تعرفنا معًا في تقرير سابق على مفهوم الاقتصاد والفروع التي تندرج تحته، وأشرنا إلى اتفاق أغلب التعريفات على أنه العلم المعني بالبحث في شؤون الإنتاج وتوزيع الثروة وأنماط الاستهلاك.
ونظرًا لتنوع واختلاف مكونات المنظومة الاقتصادية لكل دولة، فإنها قد تسعى للتكامل مع غيرها لتوفير احتياجاتها التي لا تستطيع تلبيتها اعتمادًا على أسواقها المحلية فقط، أو ببساطة لمجرد الرغبة في تعظيم ثروتها وتحقيق الأرباح عن طريق بيع منتجاتها للبلدان الأخرى.
لكن الأمور لم تكن تسير على هذا النحو من البساطة في السابق، إذ آثرت العديد من الدول إغلاق حدودها أمام التجار الأجانب، والاعتماد على نفسها فقط في تلبية حاجة مواطنيها واقتصادها الوطني، وهو ما يعرف بالاقتصاد المغلق، والذي يخالف مفهوم الاقتصاد المفتوح السابق الإشارة إليه في الفقرة الثانية.
ما الاقتصاد المفتوح؟ وكيف يقاس الانفتاح؟
- في الوقت الحاضر، تعتبر كل دول العالم تقريبًا ذات اقتصاد مفتوح، ما يعني أن البلاد تسمح بالتجارة مع باقي الدول، وهو نشاط يقاس وفقًا لحجم الصادرات (المبيعات) والواردات (المشتريات)، لاستخلاص نتيجة نهائية حول ما إذا كان البلد مُصدرًا صافيًا (يبيع للخارج أكثر مما يشتري) أو مستوردًا صافيًا (يشتري أكثر).
- وفقًا لموقع "بوليكنوميكس" التعليمي المتخصص في السياسة والاقتصاد، فإن فهم حجم التجارة والنمو الاقتصادي ومعدل التضخم ومعدلات البطالة وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، تحظى باهتمام المحللين عند النظر إلى الاقتصادات المفتوحة وتقييم أدائها.
- في الاقتصاد المفتوح الذي يعتبره الخبراء أكثر فاعلية من المغلق، تطبق البلدان سياسات السوق الحر بدلًا من فرض ضوابط على الأسعار، ويقود القطاع الخاص الصناعات الرئيسية، وبالطبع تميل الدولة إلى تبني قواعد التجارة الحرة لا الحمائية.
- عند تحليل الاقتصادات المفتوحة من وجهة نظر اقتصادية بحتة، ينظر المختصون إلى صافي الصادرات وميزان المدفوعات، الذي يعكس حجم المعاملات بين الاقتصاد المفتوح وبقية بلدان العالم.
- كما أشرنا سابقًا، تدير كل دول العالم تقريبًا اقتصادات مفتوحة، لكنّ أمورًا أخرى (غير اقتصادية) قد تؤخذ في الاعتبار عند التحليل، فعلى سبيل المثال بعض الحكومات لا تسمح بحرية حركة الأموال أو تتحكم في تدفق المعلومات وخدمات الإنترنت.
لا انفتاح تام
- في الواقع، يميل البعض للقول إنه لا توجد اقتصادات مفتوحة أو مغلقة بالكامل من حيث القيود التجارية، فجميع الحكومات لديها درجات متفاوتة من السيطرة على رأس المال والعمالة.
- الاقتصاد المفتوح كليًا لا وجود له إلا من الناحية النظرية، ولا توجد دولة تسمح بوصول غير محدود إلى أسواقها، والكثير من الاقتصادات المفتوحة في هذه الأيام لا يزال بها صناعات احتكارية مملوكة للحكومة، لكن سماح السياسات لقوى السوق بتحديد الأسعار والإنتاج تعني أن البلد يحظى باقتصاد مفتوح، بحسب "رفرينس فور بزنس".
- درجة انفتاح الاقتصاد قد تؤثر على اختيار الحكومة للسياسات التي ترغب بها بالإضافة إلى حساسيتها تجاه دورات الاقتصاد العالمي، كما أنها ليست مرتبطة بحجم اقتصاد البلاد، فعلى سبيل المثال يعد الاقتصاد البريطاني أكثر انفتاحًا من الولايات المتحدة، وفقًا لحصة التجارة الخارجية في الناتج المحلي الإجمالي.
