عندما عبر الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" إلى الجنوب في أبريل/ نيسان عام 2018، لعقد قمة تاريخية مع نظيره "مون جاي إن"، تبادرت للأذهان المشاهد الملهمة من انهيار جدار برلين أواخر الثمانينيات والذي أعيد على أثره توحيد الشطرين الشرقي والغربي للبلاد واستطاع مواطنو الجانبين التنقل بحرية.
هذه المقارنة لم تكن نابعة من خيال محبي السلام وداعمي العولمة والاندماج في النظام العالمي، لكنها جاءت مدفوعة أيضًا بطموح المستثمرين الذين يطاردون الفرص في شتى بقاع الأرض، حيث يعتقد محللون أن إعادة دمج كوريا الشمالية في الاقتصاد العالمي سيفتح مكامن جديدة للنمو، لكن بالتأكيد سيحتاج ذلك إلى تكاليف باهظة.
كيف يبدو اقتصاد الشمال حاليًا؟
- كانت شبه الجزيرة الكورية مستعمرة يابانية منذ عام 1910 وحتى 1945، ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها، استسلمت القوات اليابانية في المنطقة الشمالية للجيش السوفيتي، فيما تولت الولايات المتحدة إدارة المنطقة الجنوبية.
- منذ ذلك الحين لم يتم توحيد الجانبين، وفي عام 1950 قام الزعيم الشمالي "كيم سونغ" الثاني باحتلال المنطقة الجنوبية، وحينها اندلعت الحرب الكورية المدمرة، والتي امتدت ثلاث سنوات، قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الشمالية، بحسب "إنفستوبيديا".
- فشل "كيوم سونغ" في توحيد الكوريتين تحت الراية الشيوعية، وبدأ في التركيز على نطاق حكمه، فأقام اقتصادًا يرتكز على الصناعات الثقيلة وتنمية النفوذ العسكري، وهي سياسات يعتقد الخبراء أنها سبب في عرقلة التنمية الحقيقية للبلاد منذ ذلك الحين.
- يرجع المحللون أوجه القصور في السياسات الكورية الشمالية بالمقام الأول إلى التركيز على الجيش دون غيره، ما أدى إلى ركود في إنتاج الطاقة والصناعة، جنبًا إلى جنب مع نقص الغذاء وإحداث خلل في النظام الاقتصادي بشكل عام.
- وفقًا للاستخبارات المركزية الأمريكية، فإن المشاكل التي سببها ضعف رأس المال الصناعي تكاد تكون غير قابلة للإصلاح نتيجة سنوات من نقص الاستثمار وقطع الغيار وسوء أعمال الصيانة، حيث أدى الإنفاق العسكري على نطاق واسع إلى استنزاف الموارد المتاحة للاستثمار والاستهلاك المدني.
- يصل تعداد سكان كوريا الشمالية إلى نحو 25 مليون شخص، وقُدر حجم اقتصادها بنحو 36.4 تريليون وون (34 مليار دولار) في 2016 وفقًا لتقديرات البنك المركزي لكوريا الجنوبية، ويصل نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي في الشمال إلى 1.46 مليون وون، مقارنة بـ31.98 مليون وون في الجنوب.
رغبة شمالية في الانفتاح
- تقول "سي إن بي سي" في تقرير لها، إن "كيم" حاول الابتعاد عن سياسة أسلافه "الجيش أولًا"، واعتمد سياسة جديدة هي "المسار المزدوج" ليوفر الدعم اللازم للاقتصاد بالتزامن مع مواصلة البرنامج النووي للبلاد، وهو ما يأتي عقب تقارير أفادت بأن الزعيم الكوري الشمالي انفجر في البكاء حزنًا على ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية لبلاده.
- عانت البلاد في السابق من مجاعة، وتعتمد على الصين لتأمين ما تحتاجه من غذاء ووقود والحصول على الموارد اللازمة لدعم الترسانة الصاروخية، وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن 41% من السكان يعانون حاليًا من ضعف التغذية.
