي تركز شركاتها على تعظيم القيمة وتنمية حجم استثمارات المساهمين.
وبسبب الرغبة الملحة في تعظيم قيمة الأصول، ينتهي المطاف بالبعض (وربما الكثيرين) إلى متاهة "دورة الطمع والأمل والهلع"، والتي ناقشناها في تقرير سابق، حيث يظل المستثمر حائرًا تُحركه المشاعر وتدفعه في كثير من الأوقات لاتخاذ قرارات عفوية خاطئة، فيفقد فرصة للربح وأخرى للحد من الخسائر.
لكن الأمر لا يسير على هذا النحو بالنسبة لنوع آخر من المستثمرين، وتحديدًا أولئك الذين يطاردون الأنشطة التجارية الجيدة الموزعة للأرباح، فالأمر يتم قياسه ودراسته بناءً على عدد من المعايير والمؤشرات الواضحة التي يمكن اتخاذ القرار وفقًا لها.
بدايةً، ليس الغرض من هذا التقرير هو تفضيل الأسهم الموزعة للأرباح على حساب نظيرتها المطاردة للنمو، ففي النهاية يتوقف الأداء العام على حساب العائد الإجمالي لكل منهما وهو أمر نسبي، لكننا هنا نسلط الضوء على كيف يبني المستثمر قراره بشأن الأولى وفقًا لمعايير واضحة.
دوافع للاستثمار
- عادة لا يهتم المستثمرون بمعرفة أساليب المحاسبة المتقدمة أو النظر بتعمق في بيانات الدخل أو الميزانية العمومية، ومع ذلك فهي قلب وروح عملية الاستثمار، ففي النهاية تستمد الشركة قيمتها من صافي التدفقات النقدية التي تحققها، بحسب تقرير لموقع "ذا بالانس".
- يستخدم معظم المستثمرين المحترفين شكلًا من أشكال التدفقات النقدية الحرة المعدلة لتقييم سهم شركة ما وليس صافي الدخل كما يفعل أغلب الناس، والشركة الموزعة للأرباح، يتعين عليها بطبيعة الحال أن تكون قادرة على توليد الأموال.
- هناك مثل يقول "لا يمكنك تزييف النقدية"، فالتوزيعات إما أن تظهر أو لا، فإذا ظهرت يجب أن تصل فعلًا إلى أيدي المساهمين، ولهذا تأثير في جعل الشركات الموزعة للأرباح تمتلك مستحقات (متأخرات) أقل بين بيانات التدفق النقدي الحر وصافي الدخل.
- بمعنى آخر، هذا يعني أن هناك تعديلات (مؤثرة) أقل في السجلات المحاسبية للشركة الموزعة للأرباح، وبالتالي فإن جودة الأرباح لديها تكون أعلى، حيث تكون الأرباح المعلنة متماشية تقريبًا مع التدفق النقدي الحر المحسوب بشكل متحفظ.
- كون هذه الأسهم تمنح عائدًا دوريًا، وتجعل الإدارة ملتزمة بنهج أكثر حكمة، ليس كل ما يجعلها جذابة، فهذه التوزيعات النقدية تساعدها في امتصاص جزء من صدمات السوق في أوقات الانهيار.
- لنشرح ذلك بمثال؛ هناك سهم قيمته 100 دولار ويدفع توزيعات أرباح نسبتها 3%، مع العلم أن الشركة تتمتع بحالة من الاستقرار ولا يوجد سوى احتمال ضئيل لخفض هذه التوزيعات، وعند لحظة ما بدأ السوق ينهار، وتراجع معه قيمة السهم.
- ما دامت الشركة مستقرة والتوزيعات آمنة والمستثمرون مقتنعون بأنه سيتم الحفاظ على أرباحهم، يصبح السهم جاذبًا للمستثمرين الآخرين، فمثلًا مع تراجع السهم إلى مستوى 50 دولارًا، سيعني ذلك أن توزيعات الأرباح تضاعفت إلى 6%، وهو ما يفسر لماذا تكون هذه الأسهم أقل تأثرًا خلال الأسواق الهابطة.
