ملايين العملاء وتريليونات الدولارات، ومع ذلك لا تجد بينهم اسمًا معروفًا كـ"أمازون" مثلًا أو "فيسبوك"، رغم بروز أسماء مثل "بلاك روك" و"فيديليتي"، إلا أن شركات إدارة الاستثمارات والأصول حول العالم تبقى أقل انتشارًا مما يستحقه حجم تأثيرها على الاقتصاد العالمي.
ويقوم دور شركات إدارة الاستثمار -كما هو واضح من اسمها- على استقبال أموال الراغبين في تنمية ثرواتهم لتولي مهمة "تحريك" تلك الأموال، سواء في شراء الأصول، أو الأسهم والسندات، أو في اقتناء العقارات أو المعادن الثمينة، بل وفي الديون السيادية وصناديق المعاشات وأشكال أخرى متعددة، بما يحقق للعميل أكبر قدر من المنافع ويقلص المخاطر التي يتعرض لها.
عشرات تريليونات الدولارات
ووفقًا لمجموعة "وليز تاور واتسون" لتحليل المخاطر فإن أكبر 500 شركة لإدارة الاستثمارات حول العالم تتحكم في أصول تبلغ 93.8 تريليون دولار بنهاية عام 2017، بزيادة 15.6% عن الأصول التي كانت تديرها العام السابق له.
ويبلغ حجم استثمارات أكبر 20 شركة في هذه القائمة حوالي 40 تريليون دولار، لتحتكر وحدها حوالي 43% من حجم استثمارات مجموعات إدارة الأصول بما يعكس تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد العالمي بشكل عام في ظل القدرة على تحريك أصول لا تملك دول كبرى الاستحواذ عليها.
وبشكل عام تميل تلك الشركات إلى ما يعرف بـ"الاستثمار الآمن"، حيث إن 79.1% استثمارات "ثابتة" بين الممتلكات سواء كانت عقارات أو سلعاً ثمينة، وبين السلع التي تدر دخلا ثابتًا مثل الودائع والسندات والديون الحكومية، بينما النسبة الباقية هي في الأسهم والاستثمار في مجالات التكنولوجيا والأبحاث والتطوير.
ويؤكد تقرير لـ"بلومبرج" أن الطبيعة "المتحفظة" لشركات إدارة الاستثمارات تحفظ لها فرصها في النمو في المستقبل، لا سيما مع المخاوف المتعلقة بالديون من ناحية ومخاطر تراجع النمو الاقتصادي من جهة أخرى، لتصبح ملاذًا أكثر أمنًا قي وقت الأزمات وأعلى ربحية في وقت الرواج.
وتستجيب الشركات هنا لرغبة عملائها في الحصول على عائد جيد لاستثماراتهم، لكن دون الدخول في مغامرات كبيرة من شأنها الإطاحة بتلك الاستثمارات، ولذلك تقوم كل شركة بتقسيم استثماراتها إلى صناديق، لكل منها مدى زمني في الاستثمار.
اتجاهات الشركات
وعلى الرغم من ملاءمة تلك الطبيعة "الآمنة" لعملاء تلك الشركات، إلا أن للأمر جانبا سلبيا يتمثل في ضعف مساهمة مثل تلك الاستثمارات في النمو الاقتصادي العالمي وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي العالمي، فإن إنفاق تلك الشركات على مجالات الطاقة النظيفة والأبحاث والتطوير يقل 60% عن الاستثمارات الفردية أو استثمارات الشركات التقليدية.
وتنقسم الاتجاهات الرئيسية في صناعة إدارة الأصول إلى ثلاثة اتجاهات محورية حالياً يتقدمها نمو الاستثمار السلبي، واستغلال "البيانات الضخمة" في عملية الاستثمار، وظهور الروبوتات الاستشارية في إدارة الثروات الخاصة (استغلال الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته).
وتتضمن عملية إدارة المحفظة بناء ومراقبة ومراجعة محفظة مالك الأصول، حيث يتم تصميمها أولًا مع فهم الظروف الكاملة لمالك الأصول بما في ذلك أهدافه، مثل نسبة العائد المطلوب، والقيود (مثل درجة المخاطرة) والتفضيلات الأخرى (مثل رغبته في الاستثمار في الممتلكات أو الأصول أو السندات أو غيرها).
ولتوضيح الحجم الكبير لتلك الشركات وطبيعة عملها يمكن رصد أبرز 5 شركات عاملة في هذا المجال وحجم الاستثمارات الضخم التي تديرها:
الشركة |
حجم الاستثمارات ونوعها |
"بلاك روك" |
تدير استثمارات تتخطى 6 تريليونات دولار (أكتوبر 2018) لتعد بذلك ثاني أكبر شركة في مجال إدارة الأصول حيث يعمل لديها 12 ألف موظف في 70 مكتب موزعين على 30 دولة، وذلك على الرغم من أن الشركة لم تبدأ إلا بأصول تبلغ حوالي مليار دولار في عام 1988.
