نبض أرقام
12:30 م
توقيت مكة المكرمة

2024/12/22
2024/12/21

هوس الترند!..البشر يمارسون الجنون على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأسواق المالية أيضاً

2019/02/09 أرقام - خاص

هل تخيلت يومًا كيف سيكون ردك إذا طلب أحدهم منك القفز من فوق قمة جبل عالٍ؟، أو حتى قيادة سيارتك وأنت معصوب العينين؟.. أكاد أسمع الإجابة تندفع من فاهك مع ملامح تعجب ممزوجة بالسخرية: "يا لجنونك.. بالطبع لا ولن أفكر، ولن يطلب أحدهم مني أو من غيري فعل ذلك".

 

أنت محق، الجميع سيتفق معك في ذلك، فقط إن كنا لا نزال في عصر ما قبل منصات التواصل الاجتماعي، الآن قد لا تحتاج أن يطلب منك أحد فعل ذلك، فقط سيحثك بشكل غير مباشر وربما دون أن تعرفه، وأنت من سينفذ بملء إرادته الأمر ودون تفكير.
 

 

تحدي الخير
 

في صيف عام 2014 انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لعدد كبير من الشخصيات تحت وسم "تحدي دلو الثلج"، حيث يقوم الشخص بإحضار دلو كبيرة مملوءة بالمياه الباردة والثلج ومن ثم يصبها كاملة وبسرعة على رأسه، وانتشر هذا التحدي بعد ذلك بين الشباب في مختلف أنحاء العالم.

 

بدا الأمر جنونيًا في البداية؛ فما الذي يدفع إنسانا عاقلا ومتزنا نفسيا -خاصة أن شخصيات عالمية في مجالات الفن والعلوم والأعمال شاركوا فيه- إلى إغراق نفسه بالمياه المثلجة ويهتز مرتعدا فور تدفق المياه على جسده، وبطبيعة الحال تعرض الأمر لانتقادات وهجوم من الكثيرين، لكن في الحقيقة كانت هناك قضية سامية وراء التحدي.

 

انطلق تحدي دلو الثلج في الأساس للتوعية بمرض التصلب الجانبي الضموري الذي يصيب الأعصاب، ودعم مرضاه والأبحاث التي تركز على وضع نهاية له، وبجانب الشق التوعوي للتحدي كان على كل شخص أن يتحدى ثلاثة آخرين لتجربة الأمر، والتبرع لصالح الجهات المهتمة بمعالجة هذا الداء الذي يصيب الأعصاب الحركية.
 

 

بعد نحو عام من بدء التحدي الذي انتشر كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، كان الملايين من الأشخاص قد شاركوا فيه ورفعوا مقاطع فيديو  أثناء خوض التجربة سجلت مليارات المشاهدات.

 

وتقول جمعية "إيه إس إل" الأمريكية التي تعمل على دعم الأبحاث ومداواة آلام مرضى التصلب الجانبي الضموري، إنها تلقت 115 مليون دولار خلال ستة أسابيع من انطلاق التحدي، علمًا بأن ميزانيتها السنوية كانت لا تتجاوز 20 مليون دولار فقط آنذاك.

 

نعم كانت الغاية سامية والهدف راقيا يفوق الانتقادات، لذا كان منطقيًا أن يشكل هذا التحدي "ترند" أو توجها عاما يسيطر على شبكات التواصل الاجتماعي ويجذب أغلب روادها، ويضرب بالتشكيكات عرض الحائط، لكن هل المشاركة العامة في مثل هذه التحديات دائمًا ما تكون نابعة من الترويج لقضية أم فقط لمواكبة الترند والانسياق وراء الظاهرة كما القطيع؟

 

الرهان على الخصوصية
 

في أوائل يناير/كانون الثاني، بدأ تحد جديد على صفحات التواصل الاجتماعي وهو "تحدي العشر سنوات"، والذي يقوم فيه مستخدم المنصة الإلكترونية برفع صورتين الفرق الزمني بينهما عشر سنوات (2009 - 2019) ليظهر الفارق والتغير الذي طرأ عليه خلال هذه المدة الزمنية.

