قد تكون واحدة من الشركات الأقل شهرة في العالم، لكنها بين أكبرها وأكثرها حيوية للاقتصاد الأمريكي، إنها "يونايتد تكنولوجيز" التي أثارت استياء المستثمرين مؤخرًا بخبر انفصالها إلى 3 كيانات مستقلة، ولعل أبرز ما يميز الشركة هو تنوع أعمالها بين الصناعات الثقيلة والإلكترونية والخدمات.
وتمتد قائمة أعمال "يونايتد تكنولوجيز" البالغ عمرها 85 عامًا، لتشمل الأبحاث والتطوير والتصنيع، وذلك في مجالات مثل محركات الطائرات وأنظمة الطيران والأمان والبناء والمصاعد وعدد من المنتجات الصناعية الأخرى، وهي أحد أبرز المساهمين في صناعة السلاح الأمريكية، وتعد مشتريات حكومة الولايات المتحدة لمنتجاتها مصدرًا لنحو 10% من الإيرادات.
بداية كبيرة وإخفاق مبكر
- رغم أن تاريخ التأسيس الرسمي هو عام 1934، إلا أن أصول الشركة ترجع لعام 1928، عندما أسس "ويليام بوينج" شركة "بوينج إيربلان آند ترانسبورت كوربورشن" التي هيمنت على أعمال "بوينج إيربلان كومباني" و"بوينج إير ترانسبورت إنك" و"باسيفيك ترانسبورت".
- بحسب موسوعة المعلومات البريطانية "بريتانيكا"، أُعيد تسمية الشركة إلى "يونايتد إيركرافت آند ترانسبورت كوربورشن" في عام 1929، والتي استحوذت على عدد من شركات تصنيع الطائرات ومكوناتها، وبعد عامين دمجت 4 شركات أصغر في كيان واحد اسمه "يونايتد إيرلاينز".
- استجابة لتشريع يحظر امتلاك خطوط الطيران من قبل مصنعي الطائرات، تم تقسيم "يونايتد إيركرافت آند ترانسبورت كوربورشن" إلى ثلاث شركات مستقلة عام 1934، وتحولت منشآت التصنيع غرب نهر المسيسيبي إلى شركة "بوينج إيربلان كومباني" التي نعرفها الآن.
- أما المنشآت الشرقية فتوحدت تحت اسم شركة "يونايتد إيركرافت كوربورشن"، والتي احتفظت بتبعية شركات "برات آند ويتني" و"سيكورسكي" و"هاملتون ستاندارد"، فيما تم دمج جميع أعمال خدمات النقل في شركة "يونايتد إيرلاينز".
- بجانب "ويليام بوينج"، يقول موقع "ساكسِس ستوري" إن "فريدريك رنتشلر" مؤسس "برات آند ويتني" شارك في تأسيس "يونايتد إيركرافت آند ترانسبورت كوربورشن" وظل لاعبًا رئيسيًا في "يونايتد إيركرافت كوربورشن" بعد التقسيم بالإضافة إلى "جورج ميد" الذي كان كبير المهندسين آنذاك.
- في العام 1934، أطلق السناتور "هيوغو بلاك" تحقيقًا في عمليات احتيال وخداع تمت في أعمال الطيران، واستدعى "ويليام بوينج" للتحقيق، وفي النهاية أظهرت النتائج ارتكاب "يونايتد إير كرافت" ممارسات احتكارية، قبل أن تخلص السلطات للتشريع الجديد وتقرر تقسيم المجموعة التي استأثرت بنصف أعمال خطوط الطيران وتصنيع الطائرات في الولايات المتحدة.
هيمنة رغم الانفصال
- في بداية الحرب العالمية الثانية، توسع نشاط "يونايتد إيركرافت كوربورشن" بشكل كبير بفضل أعمال "برات آند ويتني"، حيث أنتجت الشركة مئات الآلاف من محركات الطائرات التي كانت تصنعها "بوينج" و"لوكهيد" و"ماكدونل دوغلاس" و"غرومان".
- خلال الصراع العالمي، أنتجت "برات" أكثر من نصف محركات الطائرات الأمريكية، وبعد انقشاع غبار الحرب، تحول اهتمام "يونايتد" إلى المحركات النفاثة، لكن "برات" تعرضت لمنافسة شرسة من "جنرال إلكتريك" و"ويستنغ هاوس"، بحسب موقع "إنكلوبيديا".