|
فانجارد |
تخدم أكثر من 20 مليون عميل في 170 دولة حول العالم، وتأسست عام 1975 في ولاية "بنسلفانيا"، لتبدأ محفظة الأصول التي تديرها بالنمو تدريجيًا حتى وصلت إلى 5.1 تريليون دولار اعتبارًا من أكتوبر 2018، وهي تقدم 388 صندوقًا ، منها 180 صندوقًا أمريكيا.
|
"باسيفيك" لإدارة الاستثمارات |
تأسست عام 1971 في "نيوبورت بيتش"، كاليفورنيا، ونمّت الشركة حجم الأصول الخاضعة لإدارتها إلى 1.77 تريليون دولار (أكتوبر 2018)، وتضم الشركة أكثر من 775 متخصصاً في مجال الاستثمار ممن يتمتعون بمتوسط خبرة استثمارية يصل إلى 14 عامًا، وتقدم أكثر من 100 صندوق مشترك تتراوح بين صناديق الدخل الثابت والأسهم والسلع.
|
"فيديليتى" لإدارة الأصول والأبحاث
|
تأسست عام 1946 وفي أكتوبر 2018 ، أصبح لدى "فيديليتى" 24 مليون عميل بأصول مجمعة قدرها 2.1 تريليون دولار حول العالم، كما تقدم 386 صندوقًا مشتركًا، بما في ذلك صناديق الأسهم المحلية والأجنبية والقطاع المحدد والدخل الثابت والمؤشر وسوق المال وصناديق تخصيص الأصول.
|
"إنفيسكو" المحدودة
|
يعود تاريخ الخدمات الاستثمارية التى تقدمها شركة "إنفيسكو المحدودة" لإدارة الأصول إلى أربعينيات القرن الماضى، وقد أعلنت "إنفيسكو" إجمالى أصول خاضعة للإدارة بقيمة تريليون دولار تقريبا في نهاية أغسطس 2018، وتضم الشركة أكثر من 100 صندوق مشترك.
|
زيادة في التنافسية
وتقدر مجموع "سافيلس" البريطانية حجم الأصول العالمية مجتمعة بحوالي 217 ترليون دولار، تتحكم شركات إدارة الاستثمارات بحوالي 40% منها وفقًا لتقديرات المجموعة، بما يجعلها في موقع شبه محتكر لإدارة الاستثمارات بسبب ما وصفته دراسة لـ"هارفرد" بالتنسيق التلقائي فيما بينها.
وعلى الرغم من الحجم الكبير للغاية لتلك الشركات، إلا أن تقرير لـ"مورجان ستانلي" يشير إلى احتمال تعرض ثلث شركات إدارة الاستثمارات لصعوبات خلال 5-10 سنوات قادمة بسبب التنافسية العالية بعضها مع البعض، بما سيجعلها مضطرة إلى الدخول في عمليات اندماج للبقاء.
فمع زيادة عدد تلك الشركات والطبيعة الدولية لعملها تتقلص إيراداتها باستمرار، في الوقت الذي تزداد فيه تكلفة عمليات تحليل المخاطر والبحث عن طرق جديدة لتنمية الإيرادات بسبب ندرة الكفاءات البشرية في هذا المجال.
ويشير تقرير لمجموعة "برايس ووتر كوبرز هاوس" إلى أن معدلات النمو السريعة للغاية لصناعة إدارة الاستثمارات خلال الخمسة عشر عامًا السابقة، والتي بلغت 7% سنويًا في المتوسط، و9% منذ الأزمة المالية العالمية، ترجع بالأساس إلى لجوء الكثير من أصحاب الثروات إليها كبديل يحقق أرباحًا أعلى من البنوك، ويوفر قدراً أعلى من الأمان أيضًا في ظل مخاوف تكرار الأزمة المالية العالمية وبدايتها من البنوك.
ووفقا للتقرير، فإن صناعة إدارة الاستثمارات ستنمو بنسب تتجاوز 6% بانتظام خلال السنوات العشر المقبلة، في ظل رغبة واضحة في تحقيق انتقال واضح في نوعية الاستثمارات، بضخ الكثير من تلك الشركات لاسثتمارات كبيرة في مجال تطوير البيانات الضخمة وتكنولوجيا "بلوك تشين".
وتوضح دراسة لـ"هارفرد" تحرك تلك الشركات بشكل جماعي في الاستثمار في العديد من المجالات، إذا ما استشعرت إمكانية حدوث "اختراق" أو كشف ما في هذه المجالات، وداخل وخارج بعض الدول، بما يجعلها المسبب الأول لظاهرة الأموال الساخنة التي تسعى لاستغلال ظروف بعض الدول النامية الاقتصادية من خلال استثمارات قصيرة المدى أو مضاربات في البورصة أو على العملة.
وبحجم تلك الشركات الكبير للغاية تبدو كما لو كانت بمثابة "حكومة اقتصادية خفية" كما يشير تقرير لـ"فاينانشيال تايمز"، حيث تمتلك وتدير أصولًا لا تملكها حكومات قوية، بل وتتمتع بميزة نسبية عن الدول تتمثل في قدرتها على التصرف بحرية أكبر في تلك الأصول.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}