 

إذن، فقد كانت الظاهرة اجتماعية بشكل خالص تركز على التذكير بالأيام الخوالي ومشاركة الأصدقاء لحظات افتقدوها أو ربما لم يعاصروها مع صاحب الصورة، ومع ذلك فالبعض وظّف التحدي في استخدامات أخرى، كتسليط الضوء على التغيرات المناخية والبيئية والسياسية (في بعض مناطق الصراع حول العالم).
 

 

في تقرير لـ"كيه كيو إي دي"، حذّرت الشبكة الإخبارية التي تتخذ من كاليفورنيا مقرًا لها مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي من أن عليهم التفكير مرتين قبل نشر صورهم بهذه الطريقة، مستشهدة برأي الاستشارية التكنولوجية "كيت أونيل".

 

ووفقًا لـ"كيت" فإن بيانات هذا التحدي يمكن استخدامها من قبل شركات مثل "فيسبوك" و"أمازون" لتدعيم خوارزميات التعرف على الوجوه، وهو أمر يدعم القدرات الحاسوبية للتعرف على تلك الوجوه حتى مع تقدم العمر، ما قد يدعم جهود العثور على الأطفال المفقودين حتى بعد سنوات على فقدهم، وهو أمر إيجابي دون أدنى شك، إذن أين المشكلة؟

 

لكن في الوقت ذاته يمكن استخدام بيانات التحدي ضد مشاركيها، فمع تحسين تقنية التعرف على التقدم في العمر، ستتطور طرق تقييم اشتراكات التأمين والرعاية الصحية، وفي حال بدا أن الشخص يشيخ بوتيرة أسرع، قد يعني ذلك أن عليه دفع مزيد من الرسوم وربما الحرمان من الخدمات.

 

وأشارت "كيت" إلى التداعيات السلبية التي نتجت جراء بيع "فيسبوك" بيانات عشرات ملايين المستخدمين إلى شركة "كامبريدج أناليتيكا"، والتي وظفت هذه البيانات لخدمة الحملة الانتخابية لرئيس الولايات المتحدة الحالي "دونالد ترامب" في 2016.

 

ونصحت "كيت" مستخدمي الإنترنت بتوخي الحذر فيما يتعلق بالألعاب والحملات الإلكترونية التي تدفع الناس للمشاركة فيها بطرق خاصة وغير تقليدية، ورغم رفض الكثيرين لحجتها باعتبار أن أغلب المقارنات تمت باستخدام صور موجودة بالفعل على شبكات التواصل الاجتماعي، ردت "كيت" بأن جمعها معًا يسهل عملية الوصول إلى البيانات ورصدها.
 

 

البعض أيضًا تخوف من مسألة تعقب وجوه المستخدمين إلى ما هو أبعد من شبكات التواصل الاجتماعي، وبيع بيانات التتبع تلك إلى الحكومات لمراقبة مواطنيها، وبحسب "فوربس" تقدم ائتلاف مكون من 85 مجموعة ومنظمة بطلب إلى شركات مثل "مايكروسوفت" و"أمازون" و"جوجل" للتوقف عن بيع تقنيات التعرف على الوجوه للحكومة الأمريكية.

 

وقالت المجموعة: "نحن في مفترق طرق مع تقنية تعقب الوجوه، وستحدد الخيارات التي ستتخذها هذه الشركات ما إذا كان على الجيل القادم خشية مراقبة لصيقة من الحكومة أثناء مشاركته في الاحتجاجات أو الذهاب لأماكن العبادة أو عيش حياته بشكل طبيعي وبسيط".

 

جعل الخيال حقيقة
 

إذن ورغم المخاوف، ربما كان لتحدي العشر سنوات جوانب إيجابية أو هكذا رأى المستخدمون، لكن ماذا إن كان الترند القادم يدعوك إلى عصب عينيك بينما تمارس حياتك الطبيعية، وأنت تطبخ الطعام أو وأنت تمارس الرياضة أو تسير في الشارع وحتى تقود سيارتك؟ نعم لا تستغرب، هذا التحدي حقيقة مستوحاة من فيلم "Bird box".

 

في الفيلم، تضطر عائلة إلى خوض رحلة طويلة وخطرة وهي معصوبة العينين لتجنب السقوط ضحية وحش شرس يمكنه أسر الناس من الخلال النظر إلى عيونهم، وفيما تبدو القصة شيقة، لكن العقل الإنساني لا يتوقع أن ينتقل هذا الأمر إلى أرض الواقع، على الأقل ما دام هذا الوحش حبيس الخيال.
 

