في الوقت الذي تتصدى فيه البنوك للمنافسة على عدة جبهات، مثل تلك مع مقدمي خدمات تحويل الأموال وتطبيقات الدفع الإلكتروني ومؤخرًا العملات الرقمية، والتي تتميز جميعها إما بالسرعة وإما بالخصوصية الشديدة التي تصل إلى حد حجب المعاملات عن أعين السلطات المركزية، فإن خصمًا آخر بخصائص مشابهة لهؤلاء المنافسين يهدد باقتطاع حصة إضافية من الكعكة التي استأثرت بها المصارف طويلًا.
هذا الخصم هو "البنوك المتحدية للسوق" أو "تشالنجر بانكس"، ويشير مصطلح "متحدي" بالأساس إلى الشركات الصغيرة الناشئة التي تسعى جاهدة لإثبات وجودها في سوق ما والاستحواذ على حصة منه، وبالتالي فإن "تشالنجر بنك" هو مصرف يتحدى أقرانه الأكبر حجمًا.
خدمات أفضل
- بعض هذه المصارف حديثة العهد وما زالت تبحث عن موطئ قدم، في حين أن البعض الآخر يرسخ قواعده بطريقته الخاصة، فعلى سبيل المثال لا يقدم المصرف البريطاني الوليد "تشارتر سافينغ بنك" سوى منتجات الادخار، في حين أطلق مصرف "ميترو بنك" 36 فرعًا في أنحاء لندن رغم أنه تأسس عام 2010 (صُنف فيما بعد كـ"تشالنجر بنك").
- بحسب موقع "موني فاكتس" فإن قطاع المصارف المتحدية للسوق آخذ في النمو طوال الوقت، وحاليًا ينظر المنظمون في العديد من الطلبات للحصول على تراخيص تسمح بممارسة النشاط البنكي، وهو ما ينذر بمزيد من المنافسين، ورغم أن هذه الأنباء قد تبدو سيئة الوقع على البنوك الرئيسية فإنها تبدو مُفرحة للمتعطشين لمزيد من التنافسية.
- تقول شركة "نارميتك" للتقنيات والأنظمة المصرفية، إن هذا النوع من البنوك "تشالنجر بنك" ينافس على جوهر الخدمات التي اعتمدت عليها البنوك التجارية وبنوك التجزئة على مدى مئات السنوات، ويركز على كل شيء بدايةً من وجود فرع حقيقي، إلى تحسين فعالية معاملات الشيكات والنقدية والصراف الآلي.
- إنهم يسعون وراء المستهلك مباشرة من خلال تقديم تجربة مصرفية مميزة وخدمة عملاء رفيعة المستوى، وتضيف "نارميتك": هذه المصارف بمثابة الهواء النقي لصناعة أخفقت في تسيير عملية الابتكار بالوتيرة التي يحتاج إليها المستهلكون بالفعل اليوم.
- الآن، هناك الكثير من هذه المصارف حول العالم، ويقدمون عائدات جيدة للغاية على حسابات الادخار الشخصية، كما أن الكثير منها تقدم مستوى راقياً من الخدمات.
من أين انطلقت؟
- رغم أن هذه البنوك وصلت إلى أماكن أخرى، فقد كانت انطلاقتها من المملكة المتحدة حيث بدأ تأسيس بنوك صغيرة الحجم بغرض المنافسة مع المصارف الوطنية الضخمة المؤسسة منذ زمن بعيد مثل "إتش إس بي سي" و"باركليز" و"لويدز" و"رويال بنك أوف سكوتلاند"، وتركز على تقديم خدمات متميزة وعروض أفضل.
- عقب هدوء إعصار الأزمة المالية العالمية، بدأ بنك إنجلترا تحركات موسعة بغرض فتح السوق أمام بنوك جديدة لإضفاء مزيد من التنافسية بعد تآكل الثقة في المصارف الكبرى بالفعل، وحينها كشف عن عملية مبسطة من خطوتين مع متطلبات رأسمالية أقل لتدشين البنوك الجديدة عام 2013، بحسب موقع "تك ورلد".