- تشيلي كانت ضمن البلدان التي بدأت تبني مفاهيم الاقتصاد المفتوح أواخر القرن الماضي، وقادت هذا التحول في منطقة أمريكا الجنوبية والوسطى، وهو ما جعل اقتصادها الأسرع نموًا بين الدول اللاتينية خلال الفترة من عام 1983 و1993.
- من بين الخطوات التي اتخذتها تشيلي لجعل اقتصادها أكثر انفتاحًا، كان خفض التعريفات الحمائية إلى معدل موحد عند 11%، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم، وهي خطوة دفعت منتجيها المحليين لتعزيز الكفاءة وزيادة القدرة التنافسية في السوق الدولي.
- نتيجة ذلك، تحسن أداء ميزان المدفوعات، ما مكنها من تحقيق فائض قدره 90 مليون دولار عام 1991، مقابل عجز بلغ 820 مليون دولار في العام السابق عليه، وأصبحت البلاد أقل اعتمادًا على صادرات النحاس مع تنوع اقتصادها.
الاقتصاد المُغلق
- يقصد بالاقتصاد المغلق، هو الذي لا تربطه علاقات تجارية مع أطراف خارجية، ويركز على تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر إنتاجه المحلي، ما يعني أنه لا يصدر أو يستورد شيئًا من الخارج، وهو نمط غير موجود في الوقت الحالي، على الأقل بهذا الشكل المطلق، فكما ذكرنا سابقًا، لا يؤمن المحللون بوجود اقتصاد مفتوح أو مغلق كليًا.
- يشتهر الاقتصاد المُغلق (والذي يعرف أيضًا باسم الاقتصاد المُدار)، بالرسوم الحمائية، والصناعات التي تديرها الدولة، واللوائح والضوابط الحكومية التي تحدد الأسعار، وفي هذا النمط من الاقتصاد، عادة ما تتدخل السلطات للتأثير في القضايا المتعلقة بإنتاج السلع والخدمات ولا تترك الأمر لقوى السوق.
- علاوة على عدم تصدير أو استيراد السلع والخدمات، فإن الدولة ذات الاقتصاد المغلق لا تشتري ولا تبيع الأسهم أو السندات من الدول الأجنبية، ولا تقترض أو تُقرض أيًا من هذه البلدان، كما أن المفهوم الأوسع لهذا النوع من الاقتصادات يقضي بعدم إمكانية المواطنين السفر للعمل في اقتصادات أخرى، أو استقدام عمالة للأسواق المحلية من الخارج.
إذن.. هل اختفت الاقتصادات المغلقة؟
- تقول موسوعة المعلومات الاقتصادية والمالية "إنفستوبيديا"، إن وجود اقتصاد مغلق في الوقت الراهن أصبح أمرًا صعبًا للغاية، حيث أصبحت المواد الخام، مثل النفط الخام، تلعب دورًا رئيسيًا في النشاط الاقتصادي نظرًا لأهميتها كمدخل للسلع النهائية، والعديد من البلدان ليست لديها هذه الموارد الطبيعية وعليها استيرادها من الخارج.
- بنهاية عام 2013، كانت البرازيل الاقتصاد الأكثر انغلاقًا في العالم، وفقًا لبيانات البنك الدولي التي أشارت إلى أن الصادرات والواردات شكلت نحو 28% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو وضع لم يتحسن كثيرًا في السنوات التالية.
- واجهت الشركات البرازيلية تحديات في ما يتعلق بالقدرة التنافسية، بما في ذلك ارتفاع سعر الصرف والسياسات الحمائية التجارية، ولا تستطيع سوى كبرى الشركات المحلية وأكثرها كفاءة أن تتجاوز العوائق التصديرية.
- بينما يواجه الاقتصاد المفتوح تمامًا خطر الاعتماد المفرط على الواردات، أو إخفاق المنتجين المحليين لعدم قدرتهم على منافسة اللاعبين الدوليين، ترفع الحكومة شعار "قليل من الانغلاق لا يضر" حيث تلجأ إلى ضوابط مثل التعريفات الجمركية وأنواع مختلفة من الحوافز لدعم الشركات المحلية.
- رغم ندرة مفهوم الاقتصادات المغلقة، فإن بعض الدول ربما تضطر إلى إغلاق السوق الخاص بصناعة محلية محددة لحمايتها من المنافسة الدولية، وتحظى البلدان المنتجة للموارد الطبيعية بتاريخ حافل من منع الشركات الأجنبية من الوصول إلى أسواقها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}