- في عام 1959، توفي "رنتشلر" بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر يناهز 68 عامًا، وفي نعي شهير لـ"نيويورك تايمز" أشار إلى جهود رائد الأعمال في دعم قدرات الولايات المتحدة على منافسة الاتحاد السوفيتي في صناعة المحركات، قالت الصحيفة الأمريكية: يرجع التفوق الجوي لهذه الأمة بشكل كبير إلى رؤية السيد "رنتشلر" ومواهبه.
- واصلت "يونايتد إيركرافت" إنتاج المحركات ومجموعة متنوعة أخرى من أجزاء الطائرات، وكانت "بوينج" القائد الرئيسي للطلب على منتجاتها، حيث حصلت الأخيرة على عقود عدة لتوريد الطائرات إلى البنتاغون ومشغلي خطوط الطيران.
- بحلول عام 1975، غيرت الشركة اسمها إلى "يونايتد تكنولوجيز كوربورشن" وتعرف اختصارًا بـ"يو تي سي"، في خطوة هدفت من خلالها للتأكيد على تنوع أعمالها، وواصلت سياسة الاستحواذ، بشراء شركة "موستك" لإنتاج أشباه الموصلات مقابل 345 مليون دولار عام 1981، ثم "كارير" لأنظمة تكييف الهواء في 1983، وأتبعتهما بالعديد من منتجي الإلكترونيات وبرامج الحاسوب.
إعادة إنتاج تجربة الماضي
- في أوئل التسعينيات، خلال الركود العالمي، سجلت أعمال "برات" و"أوتيس" و"كارير" خسائر، وأجرت "يونايتد" عملية إعادة هيكلة موسعة على يد فريق إداري جديد، وأنهت العام الأخير من الألفية الثانية بالاستحواذ على "صن دستر آند كورب" بعدما باعت وحدة مكونات السيارات.
- صنفت "فوربس" الشركة كواحدة من أكبر 100 شركة في العالم، وأضافتها لعدد من قوائمها البارزة، مثل أكبر شركة من حيث المبيعات، والأرباح، والأصول، والقيمة السوقية في الولايات المتحدة، وأيضًا كأحد أفضل الأماكن لتوظيف النساء.
- بلغت القيمة السوقية للشركة منتصف عام 2018 نحو 100 مليار دولار، وتصل منتجاتها إلى 180 دولة حول العالم، ويعمل لديها أكثر من 200 ألف موظف، وتتجاوز مبيعاتها السنوية ما يزيد على 60 مليار دولار، وأعلنت الشركة منتصف العام الماضي عزمها توظيف نحو 35 ألف شخص في الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة (ما يعادل نصف طاقتها العاملة في البلاد).
- في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت الشركة عزمها فصل أعمالها إلى 3 شركات منفصلة، إحداها للطائرات، والأخرى لصناعة المصاعد، والأخيرة للبناء، في خطوة وصفت بغير المفاجئة لكنها لم تلق ترحيبًا في السوق.
- جاء هذا القرار بعد انتهاء "يونايتد تكنولوجيز" من الاستحواذ على "روكويل كولينز" لصناعة مكونات الطائرات مقابل 30 مليار دولار، وهو ما يعتقد محللون أنه منحها الحجم والقدرات كافية للسماح باستقلال عمليات لأجزاء الطائرات.
- لكن يبدو أن هذه الأنباء لم تحظ بإعجاب المستثمرين، حيث تعرض سهم الشركة لضغوط هبوطية قوية، وتراجع من قرابة 125 دولارًا في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني إلى نحو 104 دولارات حاليًا، وانخفضت القيمة السوقية أدنى 90 مليار دولار.
- تقول "بلومبرج": الوقود المغذي لقلق المستثمرين، هو المخاوف المتعلقة بالتوقعات السيئة للتدفقات النقدية الحرة لشركة "روكويل كولينز"، وتأتي بعده خطة الشركة لفصل أعمالها بحلول عام 2020.
- مع ذلك، يرى البعض أن هذا الانفصال سيمنح الشركة تركيزًا أكبر على أعمال الطائرات، ومع استحواذها على "روكويل" ستغدو المورد الأول في العالم لأجزاء الطائرات.
- تتوقع الشركة بلوغ إيراداتها في هذا المجال فقط 50 مليار دولار بحلول عام 2020، ما يزيد بنحو 20 مليار دولار على مبيعات صاحبة المركز الثاني "جنرال إلكتريك أفيشين"، فهل يساعد إعادة إنتاج تجربة الماضي على تحقيق نجاح مماثل لما فعلته "يونايتد" عقب تقسيمها في ثلاثينيات القرن العشرين؟
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}