أمام محل لبيع الأثاث، يقف "عبد الفتاح" يتفحص المعروضات من وراء الباب الزجاجي، قبل أن يتشجع ويدخل المحل ويسأل صاحبه عن سعر أحد الكراسي المعروضة. يعجبه السعر ويوافق عليه، ثم يمد صاحب المحل يديه ليحصل على الثمن، ولكن بدلاً من المال وجد في يديه يد "عبد الفتاح" الذي يقترب منه قائلاً: "سآخذ الكرسي اليوم، وسأدفع لك الشهر القادم".
لست بحاجة لأن تكون خبيراً بالإدارة لكي تفهم أن ما اقترحه للتو "عبد الفتاح" يمثل صفقة جيدة جداً بالنسبة له، ولكنها ليست فكرة جيدة للمحل. ببساطة، من مصلحة أي محل أو شركة أن تبيت أموالها في حضنها اليوم، بدلاً من الارتكان إلى وعد بالسداد لاحقاً قد يلتزم به المشتري أو لا يلتزم.
الآن هناك احتمالان: فإما أن يكون صاحب المحل من أولئك الذين يرفعون شعار "الدين ممنوع والزعل مرفوع" وبالتالي يرفض اقتراح عبد الفتاح، وإما أن يوافق ويعطيه الكرسي على وعد بالسداد الشهر القادم. ولكن في هذه الحالة، سيظهر في دفاتر المحل ربحه من بيع هذا الكرسي على الرغم من عدم دخول أي أموال إلى الخزينة.
ندفع لك غداً
كل من وطأت قدماه سوق الأسهم يومًا من الأيام يعلم أن الأرباح ومعدل نموها هما الوقود الذي يحرك أسعار الأسهم صعوداً وهبوطاً. ولكن ماذا لو لم تكن الأرباح التي تعلن عنها الشركات في سوق الأسهم تبدو في الحقيقة كما نراها في البيانات المالية.
فبإمكان الشركات اتباع طرق وأساليب قانونية تماماً تمكنها من إظهار الأرباح كما لو كانت تحقق معدلات نمو عالية، مما يضلل المستثمرين. والسبيل لتجنب هذا الفخ عادة ما يكون من خلال التركيز على ما تسمى "جودة الأرباح".
الربح الذي حققه محل الأثاث من بيع "عبد الفتاح" الكرسي يندرج تحت ما يسمى الأرباح المستحقة. ولكي نفهم ماهية الأرباح المستحقة يجب أن نعرف أولاً ما هي الأرباح أصلاً؟ بشكل بسيط جداً، الأرباح هي الفارق بين حصيلة المبيعات وتكلفة توليد تلك المبيعات. فمثلاً، إذا كانت تكلفة الكرسي 50 ريالاً وبعته مقابل 75 ريالاً، فقد حققت ربحاً قدره 25 ريالاً.
الأرباح التي تحققها الشركات من عملاء مثل "عبد الفتاح" يتم تسجيلها في الميزانية العمومية تحت بند الأصول كجزء من الحسابات المستحقة، ولكن تحصيلها يظل محل شك إلى أن يحدث. فإذا أخل العميل بالتزامه ولم يدفع في الموعد ستجد الشركة نفسها مضطرة لشطب تلك الأرباح من الحسابات المستحقة.
هل تتساويان؟
إذا افترضنا أن هناك شركتين تعملان بنفس القطاع حققتا خلال العام الماضي أرباحاً قدرها 500 مليون ريال لكل منهما، ولكن إحداهما أغلب عملائها مثل "عبد الفتاح"، في حين أن الجزء الأكبر من عملاء الشركة الثانية يدفع نقداً، فهذا يعني أن أرباح الأولى أقل جودة من الثانية.
كمستثمر، إذا كانت أسعار أسهم الشركتين متشابهة، فيجب عليك التفكير في بيع سهم الشركة التي لديها عملاء مثل عبد الفتاح على المكشوف، وشراء أسهم الشركة التي يدفع أغلب عملائها نقداً. ولكن جمهور المستثمرين بشكل عام لا يفحص بدقة كافية البيانات الواردة بالتقارير المالية للشركات للتحقق من جودة الأرباح وحجم ما تمثله الحسابات المستحقة من الأرباح.
الأغلبية لا تركز سوى على آخر سطر بقائمة الدخل وهو صافي الدخل. وبالنسبة لهم الشركتان متشابهتان لأن كلا منهما حقق أرباحاً قدرها 500 مليون ريال، بغض النظر عما إذا كانت تلك الملايين أرباحاً يستحق تحصيلها في علم الغيب أم نقوداً داخل الخزينة.
والأكثر طرافة هو أن سهم الشركة التي أغلب عملائها مثل "عبده" (عبد الفتاح) قد يراه البعض أكثر جاذبية إذا كان مكرر ربحيته أقل من نظيره الخاص بالشركة الأخرى. وهم بالطبع أحرار، ولكن في أغلب الأحيان تجد الشركات التي تشكل الأرباح المستحقة الجزء الأكبر من أرباحها نفسها في مأزق حين يتعثر جزء معتبر من عملائها عن السداد، مما يعني أن الأرباح المعلن عنها مبالغ فيها. ولحظتها، راقب ما سيحدث لسعر السهم.
لو نظروا تحت أقدامهم!
خطأ كبير يقع فيه أغلب المستثمرين خلال موسم النتائج الفصلية تحديداً، وهو التركيز المبالغ فيه على الأرباح وإغفال ضرورة التأكد من جودة هذه الأرباح.
الشركة "س" حققت أرباحاً فاقت توقعات المحللين. ممتاز، السؤال الآن، ما هو شكل هذه الأرباح؟ ما حجم ما يمثله الكاش منها؟ للأسف، لا يهتم الكثيرون بالاطلاع على تفاصيل التقارير المالية.
في كتابه الصادر في عام 2011 تحت عنوان "الكتاب الصغير حول أرباح سوق الأسهم" يشير مدير المحافظ المالية "ميتش زاكس" إلى أن البيانات التي تم جمعها من خلال دراسات مختلفة على مدار العقود الأربعة الممتدة بين عامي 1970 و2010 توضح أن المحافظ التي اشترت أسهم الشركات التي تتمتع بأرباح ذات جودة عالية، وباعت على المكشوف تلك التي تتمتع بأرباح ذات جودة ضعيفة كان لديها القدرة على تحقيق عوائد أعلى من 10% على أساس سنوي.
كما أوضح أيضاً، أن ذات البيانات تشير إلى أن أسهم الشركات التي تشكل الحسابات المستحقة الجزء الأكبر من أرباحها تميل قيمتها عادة إلى الانخفاض في العام التالي بسبب عدم استدامة تلك الأرباح.
باختصار، ثق في التدفقات النقدية فقط. فأغلب الشركات التي ترتفع أرباحها بدعم من زيادة الحسابات المستحقة، لا تستطيع أن تحافظ على نفس المستوى المرتفع من الأرباح لفترة طويلة. في حين إذا كانت الأرباح المرتفعة تعكس زيادة التدفقات النقدية، فمن المرجح أن تحافظ الشركة على تلك الأرباح على المدى الطويل.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}