هل على أصحاب الأعمال الناشئة إعطاء الأولوية لتحقيق النمو أم تحقيق الأرباح؟.. يعد هذا من الأسئلة الجدلية في عالم الأعمال، وازدادت أهميته في الآونة الأخيرة مع صعوبة تحقيق الكثير من الأعمال الناشئة لكلا الأمرين معًا وازدياد المنافسة تعقيدًا بشكل مستمر.
وكما ظل البعض يعاني في محاولة الإجابة عن السؤال الأقدم "أيهما أولا : الدجاجة أم البيضة؟ "، كذلك يدور السؤال حول ما إذا كان ينبغي على الشركات الناشئة السعي لتحقيق الربحية أم النمو أولاً ، وما هي إيجابيات وسلبيات كل استراتيجية؟
"لهث" خلف النمو
وتعتبر "فوربس" أنه أصبح من الطبيعي أن تلهث الشركات الناشئة وراء تحقيق النمو دون تفكير، مع إعطاء أهمية أقل لتحقيق الأرباح، مشيرة إلى دعم كثيرين في "وول ستريت" لمثل هذا الاتجاه من خلال دعم شركات غير رابحة بما يثير تساؤلًا منطقيًا عن أسباب ذلك.
وتشير دراسة لـ"هارفارد" حول الشركات وقرارها بالتركيز على النمو أم الأرباح إلى ارتباط ذلك بتوقعات المستثمرين أولًا، وعلى حجم الشركة ثانيًا وعلى طبيعة المنافسة ثالثًا، فضلًا عن عوامل أخرى أقل أهمية في هذا الإطار.
فالتركيز على النمو على حساب الأرباح أمر مفهوم باعتبار أن توقعات مستثمريها تتعلق بالنمو بصورة كبيرة، كما أن المنافسة تجبر مؤسسي تلك الشركات على الشعور بأنهم بحاجة إلى وضع محددات نمو جا دةوصارمة لكل مرحلة من مراحل النمو المؤسسي.
وتتمثل إيجابيات استراتيجية تحقيق النمو في عوامل مثل جذب المستثمرين المحتملين، والحصول على المزيد من التمويل من المستثمرين الحاليين، والحصول على المزيد من التغطية الإعلامية، وحصد حصة أكبر من السوق مقارنة بالمنافسين.
سلبيات "النمو أولًا"
بينما تشمل سلبيات اتباع تلك الاستراتيجية ارتفاع معدلات "حرق" رأس المال (أي ضخ استثمارات لا تهدف لربح)، والأثر الذي من الممكن أن يخلفه عدم تحقيق أهداف النمو الكبيرة، والدعاية السلبية بسبب الحاجة لاتخاذ تدابير قصوى في وقت لاحق للبدء في تحقيق الربح.
هذا كله بالإضافة إلى السلبية الأهم والمتمثلة في جعل أي من تلك الشركات، التي تتبنى مبدأ النمو أولا، على بعد خطوة واحدة من "النهاية" حال فشل أي دورة من دورات التمويل التي تتضمنها مراحل المشروع.
وترى "فوربس" أنه من اللافت للنظر أن ما يقدر بنحو 83٪ من الشركات التي تم طرحها للاكتتاب العام في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018 لم تكن شركات رابحة، بما يعكس قبولًا عمليًا من جانب الأسواق لهذه الشركات.
ويجب على الشركات التي تتبع تلك الاستراتيجية الانتباه إلى أن عوامل مثل تقلب سوق الأوراق المالية، وحالة سوق العقارات، والحروب التجارية، والسياسة، والظروف الاقتصادية الأخرى يمكن أن تضيق التمويل المتاح وتجعل المستثمرين أكثر انتقائية فيما يستثمرون فيه، وبالتالي فإن الاستثمارات التي يحصلون عليها اليوم قد لا تكون متاحة غدًا.
"أوبر" مثالًا
كما أن معدل نمو الشركة يتباطأ عاجلاً أم آجلاً عندما تصل الشركة إلى الحجم المطلوب، ومع وضع هذه العوامل في الاعتبار، قد يحتاج الكثير من المنظمين أن يكونوا أكثر جدية بشأن توقيت خروجهم من سوق التمويل ورسم خريطة لتحقيق الربحية فور تحقيق الحجم المطلوب أو حتى مع الاقتراب منه.
وإذا كان على الشركة تحقيق النمو من حيث زيادة عدد المستخدمين أو حصتها من السوق أو كليهما، فيمكن أن تساعد بعض العوامل في تحقيق تلك الغاية مثل اتباع استراتيجيات مدروسة جيدا من حيث العلاقات العامة وجودة المنتجات.
ويمكن للشركات الساعية للنمو الاستحواذ على شركات ذات معدلات نمو أسرع، والتوسع في مناطق جديدة بالسوق، وكذلك تحديد سعر يعطي ميزة تنافسية دون الدخول في حروب سعرية.
ويمكن ضرب المثل بالتأكيد بشركة "أوبر" في هذا المجال، فهي لم تسع لتحقيق الأرباح منذ إطلاقها قدر اهتمامها بالتوسع وضم المنافسين إلى كيانها، وخسرت الشركة 1.8 مليار في عام 2018 فحسب، لتكون الأرباح المنتظرة للمستثمرين متمثلة في الاختلاف بين القيمة الفعلية للشركة والقيمة السوقية بعد طرح أسهم الشركة في البورصة (بغض النظر عن نجاح الاستراتيجية هنا من عدمه).
الربح أولًأ
أما الشركات التي تقدم الأرباح على النمو فعليها الانتباه إلى محاذير تلك الاستراتيجية والمتمثلة في أنه دون بعض النمو الثابت فإنه من المحتمل "تلاشي" الشركة، حيث سيصبح المنافسون أكبر حجمًا وأقدر على تحقيق الأرباح فضلًا عن تمتعهم بمميزات الحجم الكبير للإنتاج.
وتتمثل إيجابيات استراتيجية تحقيق الربح في عوامل مثل إنشاء نموذج عمل قوي ثبت نجاحه، كما أن الربحية ستجذب عروض الاستثمار والاستحواذ بصورة طبيعية، بالإضافة إلى ضمان وجود القوة التفاوضية في أي جولة تمويل أو بيع.
وكذلك لا توجد ضغوط لطرح الشركة للاكتتاب أو بيعها في ظروف السوق السيئة، بما يجعل الشركة أكثر قدرة على التحكم في مصيرها.
ومن ناحية أخرى، فإن السلبيات التي تنطوي عليها تلك الاستراتيجية لتحقيق الأرباح تشمل صعوبة الحصول على تمويل في بداية العمل دون تحقيق نمو كبير، بالإضافة إلى صعوبة مواجهة القوى الكبرى المؤثرة في السوق، وكذلك فإن قلة التمويل الكبير تجعل تطوير المنتجات أكثر صعوبة.
لكن هناك بعض النصائح السريعة التي من الممكن أن تسهم في تحقيق الأرباح والحفاظ عليها والتي من بينها تخفيض النفقات الإضافية، وبيع المنتجات واكتساب العملاء والإيرادات قبل الإطلاق الرسمي للمشروع.
وتلخص "هارفارد" الأمر بالتأكيد على أنه لا توجد شركة يمكنها النجاح دون وجود استراتيجية واضحة تقدم النمو على الأرباح أو العكس، ولكن شريطة وضع خطة واضحة متى يتم الدمج بينهما، وإلا فسيكون مصير الشركة مثل مصير 90% من الشركات الناشئة التي تغلق أبوابها إما بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة أو بسبب الإفراط في البحث عن النمو فقط أو الأرباح فقط.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}