- ستحتاج كوريا الشمالية إلى رأس مال هائل من المستثمرين الدوليين، لإعادة إحياء البنية التحتية المتردية للبلاد، بما في ذلك شبكات الكهرباء والنقل التي عفى عليها الزمن، ومن المرجح أن تشمل خطط "كيم" إنشاء مناطق اقتصادية خاصة وتعزيز السياحة بغرض زيادة إيرادات البلاد من العملة الأجنبية.
- منذ قدومه إلى السلطة أواخر عام 2011، نفذ "كيم" أكبر إصلاحات اقتصادية في تاريخ البلاد بالفعل، وأعاد منح الحوافز الشخصية للمزارعين ومديري المصانع، وسمح بظهور الاقتصاد النقدي، وإجمالًا استطاع تجنيب البلاد مصير المجاعة مجددًا.
- وفقًا لتقرير نشرته شبكة "إيه بي سي" الإخبارية، فإن الزعيم الكوري الشمالي الحالي، بات يعي تمامًا أن أي تنمية حقيقية في بلاده، تستدعي فتح أبوابها للعالم لضمان تدفق رأس المال والتكنولوجيا.
ثروة هائلة
- يقول البروفيسور بجامعة سول الوطنية "بيونغ يون كيم"، إن الإصلاحات التي أجراها الزعيم الشمالي الشاب أنقذت اقتصاد البلاد من الانهيار التام، مضيفًا أن الصين هي العامل الرئيسي في دعم بيونغ يانغ، حيث تشكل 90% من حجم تجارة كوريا الشمالية.
- يضيف "بيونغ": لم تؤثر العقوبات على بيونغ يانغ، إلا عندما قررت الصين تشديد الخناق على تجارة الفحم وخام الحديد والمأكولات البحرية في 2017، ما تسبب في تراجع صادرات كوريا الشمالية إلى الصين بنسبة 40% وانكماش النمو، وهو ما أجبر الشماليين على التفاوض في نهاية المطاف.
- إعادة فتح طرق النقل والمواصلات بين الكوريتين، سيمهد الطريق أمام الوصول إلى ثروة معدنية تقدر بتريليونات الدولارات في الجانب الشمالي من شبه الجزيرة، فبحسب تقديرات جنوبية تبلغ قيمة الموارد المعدنية في الشمال 20 مرة حجم نظيرتها في الجنوب، أو ما قدره 10 تريليونات دولار.
- وفقًا لـ"الإيكونوميست" فإن تفكيك الجيش الدائم لكوريا الشمالية، والذي يعد رابع أكبر جيش في العالم، سيوفر قوة عاملة هائلة يمكنها دعم نظيرتها في الجنوب حال تم توحيد البلدين، وفي هذا السيناريو أيضًا ستستفيد سول من العناصر الأرضية النادرة المستخدمة في صناعة الإلكترونيات.
- لكن إعادة توحيد البلدين مكلفة على الطرف الجنوبي، ويُعتقد أنها ستبلغ تريليون دولار، كما سيكون على نظام الضمان الاجتماعي في سول توفير الدعم لـ25 مليون من سكان الشمال، أغلبهم كانوا يعانون من سوء المعاملة والتغذية.
- يقول تقرير لصحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، إن عمليات التطوير والتحديث في ألمانيا الشرقية بعد انهيار الجدار الفاصل، كلفت القطاع العام تريليوني دولار والقطاع الخاص 3 تريليونات دولار معظمها جاء من ألمانيا الغربية.
- يضيف التقرير: كان ذلك ممكنًا وفقًا للحجم النسبي للاقتصادين، لكن تطوير كوريا الشمالية قد يتكلف 10 تريليونات دولار، وهو ما يتجاوز قدرات الجنوب، وهو ما يخلق متسعا أمام حكومات ومنظمات متعددة الجنسيات ومستثمرين من أنحاء العالم لمطاردة الفرص الكامنة في هذا الاقتصاد الذي ظل منغلقًا لفترة طولة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}