هل يوفر نظام تداول السلع عالميًا قدرا من العدالة، أم أنه يعطي "مزايا غير مستحقة" لبعض الدول على حساب الأخرى، وهل تحصل التكنولوجيا على ما تستحقه من مقابل أم تفوق "القيمة الحقيقية" لها، وكيف يمكن العمل على مواجهة "غياب التوازن" في سوق السلع عالميًا؟
مصنع العالم ولكن
الكاتب "فوتيس ليساندرو"، أستاذ الاقتصاد في جامعة "لندن" يحاول من خلال كتابه "النظام العالمي للسلع في القرن الحادي والعشرين" الإجابة عن تلك التساؤلات، مشيرًا إلى أن الاقتصاد العالمي أصبح يعاني ما يصفه بـ"الاختلالات الهيكلية" التي يجب العمل عليها.
وعلى سبيل المثال يضرب الكاتب مثالًا بالصين التي تشكل "مصنع العالم" كما يصفها، وعلى الرغم من ذلك يصل دخل الفرد فيها إلى 25% تقريبًا من دخل الفرد في الولايات المتحدة، التي تعتمد هنا على أشكال "أكثر حداثة" للإنتاج، على الرغم من أنها قد لا تكون بنفس الأهمية بالنسبة لحياة الناس اليومية.
وفي هذا الإطار أيضًا، تتزايد الانتقادات للصين بسبب اعتمادها على الفحم مصدرا أولاً لتوليد الطاقة. وعلى الرغم من خطورة هذا على البيئة، إلا أنه يوفر للاقتصاد العالمي سلعًا بتكلفة مقبولة، بينما التلوث الذي تبثه الولايات المتحدة في الغلاف الجوي يأتي لتحقيق مستوى معيشة رفاهية بالأساس، وبالطبع الإنتاج الصناعي.
فالبصمة الكربونية، الناجمة عن استهلاك الوقود واللحوم على سبيل المثال، للمواطن الأمريكي تصل تقريبًا إلى ثلاثة أضعاف مثيلتها للمواطن الصيني، ما يجعل التلوث الأمريكي "ضررا محضا" خلافًا للتلوث الصيني، الذي يحمل في طياته إيجابيات.
تنميط وعدم توازن
كما أن هناك تفاوتا كبيرا للغاية في القيمة المضافة لنفس المنتج بسبب التكنولوجيا، فبيع نفس الكمية من "السيراميك" قد يجعل دولة تحصد 10 آلاف ضعف ما تحصده دولة أخرى، إذا ما تم بيعه على هيئة مفصل اصطناعي في جسد الإنسان أو إذا ما تم بيعه للاستخدام في الأرضيات.
أما على مستوى الشركات، فتكفي الإشارة إلى "التنميط" الذي أصبح سائدًا في الكثير من السلع، ففي الجوالات وأجهزة التلفزيون والكثير من الأجهزة التكنولوجية الأخرى يجري إنتاج الأجزاء المكونة لها في مصانع محددة ليكون دور الشركات الكبيرة مجرد "تجميع" تلك الأجزاء والحصول على أرباح تفوق منتجي تلك الأجزاء بكثير.
ويستمر "عدم التوازن" ليشمل وجود شركات عملاقة تمارس وضعًا شبه احتكاري للعديد من السلع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر شركات التكنولوجيا ولا سيما البحث على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بل يشمل سلعًا وخدمات أكثر أهمية مثل التمويل والخدمات البترولية وشركات إنتاج الكهرباء.
ضريبة عالمية
وينتقد الكاتب إعطاء قيمة "مبالغ فيها" لفكرة الأبحاث والتطوير، على أهميتها، فالمنتجات التكنولوجية تمر بدورة تبدأ بطرحها بأسعار مرتفعة للغاية بوصفها الأحدث في فئتها، ثم تنحدر قيمتها، ويعتبر أنه يجري بيعها في العامين الأولين لطرحها بسعر يفوق "سعرها العادل" بنسبة 25-40% على أقل تقدير.
ويسمح هذا النظام السلعي الحالي بانخفاض مستمر في نسبة دخل العمالة من ناتج العملية الإنتاجية ككل، إذ تراجعت نسبة ما تحصده العمالة في القرن الحادي والعشرين إلى ربع ما كانت تحصده قبل الحرب العالمية الثانية وأكثر من ثلث ما كانت تحصل عليه في ثمانينيات القرن الماضي.
ويقترح الكتاب فرض "ضريبة عالمية" على الأثرياء الذين تزيد ثرواتهم بسرعة كبيرة للغاية بفعل التكنولوجيا و"الظروف الاستثنائية"، ويضرب مثالًا بالعديد من الشركات التكنولوجية التي أصبحت قيمتها بمليارات الدولارات في غضون أعوام قليلة (بعضها تجاوز التريليون دولار في وقت ما).
فمثل تلك الضريبة هي الوسيلة الوحيدة لضمان استعادة قدر من التوازن في التوزيع بين العمال ورأس المال، وعلى الرغم من أن تلك الفكرة تبدو "ماركسية" أو "اشتراكية" الطابع، إلا أنها تبدو الوسيلة الوحيدة لعمل حالة من التوازن في سوق السلع بالقرن الواحد والعشرين ودفع المستثمرين إلى استثمارات أكثر أهمية ولكنها أقل جاذبية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}