 

لجنون شبكات التواصل الاجتماعي ومع انطلاق مثل هذه التحديات عبر صفحات بعض الأشخاص الأكثر شهرة والمعروفين بـ"سوشيال ميديا ستارز" أو أولئك الأشخاص الذين اكتسبوا شهرة وأصبحوا نجومًا بفضل مشاركاتهم المميزة -التي تكسبهم مزيدًا من الأموال كلما كانت المشاهدات أكبر لمنشوراتهم ومقاطع الفيديو- بات تحدي "بيرد بوكس" حقيقة قد تصادفها في الشارع أو موقع العمل.

 

بدأ مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي بالفعل خوض هذا التحدي عبر توثيق ممارستهم لأنشطة الحياة اليومية وهم معصوبو العيون كما لو كانوا في الفيلم، ويشمل ذلك مهام منزلية وأخرى في الشارع، وانتشرت بعض المقاطع المجنونة، التي دفعت "نتفليكس" التي عرضت الفيلم، للتحذير من أن هذا التحدي قد يتسبب في إيذاء من يقوم به وربما يضطره للذهاب إلى المستشفى.

 

على أي حال، لم تحدد "نتفليكس" ما إذا كان المستشفى الذي على المتحدي الذهاب إليه ينبغي أن يكون للطب العضوي أم النفسي، فالكثيرون يتساءلون، لمَ قد يفعل شخص طبيعي أمرًا بهذا الجنون، لكن في الواقع لا يبدو هناك تبرير منطقي، فكلما كان الترند أكثر شيوعًا حاول الكثيرون القفز عليه لسبب ما، ربما لأسباب إنسانية واجتماعية لكن أحيانًا قد تكون نابعة من عقلية القطيع والتجربة لأجل التجربة، جهلًا بالعواقب اللاحقة.

 

تحديات قاتلة
 

جميعنا يتذكر، تحدي رقصة "الكيكي"، والتي يترجّل فيها السائق من سيارته أثناء سيرها ويبدأ الرقص بجوارها بينما تتحرك، قد يبدو ذلك لطيفًا للبعض لكنه متهور في الحقيقة ويخالف القواعد وتم فرض عقوبات في بلدان عدة على من يقدم على فعلها.
 

 

هناك أيضًا تحد قديم آخر لكنه ما زال مستمرًا، أودى بحياة العشرات حول العالم رغم بساطته، وهو تحدي "السيلفي" أو التقاط الصورة بكاميرا الجوال الأمامية، وكشفت دراسة نشرتها صحيفة "ذا ويك" البريطانية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن أن محاولات التقاط صور السيلفي الغريبة وغير التقليدية أودت بحياة 259 شخصًا منذ عام 2011 إلى 2017.

 

وتبين أن السببين الرئيسيين للوفيات هما الغرق وحوادث النقل، وشملت الحوادث مقتل شابة تايلندية أثناء التقاطها صورة أمام قطار مسرع، وصُعق آخر بالكهرباء فوق أحد القطارات، فيما أطلق شخص النار على نفسه بالخطأ أثناء التقاط صورة السيلفي خاصته، وسقط زوجان بولنديان وطفلاهما من على حافة منحدر عندما حاولا التقاط صورتهم الخاصة.

 

ولعل الحادث الأخير للزوجين يشبه كثيرًا أحد الرسوم الكاريكاتيرية الذي انتقد ظاهرة تحديات مواقع التواصل الاجتماعي، ويظهر فيه شخصان على حافة جبل أحدهما يقول للآخر ما رأيك أن تقفز من هنا، فيرد الآخر: "مستحيل أن أفعل"، ليعيد الأول الطلب بصيغة مختلفة وهي "تحدي القفز عن الحافة"، وهو ما دفع الثاني للقفز على الفور.
 

 

القفز على الترند: سمة الأسواق
 

الخلاصة؛ قد تكون بعض الترندات إيجابية وذات مغزى حقيقي وإنساني، لكن الكثير منها أيضًا قد تكون بلا معنى وربما لا تُحمد عقباها في النهاية، وقد يكون من يقودونها يبحثون عن "استفادة شخصية"، ولعل هذه الطبيعة البشرية هي ما تجعل الأمر متطابقًا مع ما يجري في الأسواق المالية أحيانًا.

