أنعش الرئيس المكسيكي "أندريه مانويل لوبيز أوبرادور" فكرة من الثمانينيات لنقل موظفي الحكومة المركزية إلى الولايات الأخرى بعيداً عن العاصمة "ميكسيكو سيتي"، ووفقا لـ"الإيكونوميست"، فإن هذه الخطوة تبدو توجهاً عالمياً ليس فقط في المكسيك بل كشفت عنها دول كإندونيسيا مؤخراً.
ومن بين الدول التي تشهد توجه نقل موظفي الحكومة بعيدا عن عواصمها البرازيل وتنزانيا وكازاخستان، ومع الأخذ في الاعتبار أن مثل هذه الأفكار غير مفضلة لدى المواطنين كما أنها مكلفة للغاية، لماذا تصر الحكومات على توزيع وزاراتها وقطاعاتها على مدن مختلفة؟
توجه عالمي
- منذ عام 2006، نقلت النرويج مئات الموظفين من الخدمة المدنية خارج العاصمة "أوسلو" إلى مدينة "بيرجن"، وفي 2018، تم نقل موظفي هيئة السلام النرويجية – التي تشرف على برامج في 25 دولة فقيرة – إلى مدينة تقع بين جبال وأنهار.
- تعد النرويج والمكسيك مجرد دولتين من بين العديد من الدول حول العالم التي تتخذ هذا التوجه، فقد نقلت كوريا الجنوبية ثلثي وكالات الحكومة بعيدا عن العاصمة "سول"، ووُجه أغلبهم إلى مدينة "سيجونج" المبنية حديثاً.
- منذ عام 2015، نقلت الدنمارك آلاف الموظفين الحكوميين إلى مدن أخرى، كما حولت ماليزيا هي الأخرى العديد من عمال القطاع العام في 1999 من العاصمة "كوالالمبور" إلى مدينة جديدة تسمى "بوتراجايا"، وكشفت إندونيسيا مؤخراً عن خطة بتكلفة ربما تصل إلى 33 مليار دولار لنقل الموظفين الحكوميين من العاصمة "جاكرتا".
- يعكس هذا التوجه تغيرات في العالم، ففي الماضي، كان موظفو الحكومات يتكدسون في منطقة واحدة، ولكن لا داعي لذلك حاليا في ظل التواصل بالبريد الإلكتروني ومن خلال المؤتمرات التي تعقد عبر الفيديو بل إنه لا حاجة للسفر لحضور اجتماعات وجهاً لوجه.
- أعلن مؤيدو فكرة نقل الموظفين المدنيين بعيداً عن العاصمة عن ثمار لا حصر لها من اتخاذ هذه الخطوة مشيرين إلى أنها ستقلل خطورة الهجمات الإرهابية والكوارث الطبيعية التي تشل الحكومة بالكامل.
- في مصر، أعلنت الحكومة عن قرب تنفيذ خطة نقل العديد من الوزارات والقطاعات الحكومية والموظفين العاملين بها إلى العاصمة الإدارية الجديدة، وهي مدينة يجري بناؤها لتقليل التلوث والزحام عن كاهل العاصمة "القاهرة".
سلبيات محتملة
- يرى المؤيدون أيضاً أن هذه الخطوة ستقلل الضغط عن المدن الكبرى وتقليص البيروقراطية كما أنها ستحسن حياة هؤلاء الموظفين والمحيطين بهم فضلاً عن توفير أموال ومعالجة عدم التوازن.
- عن الهدف الأول، أشار معارضو الفكرة أنها ستدمر الحياة الاجتماعية ولن يقبلها الكثيرون، فمن غير المنطقي ابتعاد أسرة عن محيطها لبدء حياة جديدة في مدينة أخرى وربما يصعب التكيف مع هذه الحياة.
- أشارت الحكومة الهولندية إلى أنها أرادت معالجة الزحام المروري ونقص الإسكان عندما قررت نقل الحكومة أواخر الستينيات من القرن الماضي.
- يحتج مؤيدو الفكرة بأنها ستقلل البيروقراطية وستوفر نفقات كبيرة من خلال توفير مساحات أوسع في العواصم وطرحها لمشروعات عقارية أخرى بديلة، ولكن مع أخذ تجربة لندن في الاعتبار، عندما وقع كساد في سوق الإسكان في لندن عام 1970، تراجعت حماسة الحكومة للتنفيذ.
- يمكن للوكالات في مدن أخرى الاعتماد على عمالة أفضل مهارة وتنوعاً من نظرائهم في العاصمة بالإضافة إلى إمكانية تعيينهم برواتب أقل.
إعادة التوازن
- هناك سبب جوهري تراه الحكومات التي تنقل موظفيها المدنيين إلى مدن أخرى يكمن في إعادة التوازن الإقليمي ومعالجة عدم المساواة، فقد تحدث الرئيس المكسيكي عن الذين ينتقلون إلى العاصمة للعمل ولا يستطيعون تحمل تكلفة العيش.
- عندما تنتقل وظائف حكومية إلى منطقة ما تتبعها وظائف القطاع الخاص كما أشارت دراسة بعد نقل العمالة الفيدرالية في ألمانيا من "بون" عام 1999 حيث أسهمت الخطوة في توفير 55 وظيفة بالقطاع الخاص مقابل كل مائة وظيفة حكومية.
- عند نقل وظائف حكومية إلى مناطق فقيرة وصغيرة بها معدلات بطالة مرتفعة، تكون النتيجة جذب استثمارات وإيجاد وظائف جديدة وتحسين مستوى المعيشة، ولكن المشكلة تكمن في القدرة على جذب عمالة مؤهلة بعيدا عن العواصم والمدن الكبرى.
- من الصعب نقل الموظفين وأسرهم دون عواقب، وليست هذه هي المشكلة الوحيدة، ففي الأغلب، يتم اختيار مدن أخرى لأسباب سياسية وأحيانا تتزايد معدلات الفساد نظراً لأن العديد من الموظفين يصبحون بعيدين عن أعين الجهات الرقابية في المدن الكبرى.
- اقترح رئيس وزراء اليابان "شينزو آبي" عام 2014 تنفيذ فكرة لنقل موظفين خارج العاصمة "طوكيو" لتوفير مساحات أكبر، ولكن البعض رآها فرصة للتخلص من معارضين.
تصميم سياسي
- ربما تبدو هذه الفكرة سهلة، ولكن في الحقيقة، يصعب تنفيذها بشكل كبير بعيداً عن التكلفة، ويرى مراقبون أن تنفيذها يحتاج إلى إرادة سياسية حتى ولو بشكل صادم.
- في النرويج خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، احتاجت الحكومة وقتها لإخفاء تنفيذ الخطة عن اتحادات العمالة خشية الإضرابات والمعارضات واحتدامها الأمر الذي يحول دون التنفيذ.
- في المكسيك – على عكس النرويجيين – لن يكون لدى البيروقراطيين أي رغبة أو التزام لمغادرة العاصمة من أجل الاستقرار في مكان جديد، ولكن ربما يكون انتقال الوزارات تدريجيا هو الحل.
- أفاد ساسة بأن نقل الموظفين إلى مدن أخرى بعيدا عن العواصم من شأنه تقليل الكثافات المرورية في المدن الكبرى وتقليل معدلات الجريمة وخفض التلوث وتوفير المساحات التي يتم إخلاؤها لأغراض استثمارية أخرى.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}