- في ذلك العام أظهر استطلاع أجرته "يوجوف" أن ثقة المواطنين في الصناعة المصرفية البريطانية تآكلت بشكل كامل تقريبًا، إذ قال 84% من المشاركين في المسح إن المصرفيين يتسمون بالجشع ويتقاضون أجورًا زائدة عما يستحقون.
- كانت هذه اللحظة التي ولدت فيها المصارف المتحدية رسميًا، حيث عولت السلطات المصرفية عليها في أن تسهم في إعادة بناء سمعة القطاع اعتمادًا على التقنيات الحديثة، وسرعان ما اجتذب هذا النمط من البنوك اهتمام المستثمرين وتجاوزت قاعدة عملائه المليون عميل.
- بشكل رئيسي، تركز هذه المصارف على جذب العملاء الذين يميلون للتكنولوجيا والمعاملات الرقمية، حيث تعتمد خدمات الـ"تشالنجر بنك" بشكل كامل تقريبًا على الأنظمة الرقمية والمحمولة، وتضمن قدرًا كبيرًا من الشفافية.
- تقول "برايس ووتر هاوس كوبرز": رغم أن أيًّا منها ليس جزءًا من اللاعبين الكبار في القطاع المصرفي، فإن هذه البنوك تحظى باهتمام كبير مؤخرًا بفضل توليها مقود الابتكار وتحسينها لمستويات الخدمة المقدمة للعملاء في السوق.
- لا يعتمد هذا النوع من المصارف على الفروع كثيرًا ويركز على استخدام التكنولوجيا وتحديدًا الجوالات لتقديم الخدمات إلى عملائها، وهي وسيلة تلاقي قبولًا متزايدًا، لكن ذلك لا يعني أن جميع الكيانات التي تندرج تحت مصطلح "تشالنجر بنك" لا تملك مقرات أو فروعاً، لكن أعمال الكثير منها يقوم على التقنيات المتنقلة، حسبما أفاد موقع "ويتش".
المستقبل
- تعتقد "ووتر برايس هاوس كوبرز" أن تغير السياسة التنظيمة للقطاع المصرفي بغرض تسهيل دخول المزيد من البنوك إلى السوق، سيحسن المنافسة وهو ما ينعكس إيجابياً على الخيارات المتاحة أمام العملاء ونتائج أعمال القطاع ككل.
- مع ذلك، فإن المصارف الناشئة في المملكة المتحدة تسلط الضوء على عدد من القضايا التي تراها سبيلًا لتسريع وتيرة التقدم، مثل تعزيز القدرة على الوصول إلى أنظمة الدفع ورفع مستوى الشفافية المتعلقة بالمنتجات لتحسين فهم العملاء لقيمة المنتج.
- في تقرير لـ"فايننشال تايمز"، شكا "جوناس هاكستاين"، الشريك المؤسس لمصرف "مونزو" (يصنف كأحد البنوك المتحدية للسوق)، الصعوبات غير المتوقعة والمحبطة التي واجهها خلال محاولات الحصول على التراخيص.
- مع ذلك، لا يزال يؤمن الكثيرون في الصناعة المصرفية في بريطانيا بأن المنافسة التي تخلقها البنوك المتحدية للسوق لم تنضج بما يكفي لتحدث أثرًا صحيًا بالقطاع، ويعتقد البعض بأن هناك سقفاً وضع لتقويض نمو هذه البنوك رغم كل شيء.
- تقول شركة التكنولوجيا المالية "فين ليب" في تقرير لها: حققت المصارف المتحدية للسوق نجاحًا كبيرًا وغيرت الطريقة التي ينظر بها إلى القطاع المصرفي، ومع ذلك فسيكون أمامها معارك جديدة لتواجهها، أبرزها انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعزم المزيد من المنافسين دخول السوق.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}