 

نمط القفز على الترند دون روية يظهر جليًا في كثير من الفترات في الأسواق، لعل أبرزها الفقاعة، والتي ينتج عنها ارتفاع غير مبرر في قيمة الأصول خلال فترة زمنية، نتيجة عمليات الشراء المكثفة على أمل تحقيق مكاسب جراء الزيادة المتوقعة في القيمة، وعادة ما تنتهي هذه المرحلة نهاية مؤلمة على الكثير من المستثمرين الذي يفقدون قدرًا كبيرًا من استثماراتهم مع انفجار الفقاعة.

 

وتاريخيًا، ارتبط مصطلح الفقاعة بحالة الهوس التي صاحبت المضاربة على سهم شركة "بحر الجنوب" البريطانية، ويمكن مطالعة القصة كاملة من هنا، ولعل أيضًا أبرز أمثلتها هي فقاعة زهور التوليب التي تجاوز سعر الواحدة منها في القرن السابع عشر قيمة منزل، بسبب الطلب الجنوني غير المبرر، قبل أن تهبط الأسعار إلى لا شيء بعد ذلك.

 

خلال فقاعة "التوليب" التي بلغت ذروتها أوائل عام 1637 انغمست فئات مختلفة من الهولنديين (عمال ومزارعون وتجار وغيرهم) في بيع وشراء الزهرة، وخلال أيام من بلوغ الذروة تراجع السعر إلى النصف واندلعت موجة بيع جنونية، وبعد مرور قرابة الشهر، انهارت الأسعار تمامًا، وأصيب العديد من المتاجرين فيها بالاكتئاب بعد الخسائر الفادحة والديون التي أثقلت كواهلهم.

 

ولِمَ ننظر للماضي ولدينا مثال حي الآن؟! وهو العملة الرقمية "بتكوين" التي يعلم الجميع قصتها الحزينة، حيث بلغت قرابة 20 ألف دولار في أواخر عام 2017 لتهبط إلى ما دون 4 آلاف فقط حاليًا.

 

في الثامن والعشرين من يونيو/حزيران عام 2018، أي بعد 6 أشهر تقريبًا على بلوغ "بتكوين" ذروتها، تراجعت العملة الرقمية إلى 6 آلاف دولار، وأفادت مجلة "إنك" حينها بأن خسائر التوأمين "وينكلفوس" -مستثمران مبكران في بتكوين- بلغت 1.6 مليار دولار.

 

ولم تقتصر خسائر العملات الرقمية على "بتكوين" فقط، فقد كانت اتجاهًا جماعيًا، وأشارت المجلة إلى أن المؤسس المشارك لعملة "ريبل" فقد 44 مليار دولار من ثروته المقدرة بـ60 مليارًا في مطلع عام 2016.
 

 

وأخيرًا، فإن أحد أبرز أوجه القفز على الترند، هو البيع الهلعي، والذي يقصد به هرولة المستثمرين خارج السوق وبيع أصولهم دون تقييم، خوفًا من الخسارة في أوقات الاضطراب، وهو سلوك يؤجج الأثر السلبي للموجات البيعية، كما حدث في انهيار الإثنين الأسود لـ"وول ستريت".

 

وعادة ما ينتهي الأمر باستفادة مستثمرين آخرين، ففي هذه الحالة -مع تزايد العمليات البيعية- تنخفض أسعار الأسهم، وهو ما يشكل فرصة لاقتناء أفضل الأسهم والإبقاء عليها لحين تعافي السوق وارتفاع الأسعار، وبحسب "سي إن بي سي" فإن المستثمرين الذين حافظوا على تماسكهم عقب الأزمة المالية في 2008 عوّضوا خسائرهم كاملة وحققوا مكاسب قوية بعد ذلك.

 

وفي الختام، فإن مسألة الإستثمار في الأسواق المالية تتطلب قدرا وافيا من التدقيق والدراسة الكافية والتروي، لا مجرد القفز داخل السوق بشكل عشوائي وأنت معصوب العينين، كما هو الحال مع ترندات "السوشيال ميديا" التي تعرّض خصوصية وربما حياة المستخدمين للخطر، فما رأيك، هل ستكون ضمن ركاب الترند والسلام مهما كان الاتجاه؟

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.