مفهوم خاطئ عن موعد البيع
- عند النظر في بيع الأسهم الموزعة للأرباح، فإن الأمر قد يختلف كثيرًا عن نظيرتها المطاردة للنمو، ويجب النظر في أمور مثل، نفاد صبر المستثمر، وإسقاط السهم من اهتماماته، تخفيض الشركة لتوزيعات الأرباح، أو إذا كانت لا تنمو بشكل قوي.
- قد يعتقد البعض أن بإمكانه إجراء مناورة ذكية لتحقيق أكبر استفادة من السهم الموزع للأرباح عبر بيعه وتحصيل المدفوعات كعلاوة سعرية، فمثلًا يبيع السهم بقيمته 100 دولار ويحصل بعد ذلك على التوزيعات البالغة 3 دولارات لكل سهم.
- لكن الأمور لا تسير على هذا النحو من البساطة، فعندما تعلن الشركة عن موعد توزيع الأرباح، يتم تحديد ما يُعرف بـ"تاريخ ما قبل التوزيع"، وهو الموعد الذي ينبغي للمستثمر أن يحمل السهم قبله كي يحصل على نصيبه من الأرباح، بحسب موقع "ذا موتلي فول".
- المستثمر الذي يبيع سهمه قبل هذ التاريخ لن يكون له الحق في الحصول على التوزيعات، أما عند حلول "تاريخ ما قبل التوزيع" فينخفض سهم الشركة تقريبًا بنفس مقدار الأرباح الموزعة، ووفقًا للمثال السابق، فإن سعر السهم سيتراجع إلى 97 دولارًا، ثم يرتد بعد التوزيع.
- إذا لم يحدث ذلك، فكان لأي شخص أن يجني الأموال بسهولة عبر شراء السهم مقابل 100 دولار ومن ثم الحصول على التوزيعات عند موعد الاستحقاق، وبعد ذلك يبيع السهم ويستعيد أصل استثماره مضافًا له 3 دولارات لكل سهم، أو كما يقول المثل المصري "ما كانش حد غلب".
استراتيجية البيع الصحيح
- يبدو إذن أن بيع السهم الموزع للأرباح يحتاج إلى تأنٍّ على أي حال، لكن إذا كان المستثمر لا يزال حائرًا بشأن قراره بالتخارج فهناك مجموعة من العوامل التي ينصح محللون ومديرو استثمارات باتباعها.
- تحديد حد الخسارة الأقصى لمراكز الأسهم الفردية، طريقة جيدة للغاية للتخفيف من المخاطر التي عادة ما تدفع المستثمرين إلى زعزعة استثماراتهم بأيديهم، ووفقًا لمحللي "ديفيدند إنفستورز كلوب" فإن نسبة "0.50% إلى 1.00%" من إجمالي المحفظة هي نطاق جيد للحد المستهدف.
- على سبيل المثال، إذا كان حجم المحفظة 100 ألف دولار، مع 1% حد أقصى للخسائر، ينبغي على المستثمر ضبط أوامر وقف الخسارة عند ألف دولار للمحفظة ككل، وإذا كان يمتلك 100 سهم في شركة ما بقيمة 100 دولار للسهم الواحد فعليه ضبط الأوامر عند 10 دولارات.
- مع ذلك يقول المحللون، إن محفزات البيع لا يجب أن تقتصر على تجاوز الحد الأقصى للخسارة، ولكن خفض توزيعات الأرباح، وتراجع الإيرادات، والمسائل التنظيمية أو القانونية، أو حتى رغبة المستثمر في جني بعض الأرباح من ارتفاع السهم.
- يضيف محللو "ديفيدند إنفستورز كلوب" لخدمات الاستثمار: ارتفاع السهم بمقدار خمسة أمثال "عائد توزيعات الأرباح" خلال فترة 6 أشهر قد يكون مشجعًا لجني الأرباح، فهذا ارتفاع كبير خلال مدة قصيرة.
- النظرية المطروحة هنا تقول: إذا كان بإمكانك الحصول على مدفوعات الأرباح التي ستنتظر 5 سنوات لتحقيقها في غضون 6 أشهر، فلم لا تفعل؟
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}