تظهر بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر فبراير في الولايات المتحدة أن التضخم الأساسي كان أضعف من المتوقع، حيث تراجع تضخم أسعار السلع الرئيسية 0.2%، فيما ارتفعت أسعار إيجار العقارات في البلاد 0.3%، بحسب تقرير لـ"فاينانشيال تايمز".
وبكل بساطة يعني هذا أن سوق الإسكان لا يسير بخطوات متزامنة مع باقي الاقتصاد، وبعد مرور عقد من الزمان على انفجار فقاعة الرهن العقاري، لا يزال يشكل هذا السوق أكبر الأصول المالية لأغلب الأمريكيين، والمكون الرئيسي الوحيد لمؤشر أسعار المستهلكين.
لماذا حدث هذا؟
- لأنه كما توقع الاقتصادي الراحل "هيمان مينسكي"، فإن السياسة النقدية الفضفاضة على مدار الأعوام العديدة الماضية، عززت قيمة الأصول، لكنها لم تخلق عرضًا قويًا إضافيًا، أو ما يكفي من الطلب في قطاع البناء وغيره من المجالات ذات الصلة بالإسكان.
- يقول الخبير المصرفي الاستثماري "دانييل ألبرت" في ورقة بحثية تحت عنوان "ما الذي أخطأه الفيدرالي بشأن التضخم وأسعار الفائدة": ما لدينا الآن هو شكل من أشكال التضخم غير المسبوق من قبل، يتركز في قطاع الإسكان.
- على مدار العقد الماضي، ارتفعت تكلفة الإسكان بشكل حاد مقارنة بأي شيء آخر، وشكلت نسبة تاريخية من التضخم الأساسي في صيف عام 2017 عند 81%، وما زالت تحظى بنصيب الأسد منه، في حين لم تكن هناك زيادات ملائمة في الرواتب.
- متوسط دخل الأسرة المعدل وفقًا للتضخم أصبح بالكاد أعلى قليلًا عما كان عليه في نهاية القرن الماضي، وهذا التباين ليس بسبب السياسة النقدية غير المهيأة لاحتواء الموقف فحسب، ولكنه تفاقم بسبب أفعال الفيدرالي (وإن كانت عن غير قصد).
- أفعال الفيدرالي المقصودة، تشمل انخفاض أسعار الفائدة وسياسة التيسير الكمي التي رفعت أسعار المساكن في المدن التي تتوافر بها أفضل الوظائف من حيث الأجور، لذا من الطبيعي ألا يستطيع الخريجون العثور على سكن ملائم بالقرب من فرص العمل الجيدة.
كرة الثلج تشكلت
- أصبح الوضع برمته أكثر تعقيدًا بسبب التضخم في جوانب أخرى، وتحديدًا التعليم العالي، حيث بلغت القروض الطلابية في الولايات المتحدة مستوى قياسيًا، وبات سدادها يشكل عقبة حقيقية للكثيرين، فنحو 12% من المقترضين متأخرون عن السداد منذ 90 يومًا.
- وفقًا لمصرف "جيه بي مورجان"، فإن ارتفاع القروض الطلابية أدى إلى خروج مليوني شاب من السوق العقاري، وتسبب في انخفاض معدل تملك المنازل بنسبة 1.5%، هذا يعني أن هؤلاء الطلاب لا يمكنهم بناء الثروة، وبالتالي هو عامل يثبط الطلب على المنازل.
- يصف رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك "بيل دادلي"، ارتفاع مستويات ديون الطلاب والتخلف عن السداد بـ"الرياح المعاكسة الشديدة" للنمو الاقتصادي في المستقبل، لكن الشهادة الجامعية تمثل أحد الأصول القيمة مثل العقارات.
- سوف يفعل الأمريكيون أي شيء يمكن من أجل تأمين الحصول عليها، بما في ذلك حتى الكذب والغش والرشوة كما كشفت تقارير مؤخرًا، دفع أثرياء أموالًا طائلة لاستشاريين من أجل تزوير أوراق اعتماد لأبنائهم وإلحاقهم في جامعات رئيسية وضمان نجاحهم.
- تتجاوز الإيجارات في المدن التي بها جامعات على غيرها، ويعزى ذلك جزئيًا إلى أن مطوري العقارات الفاخرة يتطلعون إلى جذب الطلاب والآباء الأثرياء بمرافق راقية، فهل من المستغرب أن تتشكل كرة ثلج بين فقاعتي التعليم العالي والإسكان؟
لحظة "مينسكي" قادمة
- الفجوة بين الدخل وأسعار الأصول ليست محض مشكلة أمريكية، لكن يمكن ملاحظتها في العديد من الأسواق الدولية الأخرى، بما في ذلك هونج كونج ولندن وباريس وسنغافورة.
- في الولايات المتحدة، بدأت أسعار العقارات غير المستدامة في التراجع مؤخرًا في مدن الفقاعات مثل نيويورك، وهو أمر ينبئ تاريخيًا بحدوث انكماش على الصعيد الوطني، وستكون التداعيات الاقتصادية والسياسية واضحة آنذاك.
- تبدو أمريكا بشكل متزايد كاقتصاد السوق الناشئ، بمعنى أن أساسيات الحلم الأمريكي (السكن والتعليم والتدرج صعودًا في المستوى الاجتماعي) تتآكل، وقد يتطلب ذلك إعادة التفكير في السياسة النقدية والفصل بشكل أكبر عند صياغة قرارت الفائدة.
- لكن إذا كانت فقاعة الإسكان تثبت شيئًا، فهو أن قادة البنوك المركزية لا يمكنهم إصلاح كل شيء بمفردهم، ويجدر النظر إلى بعض الساسة مثل أولئك الذين يقترحون مشاريع بنية تحتية وسياسات صناعية ترتكز على التحفيز المالي وليس السياسة النقدية، وهذا علاج لما يبدو أن لحظة "مينسكي" قادمة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}